تُشير المعلومات المتوافرة إلى أن برنامج طهران النووي هو أكثر تقدماً مما كان عليه في عام 2015، لذا فإن التهديد الحقيقي باستخدام القوة هو وحده الذي سيمنع النظام الإيراني من تجاوز عتبة الأسلحة النووية.

إيلاف من بيروت: يقول دنيس روس، زميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن وقد عمل سابقاً في مناصب رفيعة في الأمن القومي الأمريكي مع إدارات ريغان وبوش وكلينتون وأوباما، إنه قبل عقد من الزمن، كان وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك يزور واشنطن بانتظام ويعقد اجتماعات رفيعة المستوى مع كبار المسؤولين في إدارة أوباما، "وشكل برنامج إيران النووي المحور الرئيسي لتلك الاجتماعات، وأتذكر تحذيره المتكرر: تقولون إن هناك وقتاً للتعامل مع هذه المسألة، ولكنني أخشى أن يستمر ذلك يتردد على مسامعنا حتى يُقال لنا: لقد فات الأوان ولم يعد بوسعنا أن نفعل شيئاً وعلينا التعايش مع الأمر. كنت أحد أولئك المسؤولين في الحكومة الأميركية الذين حاولوا طمأنته بأننا لن نسمح بحدوث ذلك. لكن مع قَوْل رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية حالياً، إن البرنامج النووي الإيراني يتقدّم بسرعة، فإنني أخشى أن تصبح توقعات باراك حقيقة واقعة".

وبحسب روس، في مقالة له نشرها موقع معهد واشنطن، تملك إيران حالياً قنبلتين من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة، أي ما يقارب المستوى المطلوب للأسلحة [النووية]، وتواصل تركيب وتشغيل أجهزة طرد مركزي متقدمة يمكنها تخصيب اليورانيوم بسرعة أكبر بكثير من الجيل الأول من أجهزة الطرد المركزي من نوع "IR-1". فقد تقدم خط الأساس للبرنامج النووي الإيراني بشكل كبير بحيث تجاوز المرحلة التي كان يمكن أن يكون فيها لو التزمت طهران بحدود الاتفاق النووي الإيراني، المعروف أيضاً بـخطة العمل الشاملة المشتركة. ومن هذا المنطلق، وفّر قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بالانسحاب من الخطة مبرراً لإيران للمضي قدماً، ومن هذا المنظور من الواضح أن حملة الضغط الأقصى التي شهدتها سنوات ترمب باءت بالفشل.

نهج فاشل مستمر

يضيف روس: "ترك النهج الفاشل لترمب المتعلق ببرنامج إيران النووي إرثاً ثقيلاً على الرئيس الأميركي جو بايدن. لكن السياسة التي انتهجها بايدن حتى الآن لم تنجح أيضاً. فعلى مدار الثمانية عشر شهراً الماضية، تطور البرنامج النووي الإيراني بوتيرة متسارعة، حيث يشمل كميات كبيرة من المواد المخصَّبة المخزَّنة ومادتين (اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة وإنتاج معدن اليورانيوم) اللتين ليس لهما أي غرض مدني مبرَّر، على حد تعبير غروسي أيضاً. ويعني هذا الواقع أنه حتى لو تم إعادة صياغة خطة العمل الشاملة المشتركة، ستصل إيران بعد عام 2030 إلى مستوى يسمح لها بالانتقال بسرعة إلى حيازة قنبلة [نووية] ما لم يدرك القادة الإيرانيون أن تكلفة هذه الخطوة باهظة للغاية".

يتفهم روس رغبة إدارة بايدن في العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، فمن شأنها أن توقف تقدم البرنامج النووي الإيراني، وتفرض على طهران شحن اليورانيوم المخصب الفائض الذي خزنته إلى الخارج (19 مرة فوق حدود خطة العمل الشاملة المشتركة)، وتُبقي على كمية لا تكفي لصنع قنبلة واحدة من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67 في المئة فقط، وتنهي إنتاج معدن اليورانيوم، وتوقف عمل أجهزة الطرد المركزي المتطورة الخاصة بإيران. لكن إيران طورت اليوم دراية نووية وأصبحت بالتالي دولة على حافة العتبة [النووية]. ولن يكون لإيران فترة تجاوز للعتبة النووية عندما تُرفع القيود النوعية والكمية التي تفرضها خطة العمل الشاملة المشتركة على برنامجها النووي في نهاية عام 2030. إن إعادة إحياء الخطة تسمح بكسب الوقت حتى ذلك الحين. ومن شأنها تأجيل التهديد النووي الإيراني وليس إنهائه، ونتيجة لذلك، سيعتمد الكثير من مسار الأمور على كيفية استغلال الولايات المتحدة وغيرها للوقت الذي كسبته.

