تتناول الحلقة الثانية من "السنغال في القلب" كيف انخرط ماكي صال بالسياسة، ملتحقًا بحزب "أنده جف" الماوي، ثم الحزب الديمقراطي السنغالي، الذي كان يتزعمه عبد الله واد، متطرقاً لجماعة ساندرين.

إيلاف من لندن: تواصل "إيلاف" اليوم نشر الحلقة الثانية من مذكرات الرئيس السنغالي ماكي صال "السنغال في القلب"، وهي حلقة تتناول كيف انخرط في المسار السياسي، بالتحاقه بحزب "أنده جف" الماوي، ثم القطيعة معه بسبب رفضه المشاركة في الانتخابات، وصولا إلى انخراطه في الحزب الديمقراطي السنغالي، الذي كان يتزعمه انذاك المعارض الصلب عبد الله واد، دون أن ينسى التطرق لـ "جماعة ساندرين" في فترة دراسته الجامعية.

السِّياسة بين الوراثة والانخراطِ الشَّخصي
إنَّ الانخراط في عالَم السِّياسة؛ كثيراً ما يتمُّ في حضن المدرسة الثَّانويَّة، وإنَّ حركات تلاميذ الثَّانوية والطَّلَبة؛ كثيراً ما تكون مُنطلقاً لاعتناق مُختلَف المذاهب والتَّوجُّهات. بيد أن المؤكَّدَ هو أن الإنسان يتطوَّر. لأجل هذا؛ فإنَّ الشَّابَّ المُعرَّض للماركسيَّة، كما كنت، تحوَّل فيما بعد، إلى ليبراليٍّ اجتماعيٍّ اليوم.

وهذا لا يعني تغييرَ القناعة الشَّخصيَّة، وإنَّما يعني فقط، أن هنالك تطوُّراً قد حصل.

يمكن للإنسان أن يرثَ الاهتمام بالسِّياسة، أيضاً، في حُضن أسرته، سواءٌ بمساندة الحزب الحاكم أو بمعارضته.

كان أبي مُنخرطاً في الحزب الاشتراكيِّ السِّنِغاليِّ، الَّذي كان يعيش في فترةٍ؛ ما زالت آثارُ الحزب الواحد باديةً فيها. فيما يخصُّني أنا، أدركت لَمَّا بلغتُ 16 سنة أن هذا الحزب له سلوك الحزب الحاكِم بعنجهيَّتِه وغطرستِه. ولم يكن مثل هذا السُّلوك يعجبني بتاتاً.

أنا ولدتُ وترعرعتُ وليوبولد سيدار سنغور على رأس الدَّولة، وأدركت تعثُّرات ديمقراطيَّتنا الفتيَّة. وكان لي مِن العُمر 17 سنة؛ لَمَّا أُعِيدَ انتخابه رئيساً للجمهوريَّة للمرَّة الخامسة بنسبة 82.5 في المئة من الأصوات.

كان الحزب الاشتراكيُّ يُمثِّل العالَم القديم والدِّيمقراطيَّة المزوَّرة، في تصوُّري. لأجل هذا؛ ما كنتُ أطيق سماعَ الحديث عنه.

في سنة 1979، حصلت على شهادة نهاية الدِّراسة الإعداديَّة (DFEM)، كما حصلتُ في السَّنة نفسها على شهادة الإعداديَّة الابتدائيَّة (BE). وكانت هذه السَّنة آخِرَ مرَّة نُظِّمَت فيها هذه الشَّهادة.

الرئيس السنغالي الأسبق ليوبولد سيدار سنغور

في عالم السياسة
إنَّ انخراطي الحقيقيَّ في عالم السِّياسة؛ تمَّ في حضن ثانويَّة غاستون برجي في كولخ. كنت تلميذاً في الثَّانوية حسَّاساً جدَّاً فيما يتعلَّق بالمطالبات الاجتماعيَّة، وربَّما هذه الحساسية راجعةً إلى كوني وُلدت في أسرة متواضعة.

