إيلاف من دبي: أغفل الموساد مهندس البرنامج النووي الباكستاني عبد القدير خان، الذي توفي هذا الأسبوع في إسلام آباد، على الرغم من أنه من العلماء النوويين الذين ساعدوا خصوم إسرائيل على حيازة قدرات عسكرية استراتيجية غيرت قواعد اللعبة.

وبحسب تقرير نشره موقع "الشرق"، نقلًا عن صحيفة "هآرتس" العبرية، أشار يوسي ميلمان، كاتب التقرير إلى أن عبد القدير خان، الذي توفي عن عمر ناهز 85 عاماً، جراء إصابته بفيروس كورونا، يعتبر بطلاً قومياً في موطنه باكستان، حيث أُطلق عليه لقب "أبو الأسلحة النووية الباكستانية"، لكن على نحو مماثل يمكن أن يطلق عليه أيضاً لقب "الأب الروحي" للبرنامج النووي الإيراني.

أضافت أن خان الذي صنع قنبلة نووية في باكستان "سرّب أسراراً نووية، واستفاد من شبكة انتشار عالمية، وساعد إيران في أن تتجه نحو التسلح النووي، وكان يساعد الزعيم الليبي الراحل معمر في تحقيق طموحاته لإنشاء مفاعل نووي".

شبكة سرية

بحسب "الشرق"، ذكر التقرير الإسرائيلي أنه "بعد مساعدة بلده باكستان في بناء ترسانة نووية كبيرة، تقاعد خان وافتتح شركة خاصة، استخدمها في شبكة عالمية معقدة وسرية من المساعدين والمهندسين والمقاولين والممولين، وعرض على دول أخرى معارفه ومهاراته، والتقنيات والمعدات النووية".

وأضاف أن شبكته "استأجرت ورش عمل ومصانع ومكاتب ومراكز كمبيوتر، في العديد من البلدان، بما في ذلك ماليزيا وكوريا الشمالية وسويسرا، على سبيل المثال لا الحصر".

محاطاً بهالة "العبقرية النووية" التي سهّلت صنع القنبلة النووية، سافر عبد القدير خان بكثرة خلال أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ليعرض خدماته.

وفي ظل الافتقار إلى البنية التحتية العلمية الجادة والخبرة، طلب الزعيم الليبي آنذاك معمر القذافي من خان وفريقه، تزويد طرابلس بمشروع جاهز للتشغيل، بحيث يكون خان مسؤولاً عن تسليم منشأة نووية مكتملة.

الأب الروحي لنووي إيران

لفت التقرير إلى أن إيران في فترة ما بعد الثورة، كانت تمتلك برنامجاً نووياً متقدماً نسبياً، طُوّر في عهد الشاه، وأداره علماء إيرانيون درسوا في الغرب. وأشار إلى أن إيران اشترت من خان رسومات ومخططات أجهزة الطرد المركزي الباكستانية المعروفة باسم "بي1" (P1) و"بي2" (P2).

وبنى علماء إيرانيون بقيادة محسن فخري زاده، الذي تم قتله برصاص فريق اغتيالات تابع للموساد بحسب "هآرتس"، أجهزة طرد مركزي خاصة بهم، وأعادوا تسميتها "آي آر-1" (Ir-1) و"آي آر-2" (Ir-2).

وأوضح التقرير أن أجهزة الطرد المركزي هذه، التي عملت إيران على تطويرها وتحسينها منذ ذلك الحين، لتصبح أسرع وأكثر كفاءة، أكملت السلسلة التي أسمتها Ir-3-4-5-6-7، وتدور الآن في منشآت تخصيب اليورانيوم في "نطنز" و"فوردو"، وتمثل مصدر القلق الرئيسي لإسرائيل والولايات المتحدة والغرب، في ما يتعلق ببرنامج إيران النووي ونواياها، وفقًا لـ "الشرق".

وأشار إلى أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، بقيادة رئيس الموساد في ذلك الوقت، شبتاي شافيت، أحيط علماً بسفر خان إلى المنطقة؛ لكن كما قال شافيت لميلمان قبل عقد ونصف، "لم يفهم الموساد وأمان (الاستخبارات العسكرية)، ما الذي كان يخطط خان لفعله".

وقال شافيت إنه "لو عرف هو وزملاؤه نوايا خان بشكل دقيق، لكان قد فكر في إرسال فريق من الموساد لقتله".

القذافي وخان

القذافي بحسب "هآريتس"، هو الذي كشف في نهاية المطاف شبكة خان السرية، فبعد غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، خشي الزعيم الليبي من أنه سيكون التالي، فسارع إلى حل مشكلاته مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بما في ذلك دعمه لبعض الجماعات في جميع أنحاء العالم.