وفقًا لروس، ضروري أن تستغل واشنطن الوقت لاتخاذ خطوات من شأنها أن تزيد بشكل موثوق من التكاليف التي ستتكبدها إيران إذا اختارت التوجه نحو امتلاك سلاح نووي بعد عام 2030 وتزيد من التهديدات في المنطقة. ولن تكون هذه المهمة سهلة بما أن إيران ستستغل ذلك الوقت أيضاً، وربما مئات المليارات من الدولارات التي يمكن أن تكسبها خلال الفترة المتبقية لخطة العمل الشاملة المشتركة لتقوية وكلائها الإقليميين، وتطوير ترسانتها من الصواريخ الباليستية بشكل أكبر، وتعزيز بنيتها التحتية النووية لجعلها أقل عرضة للهجمات. وفي هذه المرحلة، يبدو أن المواقف الإيرانية الأخيرة قلصت آمال وسطاء الاتحاد الأوروب" في التوصل إلى اتفاق لإعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة في المستقبل القريب

اقتراح نهائي!

يتابع السفير الأميركي السابق: "هناك أمر واحد مؤكد: أن القادة الإيرانيين لم يتعاملوا مع الاقتراح النهائي" الذي قدمه الاتحاد الأوروبي على أنه نهائي، بل على أنه قابل للتفاوض، ووافقوا عليه لكن بشروط متعددة. الأول، إلغاء العقوبات المفروضة على الشركات الإيرانية التي تتعامل مع الحرس الثوري الإسلامي؛ والثاني، الحق في استئناف جميع جوانب برنامج إيران النووي إذا انسحبت الحكومة الأميركية من خطة العمل الشاملة المشتركة مجدداً، ما يعني أن التخصيب بنسبة 60 في المئة وإنتاج معدن اليورانيوم، اللذين ليس لديهما غرض مدني مبرر، سيحظيان بقبول قانوني. وأخيراً، يمكن أن تبدأ عملية إعادة الامتثال لقيود الخطة إلا أنها لن تكتمل ما لم تُنهِ الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحقيقاتها التي تطال ثلاثة مواقع إيرانية غير معلنة وجدت فيها آثاراً لليورانيوم".

بحسبه، يبدو أن الأوروبيين مستعدون للموافقة على استئناف الخطة حتى مع بقاء مسألة الوكالة الدولية للطاقة الذرية من دون حل. وإذا تمكنت إيران مجدداً من الإفلات من أي مساءلة عن عمل محظور، فقد يكون من الصعب للغاية ضمان عدم امتلاك إيران لبرنامج نووي سري. وبطبيعة الحال، قد ترفض الولايات المتحدة شروط إيران، وقد لا يتم بالتالي التوصل إلى اتفاق. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فما هي الخطوات التي ستكون إدارة بايدن على استعداد لاتخاذها لوقف تقدم برنامج إيران النووي؟ يجيب روس: "ستعمد واشنطن إلى زيادة الضغط الاقتصادي على إيران من خلال تطبيق العقوبات بصرامة أكبر، مما يجعل من الصعب، مثلاً، على إيران بيع نفطها، عبر تضييق الخناق على الدول التي تنتهك العقوبات بشرائها النفط الإيراني. ولكن من غير الواضح إلى أي مدى سيكون الصينيون على استعداد للتعاون".

عاجلًا.. آجلًا..

خلاصة القول هي أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، ستقترب إيران من امتلاك قنبلة [نووية] عاجلاً وليس آجلاً. وإذا أعيد إحياء الاتفاق، ستمتلكها آجلاً وليس عاجلاً؟ وللأسف، يقول روس، هناك أساساً أصوات في أوساط السياسة الخارجية تعتبر، كما توقع باراك، أنه لا يمكن منع إيران من تطوير سلاح نووي وأنه يجب على العالم أن يتعلم ببساطة التعايش مع الأمر، لكن هؤلاء يخفقون في توقع الكيفية التي سيرد فيها الآخرون في المنطقة على هذا الطرح. على سبيل المثال، إذا رأت إسرائيل أن الولايات المتحدة والآخرين مستعدون للتعايش مع إيران المسلحة نووياً، فسيزيد ذلك إلى حد كبير من احتمال قيامها بشن ضربات عسكرية كبيرة على البنية التحتية النووية الإيرانية. وبالمثل، أعلن ولي العهد السعودي أنه إذا امتلكت إيران القدرة النووية، فستحذو المملكة حذوها أيضاً.