كنتُ تلميذاً مُنطوياً في بداية التحاقي بالثَّانويَّة، ثمَّ أصبحت مُتفتحاً أكثر بعد ذلك. ما بين 18و20 سنة؛ كنت المتحدِّث الرَّسميَّ باسم زملائي الحداثيِّين. وكان زوجُ أختي أَبْدُلْ سمبنجاي، شيوعياً ماويَّاً، ومنتسباً إلى الحزب السِّرِّيِّ المحظور "أنده جف" (العمل معاً).

ووافقَ أيضاً أن هذا الرَّجل كان أستاذي في الرِّياضيَّات لمَّا كنتُ تلميذاً في إعداديَّة فاتيك. إنَّ هذا الماويَّ جعلني عضواً في ذلك الحزب سنة 1980، لكنني لم أكن نشيطاً.

لم يكن "أنده جف" يعني شيئاً كثيراً للشَّباب الأصغر سِنَّاً. ولا بُدَّ مِن القول أن غالبيَّة مَن وُلدوا بعد 1968؛ لا يكادون يتذكَّرون هذا الحزب.

جدير بالذِّكرِ أن سنة 1970 كانت مليئةً بأعمال العنف والتَّوتُّر في جميع أنحاء العالم.

في السِّنِغال؛ كان سنغور حاكماً مُتسلِّطاً، دونَ معارضة. ولكن مع كلِّ هذا، فإنَّ الاحتجاجات نشبَت بوتيرة مُطَّرِدة. وهكذا؛ عشنا أحداث مايو 1968، التي قام الطَّلَبة والعُمَّال فيها بشنِّ إضرابٍ عامٍّ، وتفاقمَ الوضعُ إلى حدِّ إعلان حالة الطَّوارئ خلال 1969.

وفي 1973؛ تمَّ تعديل الدُّستور وإنهاء وضع الحزبِ الواحد. وعلى إثر هذا التَّعديل الدُّستوريِّ؛ أنشأ عبد الله واد، الحزبَ الدِّيمقراطيَّ السِّنِغالي.

بانخراطي في "أنده جف"؛ أصبحتُ مُنتسباً إلى حركة سياسيَّة سرِّيَّة محظورة. أكتبُ هذه الكلمات؛ وترتسمُ في مُحيَّاي بسمةٌ عابرة، وذلك لأنِّي، وإن كنتُ مُنتمياً إلى حزبٍ سرِّيٍّ محظور، فإنَّ ذلك لم يجعلني أعيش، يوماً، في الأدغال أو في الجبال!.

الزعيم الصيني ماو تسي تونغ

أما رئيسُ هذا الحزب "لاندنغ سافاني" وقادة آخرون، فأُودِعُوا السِّجنَ في يونيو 1975.

إنَّ حزبَ "أنده جف" لم يتم ترخيصه إلَّا في سنة 1982، وذلك بعد وصول عبدو ضيوف إلى الحُكم؛ خَلَفاً لسنغور.

عندما التحقتُ بالجامعة؛ كنتُ مُنخرطاً، بصفة رسميَّة، في الحزب اليساريِّ الماوي"أنده جف"، المعروف اختصاراً بـ(MRDN) (الحركة الثَّوريَّة مِن أجل ديمقراطيَّة جديدة). انضمَمتُ إلى الخليَّة الرَّئيسة التَّابعة لجامعة دكار. في هذا الوقت؛ كنتُ في السَّنة التَّمهيديَّة لمعهد علوم الأرض. وكنتُ عضواً مُتحمِّساً بسببِ تأثير زوج أختي، وكُنَّا نخترق وداديات الطَّلَبة، كما كُنَّا نستقطب أعضاء جدداً، داخلَ الغرف في السَّكن الجامعيِّ. هذه النَّشاطات شكَّلَت روح عملي السِّياسيِّ لغاية سنة 1983.

القطيعة
في هذه السَّنة؛ حدثَت القطيعة، ذلك لأنَّ الحزب قرَّرَ عدمَ المشاركة في الانتخابات، وعدم دعمِ أيِّ مُرشَّح وإعلان مقاطعة تامَّة.

