إيلاف من نيويورك: نقلت مجلة "نيويوركر" الأميركية عن روبرت مالي، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي جو بايدن للشأن الإيراني، قوله إن طهران "تسيء الحسابات وتلعب بالنار" في مفاوضاتها الجارية مع الولايات المتحدة حول برنامجها النووي.

وكان مالي، صاحب التاريخ الطويل في العمل الدبلوماسي على مسائل شرق أوسطية، قد لفت في تغريدة على "تويتر" إلى أن المفاوضات "لا تستهدف تحديث الاتفاقية أو تفصيل اتفاقية جديدة"، في إشارة إلى الاتفاقية المبرمة بين إيران وقوى دولية بقيادة واشنطن عام 2015 والتي انسحب منها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في عام 2018.

قال: "الهدف هو ترميم اتفاقية شبه مدمرة قطعة فقطعة"، معتبرًا أن هذه العملية تبدو الأولى من نوعها في تاريخ الدبلوماسية الدولية.

وأبلغ مالي المجلة أن المفاوضات المتجددة اتخذت منحى طارئًا في نوفمبر ، عندما "تبين لنا أن برنامج إيران النووي توسع وأن طهران أصبحت أكثر ميلًا إلى القتال والعدوانية في أنشطتها الإقليمية".

خطر الانهيار

ولفتت المجلة إلى أن النظام النووي العالمي الهش أصلًا يواجه اليوم خطر الانهيار، فالاتفاقيات النووية العائدة إلى القرن العشرين تقترب من تواريخ انتهاء الصلاحية أو تواجه خلافات، والولايات المتحدة وروسيا والصين تحدث ترساناتها النووية، وتقدر وزارة الدفاع الأميركية أن الصين ستملك ألف قنبلة نووية على الأقل بحلول عام 2030.

وهكذا تستهدف المحادثات مع إيران منعها من أن تصبح الدولة العاشرة في العالم التي تملك أسلحة نووية، إلى جانب الدول الثلاث المذكورة والمملكة المتحدة وفرنسا والهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية.

ووفق "نيويوركر"، هدد مسؤولون سعوديون بالسعي إلى امتلاك ترسانة نووية إذا تمكنت إيران من امتلاك واحدة، ونقلت المجلة عن كيلسي دافنبورت، المسؤول في جمعية الحد من التسلح، وهي منظمة أميركية غير حزبية، إلى أن انهيار المفاوضات حول الملف النووي الإيراني يهدد النظام النووي العالمي، مشيرًا إلى أن طهران بدأت تخالف بنود اتفاقية في عام 2015 بعد سنة من انسحاب ترمب منها، فهي ركبت أجهزة طرد مركزي أقوى بكثير من تلك المجازة في الاتفاقية، وتطور أجهزة أقوى، علمًا بأن هذه الأجهزة ضرورية لتخصيب اليورانيوم.

كذلك رفعت إيران نسبة تخصيب اليورانيوم من أربعة في المئة الكافية للطاقة النووية السلمية كما تنص الاتفاقية إلى 60 في المئة، وهذه نسبة معتمدة لدى الدول التي تسعى إلى صنع أسلحة نووية، وفق تصريح أدلى به رافاييل غروسي، رئيس وكالة الطاقة الذرية، في مايو.

النسبة الحاسمة

وتتخوف إسرائيل من وصول إيران إلى نسبة 90 في المئة، الحاسمة لصنع القنبلة النووية، بحسب زوهار بالتي، المدير السابق لدى جهاز الاستخبارات "الموساد" والمسؤول الحالي في وزارة الدفاع، الذي أبلغ المجلة أن الدولة العبرية لا تريد "الوصول إلى مرحلة نضطر فيها إلى التساؤل كيف سُمِح لإيران بالتخصيب بنسبة 90 في المئة".

