واشنطن: جدّد الرئيس الأميركي جو بايدن التأكيد لنظيره الأوكراني وقادة تسع دول في أوروبا الشرقية منضوية في حلف شمال الأطلسي على التزام الولايات المتّحدة الراسخ سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها في مواجهة التهديدات العسكرية الروسية.

وقال البيت الأبيض في بيان صدر في أعقاب مكالمة هاتفية استغرقت قرابة ساعة ونصف الساعة بين الرئيس الأميركي ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنّ بايدن "أكّد مجدّداً التزام الولايات المتحدة الراسخ سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها".

وأضاف البيان أنّ بايدن وخلال مكالمة هاتفية ثانية أجراها بعيد ذلك بقادة تسع دول في أوروبا الشرقية أعضاء في حلف شمال الأطلسي "ناقش الحشود العسكرية الروسية المزعزعة للاستقرار على طول الحدود الأوكرانية وضرورة أن يتّخذ حلف شمال الأطلسي موقفاً موحّداً وجاهزاً وحازماً للدفاع الجماعي عن الحلفاء".

كما وعد بايدن قادة الدول التسع بـ"مواصلة التشاور والتنسيق الوثيقين".

من جهته أكّد مسؤول أميركي كبير خلال مؤتمر صحافي عبر الهاتف أنّ بايدن "لم يقدّم أيّ تنازلات" لنظيره الروسي، وذلك ردّاً على سؤال بشأن تقارير صحافية أفادت بأنّ واشنطن تضغط على كييف للتنازل عن سيادتها على جزء على الأقلّ من الأراضي التي يسيطر عليها الإنفصاليون الموالون لروسيا في شرق أوكرانيا.

وقال المسؤول طالباً عدم نشر اسمه إنّ "ما من دولة تستطيع إجبار دولة أخرى على تغيير حدودها".

تعهّدات بالدعم

وفي مكالمته مع الرئيس الأوكراني جدّد بايدن التأكيد على دعمه لاتفاقيات مينسك التي أبرمت في 2015 وكان يفترض أن تنهي النزاع الدامي في شرق أوكرانيا.

غير أنّ الآلية التي أقرّتها هذه الاتفاقيات متعثّرة منذ سنوات.

وقال البيت الأبيض إنّ بايدن مستعدّ لدعم "إجراءات مناسبة لتشجيع الثقة" في هذه العملية السياسية.

من جهته شكر الرئيس الأوكراني نظيره الأميركي على "دعمه القوي" لبلاده في مواجهة التهديدات الروسية.

وقال زيلنسكي في تغريدة إنّ بايدن أطلعه على فحوى اللقاء الذي عقده عبر الفيديو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الثلاثاء، وإنّه بحث مع سيّد البيت الأبيض في "السبل الممكنة لحلّ النزاع" في شرق أوكرانيا حيث ينشط متمرّدون موالون لروسيا.

وأعلن البيت الأبيض أنّ بايدن أجرى إثر اتصاله بزيلنسكي محادثة هاتفية دامت 40 دقيقة مع قادة بلغاريا وجمهورية التشيك وإستونيا والمجر ولاتفيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا، وجميعها منضوية في الحلف الأطلسي.

جنود قرب الحدود

ومنذ أكثر من شهر يتّهم الغرب روسيا بحشد عشرات الآلاف من الجنود بالقرب من الحدود الأوكرانية. وقال الكرملين من جهته إنّه يردّ على "الاستفزازات" ويريد ضمان أمنه.

وكانت هذه القضية في صلب محادثة عبر الفيديو استمرت ساعتين الثلاثاء بين بايدن وبوتين لكنها لم تفضِ إلى تخفيف التوتر على الرّغم من أنّ كلا الجانبين أشارا إلى محادثات مفيدة.

وغداة هذه المحادثة التي أكّد خلالها الرئيس الروسي أنّ موسكو "تمتلك حق" الدفاع عن نفسها، قال بايدن للصحافيين في البيت الأبيض "كنت واضحاً جداً، إذا قام بغزو أوكرانيا" فستكون هناك "عواقب اقتصادية لم يرَ مثلها من قبل".

وكان الرئيس الأوكراني الذي يدعو منذ عدة أشهر حلفاءه الغربيين إلى تقديم مزيد من الدعم له، قال الأربعاء إنّ المحادثات بين بايدن وبوتين كانت "إيجابية". وقال "نشهد الآن رد فعل شخصيًّا حقيقيًّا (...) من الرئيس بايدن في حل النزاع".

