إيلاف من بيروت: على الرغم من أن إسرائيل لا تعترف بذلك رسميًا، معروف أن هذه الدولة تمتلك ترسانة أسلحة نووية (ثمة خلاف حول العدد الدقيق للرؤوس الحربية التي تملكها). ومفهوم جيدًا أن الولايات المتحدة عارضت برنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي خلال عهد الرئيس الأميركي جون كينيدي، وبدرجة أقل، خلال عهد الرئيس الأميركي ليندون جونسون. جزء واحد من التاريخ غير معروف جيدًا هو أن الكثير من تمويل برنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي جاء من أميركيين عاديين في جهد قاده أبراهام فاينبرغ، وهو أميركي بارز عمل مستشارًا غير رسمي لكل من كينيدي وجونسون.

يعود اهتمام إسرائيل بالأسلحة النووية أساسًا إلى تأسيس الدولة اليهودية في عام 1948. كان مؤسس الدولة ديفيد بن غوريون مسكونًا بهاجسي المحرقة وعداء العرب. اعتبر بن غوريون الأسلحة النووية خيارًا أخيرًا لضمان بقاء الدولة اليهودية في حال استخدم أعدائها العرب جيوشًا تقليدية متفوقة. لا تمتلك دولة شابة وفقيرة وغير متطورة نسبيًا الموارد التقنية والمادية اللازمة لدعم برنامج أسلحة نووية محلي. جاء الأمل في امتلاك أسلحة نووية من العثور على راع أجنبي.

دور الجزائر

في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، كانت سيطرة فرنسا على الجزائر - التي كانت تعتبرها جزءًا من فرنسا وليست مجرد مستعمرة أخرى - موضع نزاع متزايد من تمرد محلي كان يتلقى دعمًا كبيرًا من الزعيم المصري جمال عبد الناصر. وردت باريس بطلب المساعدة من إسرائيل لتوفير معلومات استخبارية عن الوضع الجزائري مقابل أسلحة تقليدية فرنسية. وظهرت فرصة تحويل هذا الأمر إلى تعاون نووي في عام 1956 عندما طلبت باريس من إسرائيل تزويد فرنسا وبريطانيا بذريعة للتدخل عسكريًا في ما يعرف بأزمة قناة السويس.

كان لدى بن غوريون تحفظا كبيرًا على إشراك إسرائيل في المخطط. تم التغلب عليه عندما وافقت فرنسا على تزويد إسرائيل بمفاعل بحوث صغير مماثل لمفاعل EL-3 الذي بنته فرنسا في ساكلاي. بالطبع، سرعان ما انحرف غزو السويس مع تهديد كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي لإسرائيل وفرنسا وبريطانيا بطرق مختلفة لحملهم على الانسحاب من مصر. لم تكن فرنسا قادرة على حماية إسرائيل من تهديدات القوى العظمى، لكن قبل الموافقة على الانسحاب، طالبت تل أبيب باريس بتلطيف التعاون النووي. وافقت فرنسا على تزويد إسرائيل بمفاعل أكبر كثيرًا لإنتاج البلوتونيوم في ديمونة، واليورانيوم الطبيعي لتزويد المفاعل بالوقود، ومصنع لإعادة المعالجة، أي كل ما تحتاجه إسرائيل لاستخدام المصنع لإنتاج البلوتونيوم لصنع قنبلة باستثناء الماء الثقيل.

لم تقدم أي دولة من قبل أو منذ ذلك الحين لدولة أخرى مثل هذا الكم الهائل من التكنولوجيا اللازمة لصنع قنبلة نووية. مع ذلك، كانت هذه نصف المعركة فقط. كان لا يزال يتعين على بن غوريون توفير الأموال اللازمة لدفع ثمن الصفقة النووية مع فرنسا. لم تكن تكلفة بناء منشآت ديمونة النووية معروفة، لكن من المحتمل أن تدفع إسرائيل لفرنسا ما لا يقل عن 80 إلى 100 مليون دولار في الستينيات. كان هذا مبلغًا ضخمًا بالنسبة إلى إسرائيل في ذلك الوقت. علاوة على ذلك، كان بن غوريون قلقًا من أنه إذا قام بتحويل أموال الدفاع للمشروع النووي، فإنه قد يجر معارضة من الجيش الذي كان يكافح لبناء قوة مسلحة تقليدية يمكنها هزيمة العرب.

