إيكالويت (كندا): يتوجه البابا فرنسيس الجمعة إلى القطب الشمالي المحطة الأخيرة من رحلته إلى كندا للقاء الإينويت الذين ينتظرون بدورهم اعتذارًا عن سوء معاملتهم في مدارس داخلية لكنهم يأملون أيضًا في سماع كلام مهم بشأن "الانتهاكات الجنسية".
وسيلقي البابا فرنسيس (85 عامًا) كلمة أخيرة في الصباح في مدينة كيبيك قبل أن يتوجه إلى إيكالويت عاصمة منطقة نونافوت وأكبر مدينة فيها.
وفي هذا المكان من أرخبيل القطب الشمالي الذي لا يمكن الوصول إليه إلا بالطائرة ويعني اسمه "مكان الأسماك"، يعيش نحو سبعة آلاف شخص معظمهم من السكان الأصليين.
في شوارع إيكالويت التي تتألف من منازل صغيرة ملونة مبنية على أجراف صخرية تمتد إلى البحر، تابع السكان بدقة المراحل الأولى من رحلة "التوبة" التي يقوم بها الحبر الأعظم.
وفي المدينة، سيلتقي بسكان أصليين أدخلوا إلى مدرسة داخلية في المدينة وسيلقي أمامهم خطابه الأخير.
وقالت كارول مابليك (17 عاماً) "أشعر بارتياح كبير لما جرى، للاعتذارات"، معترفة بأن "مشاعر مختلطة" تعتريها.
أما إليسابي وشوتا (36 عاماً) وهي ربة منزل "هذا لن يحل أي مشكلة لكن اعتذارات أمام العالم كله تعني الكثير بالنسبة لنا".
واعتبر طلب "الصفح عن الأذى" اللاحق بالسكان الأصليين الذي أطلقه البابا الإثنين في ألبرتا (غرب) بالقرب من مدرسة داخلية سابقة تشكل رمزاً لعقود من سياسة الاستيعاب القسرية التي اتبعت حيال السكان الأصليين، "تاريخياً".
لكن عدداً كبيراً من السكان الأصليين يذكرون بأنه ما زال يجب فعل الكثير وأن هذا لا يمثل سوى المرحلة الأولى من عملية طويلة للشفاء.
وقال يسرائيل مابليك (43 عاماً) الذي ذهب إلى إحدى هذه المدارس الداخلية "عليهم أن يفعلوا المزيد عبر وضع علاجات وإقامة مراكز رعاية للصحة النفسية".
إجابات محددة
وبين نهاية القرن التاسع عشر وتسعينات القرن العشرين، تم تسجيل حوالى 150 ألف شخص من الإينويت أو الميتي (الخلاسيون) أو الأمم الأولى قسراً في أكثر من 130 من هذه المؤسسات، وعزلهم بذلك عن أسرهم ولغتهم وثقافتهم.
وقد تعرض كثير منهم لاعتداءات جسدية أو جنسية ولم يعد آلاف منهم بعد ذلك، بعدما سقطوا ضحايا أمراض أو سوء تغذية أو إهمال.
لكن في إيكالويت، ينتظر كثر أيضاً إجابات محددة من البابا حول الأب جوهان ريفوار الذي أصبح بالنسبة للكثيرين رمزًا لإفلات مرتكبي الاعتداءات الجنسية من العقاب تحت حماية الكنيسة.
هذا القس الفرنسي الذي أمضى ثلاثة عقود في شمال كندا، صدرت في حقه مذكرة توقيف لكن لم يطله أي إجراء حتى الآن. وقد غادر كندا في 1993 ويعيش في فرنسا في ليون.
وقالت كيليكفاك كابلونا رئيسة منظمة "نونافوت تونغافيك" التي تمثل إينويت نونافوت إن "اعتذارات البابا ليست كاملة".
وأضافت "لم يأخذوا في الاعتبار الاعتداءات الجنسية ولم يعترفوا بالدور المؤسسي للكنيسة الكاثوليكية في حماية المعتدين، فهذه الحماية تسمح للعنف الجنسي بالانتشار".