واستبعد بايدن في الوقت الحالي إرسال قوات أميركية لأنّ كييف ليست عضوا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لكن الضغط الدبلوماسي يتزايد على الكرملين المتهم بحشد عشرات الآلاف من الجنود عند الحدود مع أوكرانيا بهدف مهاجمة هذا البلد.

وتلقّت كييف دعماً من المستشار الألماني الجديد أولاف شولتس الذي هدّد الأربعاء بـ"عواقب" على خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" المثير للجدل الذي يربط روسيا بألمانيا، في حالة حدوث غزو.

وقال في أول مقابلة له بعد توليه منصبه إن "موقفنا واضح جدًّا (...) نريد أن يحترم الجميع حرمة الحدود".

عواقب استراتيجية

ولم يذكر البيت الأبيض بوضوح ما إذا كان بايدن تحدث عن وسيلة الضغط هذه أمام فلاديمير بوتين، لكن مستشاره لشؤون الأمن القومي جايك ساليفان أصرّ على أنّ هذا الخيار هو "أولوية مطلقة".

واتفق وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال الأربعاء في نداء "على ضرورة فرض عقوبات سريعة وشديدة على روسيا" إذا تكثّف التصعيد العسكري.

كذلك، انضمت بريطانيا وفرنسا إلى الأصوات الأوروبية التي تطالب فلاديمير بوتين بضبط النفس. وفي باريس، حذّرت وزارة الخارجية الفرنسية روسيا من "العواقب الاستراتيجية والهائلة" التي قد تترتب على عدوان على أوكرانيا.

من جهتها، تنفي روسيا وجود أي نوايا قتالية حيال جارتها. وكانت موسكو ضمت شبه جزيرة القرم الأوكرانية في 2014، وهي تعارض بشكل قاطع انضمام كييف إلى الحلف الأطلسي.

وأكّد بوتين الأربعاء أنّ موسكو "تملك الحق في حماية أمنها"، معتبرًا أن السماح للحلف بالاقتراب من حدودها من دون ردّ فعل سيكون "عملًا إجراميًا".

وأضاف "لا يسعنا إلّا أن نشعر بالقلق إزاء إمكانية انضمام أوكرانيا إلى الناتو لأنّ ذلك سيرافقه بلا أدنى شك نشر وحدات عسكرية وقواعد وأسلحة تهددنا".

لكن المتحدّث باسم الكرملين دميتري بيسكوف قال الخميس إن صيغة المناقشات مع واشنطن لدراسة هذه الضمانات لم تحدّد بعد.

من جهته، نفى رئيس الأركان الروسية الجنرال فاليري غيراسيموف الخميس وجود خطة لغزو أوكرانيا، معتبراً أنها "كذبة". لكنه حذر في الوقت نفسه كييف من أي محاولة لاستعادة منطقة دونباس الانفصالية عسكريًّا.

وحذّر الجنرال غيراسيموف من أن "أي استفزاز من جانب السلطات الأوكرانية لحل مشكلة دونباس (شرق أوكرانيا) بالقوة سيتم وقفها".

وخلال محادثته مع بايدن، طلب الرئيس الروسي خصوصًا "ضمانات قانونية مؤكّدة" تمنع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو.

"وسائل دفاع"

وفي واشنطن، أكّد بايدن أنّ "الواجب المقدس" الذي يربطه بدول الحلف الأطلسي "لا يشمل أوكرانيا"، مستبعداً في الوقت الحالي تدخلًا عسكريًّا.

لكنّه حذّر من أنّ أي هجوم روسي على أوكرانيا سيؤدّي إلى تعزيز الوجود العسكري الأميركي على أراضي الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي في أوروبا الشرقية.

وقال الرئيس الأميركي أيضاً إنه "أكّد بوضوح لأوكرانيا" أنه في حال غزو ستؤمّن الولايات المتحدة "وسائل دفاع" لكييف.

وصرّح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) جون كيربي الأربعاء إنّ أوكرانيا ستتلقّى بالفعل "أسلحة خفيفة وذخيرة" أرسلت هذا الأسبوع في إطار خطة دعم وافق عليها جو بايدن.

ويحيي التوتر شبح مواجهة عسكرية جديدة في أوكرانيا الدولة الفقيرة في أوروبا الشرقية التي تمزقها منذ 2014 حرب بين كييف والانفصاليين الموالين لروسيا في الشرق.

وتتّهم كييف روسيا بدعم الانفصاليين وهو ما تنفيه موسكو.

وأودى النزاع بحياة أكثر من 13 ألف شخص.