إيلاف من بيروت: مع تقدم المفاوضات ببطء في فيينا بشأن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، ظهر مرة أخرى الحديث عن "خيار عسكري" ضد إيران. على مدى العقد الماضي، مع تضاؤل الأزمة النووية بين إيران والغرب، تم اقتراح ضربات عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية من قبل إسرائيل و/أو الولايات المتحدة بشكل متكرر.
بحسب مقالة كتبها عباس قيدري، الباحث في شؤون الأمن الدولي، ونشرها موقع "المجلس الأطلنطي"، دفع انسحاب إدارة دونالد ترمب من الاتفاق النووي في عام 2018 وإعادة فرض العقوبات الأميركية القاسية على طهران قادة الجمهورية الإسلامية إلى توسيع قدراتهم النووية. وبينما عاد المسؤولون الإيرانيون متأخرين إلى المحادثات في فيينا، أحرزت إيران تقدمًا حتى الآن في برنامجها النووي لدرجة أن بعض أوجه التقدم، لا سيما في مجال المعرفة النووية، لا رجوع فيها.
يسأل قيدري: "هل يمكن احتواء برنامج إيران بهجوم عسكري؟ وماذا ستكون العواقب من حيث الأضرار الجانبية وعدم الاستقرار الإقليمي؟". يقول: "منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية على الولايات المتحدة، والتي زادت بشكل كبير من الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، وبدء ما يسمى بالحرب العالمية على الإرهاب، كان احتمال الحرب مع إيران موضوع نقاش. حتى الآن، لم يحدث هذا لعدد من الأسباب، بما في ذلك إعطاء الأولوية الاستراتيجية لأفغانستان والعراق من قبل واشنطن. لو قامت الولايات المتحدة أو إسرائيل بمهاجمة إيران قبل عقدين من الزمن، لكانوا قد واجهوا دولة ذات قوات مسلحة غير فعالة ومجهزة بمعدات عسكرية قديمة ومتهالكة".
تملصت من العقوبات
لكن، على الرغم من أن إيران كانت هدفًا للعديد من قرارات العقوبات والحظر، فقد تمكنت من تحسين قدراتها القتالية، والتعلم من التقنيات العسكرية الأميركية في العراق وأفغانستان ونسخها أحيانًا. استخدمت إيران في الوقت نفسه العديد من الاستراتيجيات الفعالة لزيادة قدراتها الرادعة، بما في ذلك زيادة ميزانية البحث والتطوير للصناعات الدفاعية والقوات المسلحة (خصوصًا بالنسبة إلى الحرس الثوري)؛ وتغيير جوهر عقيدتها العسكرية للتأكيد على عدم التناسق؛ وتطوير وتفريق منشآتها النووية؛ وإنشاء وتعزيز الجماعات شبه العسكرية المتحالفة في لبنان والعراق وأفغانستان واليمن وسوريا وقطاع غزة.
يضيف قيدري: "باستخدام هذه الاستراتيجيات والاستفادة من أخطاء خصومها، أصبحت إيران لاعبًا رئيسيًا في الشرق الأوسط، وتتحدى بشكل متكرر مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل وخصوم إيران العرب. وصلت هذه الزيادة في القوة إلى نقطة تصدت فيها القوات المسلحة الإيرانية للقوات الأميركية بشكل مباشر، واسقطت مسيّرة للتجسس في 20 يونيو 2019، مع إطلاق صواريخ باليستية على قاعدة عين الأسد في العراق في 8 يناير 2020 انتقامًا لاغتيال الولايات المتحدة قاسم سليماني قرب مطار بغداد".
جلب التغيير في الإدارات الأميركية قبل عام أملًا في أن الدبلوماسية الأميركية الإيرانية يمكن أن تنتعش من حيث توقفت في عام 2016. مع ذلك، فشلت إيران والولايات المتحدة في استعادة العمل بالاتفاق النووي قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو 2020. مع تولي إبراهيم رئيسي مهامه في أغسطس 2021، ألغى الفريق الدبلوماسي الإيراني الجديد مبادئ الفريق السابق المتمثلة في حسن النية وبناء الثقة والتفاؤل، ما أدى إلى جو من التسوية والتفاهم. إلى جانب هذا التحول في نهج التفاوض، أظهرت القوات المسلحة الإيرانية قدرات قتالية جديدة خلال مناورة عسكرية واسعة النطاق سمتها "مناورات الرسول الأعظم 17"، والتي أجريت في وسط الصحراء في البلاد.
زيادة في القوة
أظهرت التدريبات زيادة كبيرة في السرعة والقوة القتالية للزوارق الهجومية السريعة، وصواريخ باليستية أكثر دقة قصيرة ومتوسطة المدى نجحت في إصابة المزيد من الأهداف، وعربات مصفحة حديثة مثل دبابة كرار القتالية الحديثة، وتحسين قدرات الحرب الإلكترونية، والاستخدام الواسع والفعال للطائرات الانتحارية بدون طيار ضد أهداف صغيرة.
إضافة إلى ذلك، ضرب الحرس الثوري الإيراني نموذجًا بالحجم الطبيعي لمنشأة ديمونة النووية الإسرائيلية في قلب صحراء إيران الوسطى بعدة صواريخ باليستية طويلة المدى وقصيرة المدى، فضلاً عن طائرات بدون طيار انتحارية.
قال اللواء غلام علي رشيد، قائد القوات المسلحة، في مقابلة يوم 20 ديسمبر 2021 أنه إذا هوجمت إيران "ستهاجم القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية على الفور جميع المراكز والقواعد والطرق والمساحات المستخدمة لمرور الهجوم وأصله جنبًا إلى جنب مع خطط عملياتية مدربة".
إسرائيل، التي طالما أكدت أن لها الحق في التصرف بشكل استباقي ضد إيران، خففت من حدة خطابها في الأيام الأخيرة. رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت أعلن في 28 ديسمبر 2021، بعد وقت قصير من تدريبات الحرس الثوري، أن إسرائيل لا تعارض أي اتفاق، "فالصفقة الجيدة أمر جيد".
إقرار أميركي
أقر مسؤولون عسكريون أميركيون بالقوة العسكرية الإيرانية المتنامية، لا سيما في مجال الصواريخ الباليستية. قال الجنرال كينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأميركية لموقع "نيويوركر": "أصبحت صواريخ إيران تهديدا أكثر إلحاحا من برنامجها النووي. فالآن يمكنهم أن يضربوا بشكل فعال وواسع عمق الشرق الأوسط. يمكنهم الضرب بدقة وبقوة".
عوامل أخرى تجعل الحرب مع إيران غير قابلة للتحقق. تركز إدارة جو بايدن الآن بشكل أكبر على الوضع الأمني الهش في أوروبا الشرقية بسبب الانتشار العسكري الروسي الكبير على الحدود الأوكرانية، فضلاً عن تهديدات الصين لتايوان .
انسحبت الولايات المتحدة بالكامل من أفغانستان وقلصت وغيّرت مهام قوتها الصغيرة في العراق. كما أن الاستقرار القريب للأزمة في سوريا يخفف أيضًا من دوافع إسرائيل لشن صراع محدود مع إيران. حتى إذا فشلت محادثات فيينا وظل منسوب التوتر عاليًا، فمن غير المرجح حدوث صراع عسكري، لأنه سيؤدي إلى وضع يخسر فيه جميع الأطراف.
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "المجلس الأطلنطي".
التعليقات