فإدارة الحزب كانت تعتبر هذه الانتخابات مُجرَّد تظاهرة برجوازيَّة. أمَّا أنا؛ فلم يكن هذا الموقف يعجبني كثيراً، وكنت أرى أنِّي لستُ ثوريَّاً بالمعنى المُتعارف عليه للكلمة. ولم أخضع، دائماً، لما يُسمَّى"الانضباط الحزبيَّ". وكنت أرفضُ الذَّهاب لبيع صحيفة "جاي دولي بي" (Prolétariat)، بالصِّياحِ في الشَّوارع. لم أكن أجدُ نفسي مُستعدَّاً للقيام بمثل هذا العمل.

ابتعدتُ عن الحزب لمَّا تمَّ اتِّخاذُ قرار مقاطعة الانتخابات؛ لأنِّي ما كنت أريد أن أبقى سلبيَّاً. وبناءً على ذلك؛ دعمتُ المُعارِضَ الأقوى عبد الله واد.

نشبَ نقاشٌ داخلي على مستوى الحزب؛ لأنَّ البعض كان يرى بأنَّ عدم المشاركة في هذه الانتخابات موقف تفريط، كما أن فيه تفويت المساهمة في صناعة التَّغيير في البلد. أمَّا الآخَرون؛ فقد استمرُّوا في الدَّعوة إلى المقاطعة. وأنا كنتُ من بين الَّذين يرون بأنَّه تجب المشاركة في الانتخابات، وكنتُ بذلك جمهوريَّاً!.

لم أكن يوماً من أولئك الَّذين يقبلون الرَّأيَ المفروض عليهم، أولئك الَّذين لا يراعون الخَطَّ الوسط ولا يعرفون في حياتهم إلَّا فكراً أُحاديَّاً.

لكي يفهمَ الإنسان مساري الإيديولوجيَّ؛ لا بُدَّ أن يقوم بتحليل مُختلف مراحل حياتي. فأنا لم يكن لي قطُّ خطٌّ أحاديُّ الأبعاد.

ابتداءً من الصَّفِّ الثَّالث التَّكميلي الثَّانوي؛ كنتُ مِمَّن يُشار إليهم بالبَنان فيما يتعلَّق بالاحتجاجات. ومن ثمَّ كنت المتحدِّثَ باسم الزُّملاء في الجماعة.

إنَّ الانتساب إلى حركة ماويَّة، كان شيئاً منطقيَّاً، بالنِّسبة لي. في هذا الوقت كان "أنده جف" حزباً مُهمَّاً في السِّنِغال. وكان يوجِّه خطاباته، خصوصاً، إلى الشَّباب والنُّخبة المثقَّفة، ويدعوهم إلى أفكار ماو تسي تونغ. وكان هذا الحزبُ يجمع، في حضنه، الشُّيوعيِّين، بلا شكٍّ، ولكنَّه كان يُشكِّل أيضاً نقطةَ تلاقٍ لجميع المثقَّفين الثَّوريِّين والوطنيِّين الجادِّين.

في ما يخصُّني؛ فإنَّني لم أكن شيوعيَّاً لينينيَّاً ولا ماويَّاً، إنَّما كنتُ من الَّذين يريدون أن يعملوا دونَ أن يقعوا أسرى لأيَّة إيديولوجيَّة مُحدَّدة.

كنت شابَّاً حديث الالتحاق بالجامعة. وكان الوضع يتطلَّب من أمثالي الانتساب إلى هذه الحركات الثَّوريَّة الاجتماعيَّة، الَّتي ترفع شعارَ صراع الطَّبقات وسُلطة العُمَّال، الَّتي كانوا يُسمُّونهَا بكلِّ اعتزاز "دكتاتوريَّة البروليتاريا".

الإعجاب بمانديلا وديغول وماو
لا أَمَلُّ مِن تكرار القول أن "ما بين السِّنِّ الثَّامن عشر إلى العشرين، إمَّا أن يكون الشَّخص ميَّالاً إلى رفض كلِّ شيء، أو يشعر بحاجة عميقة إلى الإصلاح".