صندوق خاص

بدلاً من ذلك، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي إنشاء صندوق خاص لتمويل الصفقة مع فرنسا. كما وثق مايكل كاربين في تأريخه لبرنامج إسرائيل النووي في كتاب "القنبلة في الطابق السفلي" (The Bomb in the Basement)، وجه بن غوريون طاقمه ببساطة إلى "الاتصال بآبي"، في إشارة إلى آبي فاينبرغ. كان هذا رجل أعمال بارزًا في نيويورك ومحسنًا وزعيمًا يهوديًا أميركيًا له علاقات وثيقة بالحزب الديمقراطي. قبل دخول أميركا في الحرب العالمية الثانية، جمع فاينبرغ الأموال لمساعدة يهود أوروبا على الهجرة إلى فلسطين. بعد انتهاء الحرب، ذهب - مثل بن غوريون - إلى أوروبا لمشاهدة معسكرات الهولوكوست. كما ساعد في تهريب الناجين من الهولوكوست إلى فلسطين في الوقت الذي فرض فيه البريطانيون حصارًا لمنع الهجرة اليهودية غير الشرعية. خلال هذا الوقت، أقام فاينرغ روابط دائمة مع العديد من الرجال الذين أصبحوا فيما بعد قادة كبار في دولة إسرائيل. عند عودته إلى الولايات المتحدة، ساعد في الضغط على الرئيس الأميركي حينئذ هاري ترومان للاعتراف بالدولة اليهودية بمجرد إعلان استقلالها.

وهكذا، كان طبيعيًا أن يلجأ بن غوريون في أكتوبر 1958 إلى فاينبرغ للمساعدة في جمع الأموال اللازمة لصفقة ديمونة. في الواقع، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها بن غوريون إلى القادة اليهود الأميركيين لجمع الأموال من أجل قضايا خاصة بدولة إسرائيل. وتوقعًا لحرب الاستقلال قريبًا، طار بن غوريون إلى نيويورك في عام 1945 لجمع الأموال لشراء السلاح لليهود في فلسطين. كانت مهمته ناجحة. وفقًا لكاربين: "في الأوراق السرية لدولة في طور الإعداد، أُطلق على السبعة عشر مليونيرًا الأميركي الاسم الرمزي ’معهد سونبورن‘، تيمنً بمضيفهم. في السنوات التالية، سيساهم أعضاؤها بملايين الدولارات لشراء ذخائر وآلات ومعدات طبية وأدوية وسفن لنقل اللاجئين إلى فلسطين".

معهد سونبورن

كان فاينرغ واحدًا من سبعة عشر مليونيرًا كانوا يشكلون ’معهد سونبورن‘. في عام 1958، لجأ فاينبرغ إلى العديد من نفس أعضاء المعهد، إضافة إلى العديد من القادة اليهود الآخرين في أميركا الشمالية وأوروبا، من أجل جمع الأموال لمشروع ديمونة النووي في عام 1958. مرة أخرى، وفقًا لكاربين، "بدأت حملة جمع الأموال السرية في نهاية عام 1958، واستمرت عامين. ساهم حوالي 25 ثريًا بما مجموعه 40 مليون دولار".

ما مدى أهمية مهمة فاينبرغ في نجاح المشروع النووي الإسرائيلي؟ وفقًا لكاربين: "لو لم يكن بن غوريون متأكدًا من أن فاينبرغ يمكنه جمع الملايين اللازمة للمشروع من يهود العالم، فمن المشكوك فيه أنه كان سيجري الصفقة مع فرنسا. لم يكن بوسع إسرائيل في خمسينيات القرن الماضي وستينياته أن تدفع ثمن التقنية المتقدمة، وأنشأت مفاعل ديمونة وبالتالي أنشأت رادعًا نوويًا من مواردها الخاصة.

مع ذلك، لم تكن هذه نهاية مشاركة فاينبرغ في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية. في الواقع، بعد أن استعاد الديمقراطيون البيت الأبيض في انتخابات عام 1960، أصبح فاينبرغ مستشارًا غير رسمي لكل كنيدي وجونسون. على سبيل المثال، في عام 1961، قاد فاينبرغ الجهود لإقناع بن غوريون بالسماح بالتفتيش الأميركي على مفاعل ديمونة.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "ناشونال إنترست" الأميركي