وذكّرت المجلة باغتيال إسرائيل لأبي البرنامج النووي الإيراني، محسن فخري زادة، أواخر عام 2020 برشاش جرى التحكم به عن بعد، وبرد إيران على العملية الذي تمثل في إصدار قانون حد من عمليات التفتيش الدولية بأن منع الوصول إلى تسجيلات أجهزة المراقبة في المواقع النووية.

وأشار مالي في حديثة إلى المجلة إلى أن المفاوضات اقتربت من نقطة إيجابية في يونيو حين قدم هو رزمة تشمل إنهاء معظم العقوبات التي فرضها ترمب على إيران، ورحب الأوروبيون والروس والصينيون وحتى الوفد الإيراني بالعرض. لكن المفاوضات تعطلت مع انتخاب إبراهيم رئيسي المتشدد رئيسًا لإيران، وعزا مالي فوزه إلى امتناع إيرانيين مؤيدين للإصلاحيين عن التصويت إذ أن اتفاقية عام 2015 لم تحل مشاكل إيران الاقتصادية كما وعد الرئيس الإصلاحي آنذاك حسن روحاني.

ويخضع رئيسي لعقوبات أميركية لدوره في إعدام حوالي خمسة آلاف معارض عام 1988 حين كان يرأس السلطة القضائية. وكان مالي ترك ملابس في فندق في فيينا، المدينة التي تستضيف المحادثات، على أمل استئناف هذه الأخيرة قريبًا، لكنه ما لبث أن شحن الملابس إلى منزله.

تحذير إسرائيلي

وأشار مالي لـ"نيويوركر" إلى أن إدارة بايدن أعلنت رفضها لاتفاقية جديدة تأخذ في الاعتبار المخزون الذي راكمته إيران من اليورانيوم منذ سقوط الاتفاقية القديمة. وقال إن إحياء اتفاقية عام 2015 قد يبدو قريبًا "مثل محاولة إحياء جثة" إذ قد تضطر واشنطن وحلفاؤها إلى "التعامل مع برنامج نووي إيراني متفلت".

ولفتت المجلة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت حذر أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) من أن إيران "بلغت مرحلة حرجة وكذلك صبرنا" وقال إن "الكلام لا يوقف أجهزة الطرد المركزي عن العمل". ورجحت المجلة أن تبدأ الدولة العبرية قريبًا في تدريبات على شن ضربة عسكرية على إيران. وكان وزير الدفاع الإسرائيل بيني غانتز طالب واشنطن أثناء زيارته له في ديسمبر بالاشتراك في تدريبات كهذه. وقال بالتي للمجلة إن العمل الدبلوماسي الكفيل بلجم برنامج إيران النووي غائب في الوقت الحاضر. ولطالما تخوفت واشنطن من أن العمليات الإسرائيلية ضد إيران تدفع الأخيرة إلى التشدد وتهدد العمل الدبلوماسي.

وتأمل الإدارة الأميركية بأن تؤدي اتفاقية جديدة إلى خفض مستوى البرنامج النووي الإيراني، لكن مسؤولين أميركيين يخشون من أن ما اكتسبته طهران من معرفة لا يمكن إبطاله، وفق "نيويوركر". ولفتت المجلة إلى أن الجمهوريين يطالبون بموافقة مجلس الشيوخ، الموزعة مقاعده مناصفة بينهم وبين الديمقراطيين، على أي اتفاقية جديدة مع إيران وإلا مزقها أي رئيس جمهوري يصل إلى البيت الأبيض في المستقبل، لكن موافقة مجلس الشيوخ بتركيبته الحالية شبه مستحيلة.

الخطر الباليستي

ونقلت المجلة عن كينيث (فرانك) ماكنزي الابن، الضابط في مشاة البحرية، أن الخطر الإيراني الداهم الآن هو صواريخها الباليستية، وروى الرجل ما حصل حين قصفت إيران قاعدة عين الأسد الجوية في العراق حيث تتمركز قوات أميركية ردًا على اغتيال الأميركيين الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، العام الماضي.