دونَ أن أكون أسيراً لأيَّة إيديولوجيَّة مُتحجِّرة أو مُقدَّسة؛ فإنِّي كنتُ أريد أن أرى الأمورَ تتحرَّك.

في مُقابلةٍ مع صحيفة "جون أفريك" سنة 2012، وُجِّهَ إليَّ سؤالٌ "مَن هُم الأشخاص الَّذين تقتدي بهم في مجال السِّياسة؟

خلال جوابي؛ ذكرتُ أوَّلاً شخصين، لم يُفاجِئ ذكري لهما أحداً، هما : نلسون مانديلَّا وشارل ديغول. الأوَّل، بسبب بطولتِه الأسطوريَّة الَّتي مكَّنَتهُ من الوقوف بصلابة أمام سُلطة قويَّة وغاشمة على حساب حُرِّيَّته. أمَّا الثَّاني؛ فَلِجُرأته ووطنيَّته. أمَّا الاسم الثَّالث؛ فإنَّ ذِكري له كان قد أحدث انتفاضةً عند المتحدِّث معي، إنَّه: ماو تسي تونغ!.

بعد ذلك؛ بيَّنتُ أنَّه يمكن للإنسان أن يكون اشتراكيَّاً ليبراليَّا؛ مع الإعجاب بالقائد الكبير: ماو. أعتقد أن الثَّورة الصِّينيَّة لها جوانبها الإيجابيَّة، أن أُعِيدَ تقييمُها على ضوءِ ظروف عصرِها. كلامي، هنا، لا يتعلَّق بالفترة الرَّهيبة للثَّورة الثَّقافيَّة، وإنَّما يتعلَّق بالبصمة الكبيرة لماو تسي تونغ، ولرؤيته السِّياسيَّة العامَّة.

المناضل الأفريقي ضد الفصل العنصري نلسون مانديلا

وإليكُم مثالٌ على القضايا الَّتي أتَّفق فيها مع ماو، وهي قولُه: "لتحقيق النَّصر؛ لا بُدَّ من اكتساب الأرياف وتطويقِ المُدن بها".

عندما كنتُ في بيكين في 2018 بجانب الرَّئيس الصِّينيِّ شين جي بينغ؛ اغتنمتُ هذه الفرصة، لأُبدي له تقديري الكبير لأربعين عاماً من الإصلاح والانفتاح الَّتي جعلَت الصِّين القوَّةَ الاقتصاديَّةَ الثَّانية في العالَم.

إذاً في سنة 1983؛ ابتعدتُ عن الحركة الماويَّة السِّنِغاليَّة، بسبب انتهاجها خطَّاً راديكاليَّاً، تمثَّل في مقاطعة الانتخابات. وعلى هذا الأساس؛ فإنَّني صَوَّتْتُ في تلك الانتخابات للسَّيِّد عبد الله واد، وخرجتُ مِن حزب "أنده جف".

الحزب الديمقراطي السنغالي
إنَّ الحزبَ الدِّيمقراطيَّ السِّنِغاليَّ، كان يُجسِّد ليبراليَّة عمَّاليَّة. ومِن حُسن الحظِّ؛ أن حُرِّيَّة أخذِ المبادرة كانت مُحترَمةً في هذا الحزب. هذه الفلسفة اللِّيبراليَّة هي الَّتي اعتنقتُها، منذ ذلك الوقت، مع دعمِ جانبها الاجتماعيِّ. بيد أنَّه ما بين 1983 و1988؛ كنت في عِرَاكٍ طُلَّابيٍّ دونَ أيَّة صبغة سياسيَّة حزبيَّة.