وقال التقرير إن القذافي تفاوض مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه"، وجهاز الاستخبارات البريطاني "إم آي 6"، وكشف لهم بشكل كامل وبالوثائق، كيف كانت شبكة خان تبني مواقع نووية له، بعضها مخفي في شكل مزارع دجاج.

وقامت الاستخبارات الأميركية والبريطانية بمساعدة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بتفكيك كل من البرامج النووية والكيميائية الليبية.

لكن "سي آي إيه"، و"إم آي 6" أخفيا الأمر، وقسّما المفاوضات بشكل منفصل مع القذافي، لدرجة أن الموساد و"أمان" صُدما عندما سمعا الأخبار على "بي بي سي" في ديسمبر 2004.

ونتيجة لذلك، بدأت إسرائيل في التعمق أكثر في ملفاتها السابقة، وجمع قطع المعلومات، واكتشفت في النهاية أن سوريا كانت تبني مفاعلاً نووياً في الصحراء، على الرغم من أن خان وإيران لا علاقة لهما بذلك.

وبُني المفاعل السوري الذي كان يهدف إلى إنتاج البلوتونيوم بمساعدة كوريا الشمالية، ودمره سلاح الجو الإسرائيلي في سبتمبر 2007، بحسب التقرير.

ضغط دولي على إيران

أسهم الكشف عن القناة الليبية الأميركية البريطانية، عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى زيادة الضغط الدولي على إيران بشأن تطلعاتها النووية، استناداً إلى كشف متزامن للوثائق النووية التي قدمها خان لطهران في عام 2006، وفق ما نقل موقع "الشرق".

وفرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما في ذلك روسيا والصين، عقوبات صارمة ضد إيران.

وأجبرت هذه العقوبات إيران في نهاية على التراجع والتوجه إلى طاولة المفاوضات، وفي عام 2015 وقعت على خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) مع القوى الست الكبرى.

وفي عام 2018، انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بتشجيع من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الموساد يوسي كوهين، من الاتفاق. وأصبحت إيران الآن أقرب إلى أن تكون دولة على أعتاب حيازة أسلحة نووية، مما كانت عليه في عام 2018، حيث تقترب من الهدف الذي وضعه خان أسسه، وفق "هآريتس".

أفلت من "سي آي إيه"

وفقاً للتقرير، لم يفلت خان من أصابع الموساد فحسب، إذ أتيحت لوكالة الاستخبارات المركزية أيضاً فرصة لإيقاف دور خان النووي في باكستان، وأعماله المستقلة اللاحقة في مجال الانتشار النووي.

وبعد سنوات من مغادرة خان لهولندا في عام 1975، كشف رئيس الوزراء الهولندي رود لوبرز أن وكالة الاستخبارات المركزية كانت تعرف بالفعل آنذاك بشأن خان، وتورطه في التكنولوجيا النووية، لكن الولايات المتحدة لم تفعل شيئاً يذكر لمنع باكستان من حيازة أسلحة نووية.

وكالة الاستخبارات المركزية واصلت تعقب خان، وتمكنت من اختراق مشروعه الخاص، ليتضح أن أحد المتحدثين السويسريين مع خان، كان يعمل لمصلحة وكالة الاستخبارات المركزية، وضبطت الشبكة وألقي القبض على بعض أعضائها.

وخضع ثلاثة مهندسين سويسريين، باعوا لخان أجزاء أجهزة طرد مركزي للتحقيق، وعندما حُكم عليهم أخيراً في سويسرا في عام 2012، لم يقضوا عقوبة السجن. وأفادت أنباء بأن وكالة الاستخبارات المركزية خاضت مساومات قضائية في ضوء تعاون المهندسين مع جهاز الاستخبارا، بحسب "الشرق".

بطل قومي

عندما انكشف دور خان في ليبيا عام 2004، قامت السلطات الباكستانية تحت ضغط دولي مكثف، "باستجوابه"، متجنبة توجيه لائحة اتهام رسمية.

ورفضت السلطات الباكستانية السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية باستجواب خان. وبدلاً من ذلك، تعهدت باستجوابه بدلاً منها.

وبعد أن اعترف خان بشبكته النووية على التلفزيون الوطني، نفى بشدة أي مشاركة للدولة الباكستانية أو علمها بأنشطته، وحصل على عفو من الرئيس السابق برويز مشرف، الذي وضعه قيد الإقامة الجبرية. لكن خان ظل "بطلاً قومياً" في نظر الجمهور، وكذلك في تقدير الدولة الباكستانية.