وتابعت "نريد أن يتم تسليم ريفوار إلى كندا لمواجهة التهم الموجهة إليه في المحكمة وطلبنا من البابا التدخل ليطلب منه العودة إلى كندا". وفي محطاته الأخرى، سمع البابا الشكوى نفسها.
"لم يكن ذلك كافيًا"
فقد صرحت أبيغايل بروكس (23 عاماً) لوكالة فرانس برس في سانت آن دي بوبر على ضفاف بحيرة سان لوران "بالنسبة لي، لم يكن ذلك كافيًا".
وأضافت أنها "تقبل" اعتذاره لكنها تأسف لأنه لم "يذكر الاعتداءات الجنسية التي كانت منتشرة في كل مكان في المدارس الداخلية".
وأوضحت أنها تريد أيضاً "الاطلاع على وثائق الفاتيكان" واستعادة القطع الفنية الأصلية المحفوظة لديه، مؤكدة "لديهم الكثير منها منذ فترة طويلة جداً وهذا جزء من المصالحة لاستعادة ما نملكه".
قال جيسلان بيكار رئيس مجتمعات السكان الأصليين في كيبيك ولابرادور فقد قال لوكالة فرانس برس "من المهم أن يتذكر البابا الناجين عندما يعود إلى روما". وأضاف أنه "تم الكشف عن الحقيقة أخيراً مع كل الآلام المتراكمة ، كل العار أيضًا".
وتابع "اليوم، يمكننا أخيراً توجيه أصابع الاتهام إلى الجناة، الكنيسة والحكومات في ذلك الوقت على حد سواء".
وأضاف أن "الدين كان له دائماً وزن كبير، حتى على المستوى السياسي، لذلك نطالب أيضًا بإلغاء المرسوم البابوي"، وهي خطوة مهمة أخرى في المصالحة.
وفي تجمع الخميس، ساد بعض التوتر. فقد رفعت لافتة كتب عليها "إلغاء العقيدة" لفترة وجيزة تدعو إلى التغيير، في إشارة إلى المراسيم البابوية في القرن الخامس عشر التي سمحت للقوى الأوروبية باستعمار الأراضي والشعوب غير المسيحية.
لم يدل البابا فرانسيس بأي تعليق في هذا الشأن ولا حول إعادة القطع الأثرية.
وعلى الرغم من المناشدات المتكررة من الكثير من الناجين، لم يطلب الصفح باسم الكنيسة، بل عن الأعمال التي ارتكبها "بعض المسيحيين".
خطوات ملموسة
وقال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو في بيان الخميس إنه ناقش مع البابا "ضرورة" أن تقوم الكنيسة "بخطوات ملموسة لإعادة القطع الأثرية للسكان الأصليين، وتأمين الوصول إلى سجلات المدارس الداخلية" من دون ذكر أي تفاصيل.
وأكد البابا من جهته أن الاعتذار ليس "نقطة نهاية" بل "نقطة البداية" لكنه لم يحدد الخطوات الأخرى التي قد يتخذها.
ولا يتردد بعض الناجين في تأكيد أن الوقت فات بالنسبة لهم. وقال جيمي باباتي (58 عاماً) الذي روى الاعتداء والاغتصاب الذي تعرض له في سن مبكرة في مدرسة داخلية في شمال كيبيك.
وقال لوكالة فرانس برس إنه "عاش حياته كلها في خوف بسبب إقامته في المدرسة الداخلية"، مؤكداً وهو يبكي "أنا مقتنع بأنني لن أشفي أبداً".
وأكد أن "زيارة البابا (...) إذا كان الناس يحتاجون إلى سماع ذلك، أفضل بكثير. لكنها لن تؤدي إلى شفائي".
وزار الزعيم الروحي للكاثوليك البالغ عددهم 1,3 مليار، غرب كندا ثم كيبيك في هذه الرحلة. وهو يتنقل على كرسي متحرك بسبب ألم في ركبته اليمنى.
التعليقات