هذا الموقف لم يخلُ مِن تعريضي للمخاطر. ولا أذهب إلى حدِّ القولِ بأنِّي كنتُ مُضطَهَدا، لكن حدثَ، خلال هذه الفترة، أنَّه مِن بين السِّنِغاليِّين الثَّلاثة، مِن دفعتي، الَّذين تخرَّجُوا من معهد علوم الأرض، والرَّاغبين في مواصلة دراساتِهم العُليا في الخارج، وقاموا بالاجراءات اللَّازمة؛ كنتُ الوحيدَ الَّذي تمَّ رفضُ ملفِّه.

عشيَّةَ عزمي على السَّفر للالتحاق بجامعة ترانت في إيطاليا، بعد أن حصلتُ على منحة دراسيَّة مِن وكالة التَّعاون الإيطاليِّ، اتَّصلَ بي شخصٌ، من إيطاليا، تلفونيَّاً ليقولَ لي إنه لا يفهم ما يحدث، وذلك لأنَّ جواز سفري، سُحِبَ مِن بين جوازات السَّفَر الَّتي قُدِّمَت إلى الوفد الإيطالي، وأنَّه طلبَ معرفةَ السَّبب من جامعة دكار، وأخبرَ بأنِّي سأسافر لاحقاً مع جماعة أُخرى.

تلقَّيتُ هذا الخَبر في الوقت الَّذي كنتُ مُنكبا على ترتيب أمتعتي، وبعد أن أعدَّتْ لي أُمِّي كمِّيَّةً من الكعكِ، وبعدَ أن كنتُ سعيداً جدَّاً؛ لأنَّ هذه هي المرَّة الأولى الَّتي سأسافرُ فيها للالتقاء بثقافة أُخرى.

الرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول

يبدو أنَّه كان هناك مسؤولٌ عالي الرُّتبة في جامعة دكار، هو الَّذي كان يعمل لإعاقة ملفِّي حتَّى لا أسافر.

هذا المسؤول الجامعيُّ الكبير؛ كان يدَّعي بأنِّي سبقَ أن عاملتُه مُعاملةً مُخلَّة بالاحترام اللَّازم في حقِّه، وأنَّه على أساس ذلك؛ طلبَ منِّي الاعتذار، كي يُمرِّرَ ملفِّي من جديد. أمَّا أنا؛ فكنت أرفضُ الرُّضوخ لهذه المهزلة دون أدنى ندم.

لم يكونوا يريدون أن أقومَ بدراسات عُليا، وفقَ المقولة الاستعماريَّة: "ما دُمتَ بِلَا نخبة واعية؛ لن تكون لديك مشكلة".

وهذا التَّعثُّر في الحظِّ، هو العامل الأوَّل الَّذي جعلني أخوض حلبةَ السِّياسة بحماسٍ أكبر.

إنضمامي إلى حزب واد
أمَّا العامِل الثَّاني، الَّذي لا يقلُّ أهمِّيَّةً؛ فيكمن في أنَّه حدث خلالَ انتخابات سنة 1988؛ إيداع المُعارِض عبد الله واد السِّجنَ، بعد أن حصلَ على المرتبة الثَّانية بنسبة 25.80% من الأصوات. وبعد هذه الانتخابات؛ حدثت اضطراباتٌ وأعمالُ عنف في البلد؛ لأنَّ الكثيرين كانوا يرونَ عدمَ شرعيَّة هذه الانتخابات. وأُعيدَ انتخاب الرَّئيس عبدو ضيوف مع الزَّجِّ بواد في غياهِب السِّجن، بدعوى أنَّه عارضَ نتائج الانتخابات في الشَّوارع.

وبعدَ الإفراج عنه؛ ذهب واد إلى فرنسا لطباعةِ كتابٍ له، ثمَّ عادَ إلى البلد في فبراير 1989، ودعا إلى عقد اجتماعٍ سياسيٍّ حاشِد لحثِّ الأُطُر والشَّباب على الانضمام إلى حزبِه بغرضِ تطوير الأمور في البلد.

الرئيس السنغالي السابق عبدالله واد

وفي اليوم التَّالي؛ ذهبتُ إليهِ لأُعلنَ له انضمامي إلى حزبه، لأنِّي كنتُ أراه المعارضَ الوحيد الَّذي يتمتَّع بالمصداقيَّة، وأنَّه وحدَه القادر على تغيير الأمور. وكنتُ أريد أن أكون من الَّذين يساهمون في إحداث هذا التَّغيير.