فوفق ماكنزي، الذي شهد العملية الانتحارية التي أودت بحياة 241 من مشاة البحرية الأميركية في بيروت واتهمت إدارة ريغان وقتها حزب الله بتنفيذها وفق أوامر إيرانية، وكذلك بحسب الملازم ستايسي كولمان، قائدة إحدى الفرق الاستكشافية الجوية في شهادة أمام محققين عسكريين، كان القصف على عين الأسد عنيفًا دقيقًا، وعلى رغم استعداد القوة الأميركية له فلم تقع خسائر بالأرواح، أُصِيب 110 أميركيين بإصابات دماغية رضحية، اعتبرها ترمب في تصريح أمام صحافيين عبارة عن "صداع".

وشدد ماكنزي في تصريحه لـ "نيويوركر" على أن الأسلحة الجوية والبحرية والبرية لدى إيران متواضعة، فالجيش الإيراني لا يستطيع اجتياح بلد والإمساك به، لكن طهران حسنت صواريخها البالستية فطال مداها وازدادت دقتها وقفزت قدرتها التدميرية.

وقال مالي إن "إيران أثبتت أنها تستخدم برنامجها الصاروخي للضغط على جيرانها وتخويفهم"، وأشار ماكنزي إلى أن إيران تستطيع أن تطلق صواريخ أكثر مما تستطيع إسرائيل والولايات المتحدة إسقاطها، واصفًا ما حققته طهران في هذا المجال بأنه "تفوق".

ولفتت المجلة إلى أن أمير علي حاجي زادة، العميد الذي يقود القوات الجوية الإيرانية، يفاخر بقدرة صواريخه الباليستية على الوصول إلى أي قاعدة أميركية على بعد يصل إلى ألفي كيلومتر. ويتحمل حاجي زادة مسؤولية إسقاط طائرة ركاب أوكرانية ومقتل ركابها الـ176 فور إقلاعها من مطار طهران في أوائل عام 2020.

عميقًا في الأرض

وأكدت المجلة أن معظم برامج إيران النووية والصاروخية قائمة تحت الأرض في مواقع غرب البلاد بمواجهة الخليج العربي وإسرائيل. ووفق صور لأقمار اصطناعية، تقع المواقع على عمق 500 متر تقريبًا تحت الأرض وكلها في طبيعة صخرية. وفي حين يأمل مسؤولون أميركيون في حلول شاملة لمختلف المسائل الخاصة بإيران من ضمن الاتفاقية النووية العتيدة، شدد رئيسي بعد انتخابه على أن الصواريخ والمسائل الإقليمية غير قابلة للتفاوض.

لفتت المجلة إلى أن إيران تهرب صواريخ وتقنيات لتحسينها عبر معبر البوكمال الحدودي بين سوريا والعراق وتسلمها للميليشيات التي تأتمر بأمرها، مثل "حزب الله" اللبناني و"حركة أنصار الله" (الحوثيين) اليمنية و"حماس" و"الجهاد الإسلامي" الفلسطينيين، مضيفة أن ضربات جوية إسرائيلية مكثفة ضد أهداف تخص إيران وحلفائها داخل سوريا لم تردع التهريب.

ورأى مالي أن التهديدات الإيرانية في المنطقة يجب أن تُعالَج في "المستقبل غير البعيد" وإلا أدت إلى "تحويل دائم للتوجه الأميركي باتجاه الصين".

وفي حين تستبعد الإدارة الأميركية عملًا عسكريًا ضد إيران بسبب عدم شعبيته لدى الأميركيين وعدم جدواه كخيار بعيد الأجل، حض مالي الطرفين على العودة إلى الاتفاقية السابقة ثم مناقشة خطوات إضافية، لكن إيران تريد رفعًا فوريًا للعقوبات التي فرضها ترمب والولايات المتحدة لا تريد مكافأة إيران قبل أن تثبت الأخيرة تراجعها عن خطوات اتخذتها لتطوير برنامجها النووي، وهنا جوهر معضلة المفاوضات.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "نيويوركر".