في هذا الوقت؛ لم يكن لي أيُّ طموحٍ سياسيٍّ، على المستوى الوطنيِّ، وكنتُ أريد، فقط، أن أضعَ لَبِنَتي الخاصَّة في صرحِ التَّغيير هذا.

وفي ختام هذا الفَصل؛ لا بُدَّ لي من القول" إنِّي خلالَ هذه الفترة، لم يكن اهتمامي الوحيد في مجال الدِّراسة والنِّضال السِّياسي تقديم التَّضحيات...، بل إنِّي كنت، مثل بقيَّة الطَّلَبة، مولعاً بسماعِ الموسيقى في الأمسيات".

اليوم، في بعض الأحيان، تتردَّد في أُذني أصداءُ الأنغام الموسيقيَّة الَّتي كنتُ أستمع إليها. وهناك أغنية أسطوريَّة لِـألفا بلوندي: "بريغادير سبري" (brigadier sabari). أن هذه الأنغام الموسيقيَّة، عندما يرتادني نغمُها من جديد؛ فإنَّها تذكِّرني بأيَّام نضالي الأولى في الثَّانويَّة، وأنا شابٌّ صغير.

شهدَت سنة 1989، إنتاج منوَّعات موسيقيَّة كثيرة، وكان الكلُّ يستمع إليها في السَّكن الجامعيِّ. ومِن هذه المنوَّعات الموسيقيَّة: جاز مع جونكولتزنومايليس داوس ولويس أمسترونغ وغيرهم. وكانت هناك أيضاً حركةُ الريغي الموسيقيَّة مع بوب مارلي وبيتير توش وبورنينغ بير. كما كانت هناك موسيقى البوب مع مايكل جاكسون وإلتون جون وليونيل ريشي...هذا إلى جانب الأنغام الموسيقيَّة الإفريقيَّة مع بيمبيا جاز ويوسواندور وبابا مال وعمر بين وتيون سيك وإسماعيل لوه وتوره كندا وخلم...

جماعة ساندرين
لقد تركَتْ هذه السَّنوات الجامعيَّة في نفسي آثاراً وذكريات جميلة. وكنتُ مُنخرطاً في جماعة أصدقاء لا يُفارق بعضُهم بعضاً، وكانت صداقةً لن تنمحي من ذاكرتي. فكانت صداقتي أنا مُثيرةً للشَّفقة؛ إذ كنتُ لا أُتقن الأساليب الماكرة ولا الحسابات السِّرِّيَّة. وفي السِّياسة أيضاً؛ لم يكن لي أيُّ طموح في تولِّي السُّلطة، ولم تجرِ، يوماً، في خُلدي، مثلُ هذه العبارة: "لو كنتُ رئيساً للجمهوريَّة" أبداً، كانت صداقة جماعة تُسمَّى: "جماعة ساندرين", وكانت تتألَّف من أربعة أصدقاء في وحدة H، من السَّكن الطُّلَّابيِّ في جامعة دكار. هؤلاء الشَّباب الطَّلَبة الأربعة، وقعوا، معاً، في حُبِّ فتاةٍ طالبة اسمها ساندرين. وتعاهدوا، فيما بينهم، على عدمِ سعي أيٍّ منهم للفوز وحدَه بقلب هذه الفتاة، وألَّا يتنافسوا فيما بينهم مِن أجلها. وكلُّ مَا فعلوا؛ أنَّهم شكَّلُوا جماعة تعرف بـ"عصبة ساندرين".

إنَّ كلَّ هذه الأمور، ساهمَت في بلورة شخصيَّتي اليوم، وجعلتني أنتقلُ مِن رجل يساريٍّ إلى حامل راية الاحتجاجات، ثمَّ صديق مُخلص ووفي، ثمَّ أصبحت ليبراليَّاً اشتراكيَّاً.