يقول روس: "يبدو أن أولئك الذين يشعرون بالطمأنينة من تجربة الحرب الباردة وتوازن الرعب الذي كان قائماً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي يعتقدون أن المنطق ذاته أو المبادئ ذاتها ستنطبق في الشرق الأوسط أيضاً. ولكنهم يتغاضون على الأقل عن عاملين: أولاً، كانت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي تتمتع بقدرات توجيه ضربة ثانية، مما يعني أنه لا يمكن منعهما من الرد بواسطة قوتهما النووية حتى ولو تعرضا للقصف أولاً. أما في الشرق الأوسط، باستثناء إسرائيل - التي يقال إن لديها القدرة على إطلاق صواريخ مسلحة نووياً من الغواصات - فسوف يستغرق الأمر سنوات لتطوير قدرات توجيه ضربة ثانية، مما يجعل القوة النووية لدول الشرق الأوسط عرضة بشدة لضربة استباقية. وفي أي أزمة، تكون جميع الجهات الفاعلة في حالة تأهب، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام شن ضربة نووية واندلاع حرب. ثانياً، حتى في ظل ما يسمى بواقع التدمير المؤكد المتبادل، كان العالم على وشك أن يشهد كارثة نووية خلال الحرب الباردة. فبالإضافة إلى أزمة الصواريخ الكوبية، التي قادت البشرية إلى شفير حرب نووية بدرجة فاقت توقعات الجميع آنذاك، بات من المعروف أيضاً أن السوفيت أخطأوا في قراءة مناورة واسعة النطاق لحلف شمال الأطلسي عام 1983، اعتقاداً منهم أنها مقدمة لشن هجوم، وكانوا يستعدون لتوجيه ضربة نووية، إلا أن القدر حال دون حدوث تبادل نووي".

عتبة نووية

بحسب روس، بايدن محق بقوله إن الولايات المتحدة ستمنع إيران من حيازة سلاح نووي. لكن من المؤسف أن المسار الذي ينتهجه قد يجعل موقفه هذا ذو طبيعة خطابية أكثر من كونها حقيقية. صحيح أن هذه الخطوة قد تأخرت ولكن لم يفت الأوان بعد لمنع إيران من تحويل قدرة "عتبتها النووية" إلى سلاح. لكن الأمر يستوجب أولاً أن يؤمن القادة الإيرانيون أنهم يخاطرون فعلياً ببنيتهم التحتية النووية بالكامل إذا استمروا في السعي إلى صنع قنبلة نووية. فهم لا يعتقدون اليوم أن واشنطن ستستخدم القوة ضدهم. يضيف روس: "أولاً، ضروري أن تغيّر واشنطن موقفها العام. عليها أن تؤكد أنه في الوقت الذي يفضل فيه بايدن بشدة التوصل إلى نتيجة دبلوماسية، يتصرّف المسؤولون الإيرانيون كما لو كانوا يريدون سلاحاً نووياً ويستخدمون المحادثات كغطاء للسعي وراء هذا الهدف. يجب على هؤلاء المسؤولين أن يفهموا أن الولايات المتحدة ستتخذ إجراءات في مرحلة معينة وتقضي على البنية التحتية النووية الإيرانية بالكامل، وهي بنية استثمر الإيرانيون فيها بتكلفة كبيرة على مدى عقود. ثانياً، يجدر بالقوات الأميركية إجراء تدريبات مع القيادة المركزية على عمليات جو-أرض ضد أهداف محصنة، والتي يجب أن تتضمن بالضرورة ضرب الدفاعات الجوية التي تحميها".

يضيف روس: "ثالثاً، من الضروري أن تستمر واشنطن في تحديث دفاعات شركائها الإقليميين ضد هجمات الصواريخ والطائرات بدون طيار. والهدف من ذلك هو طمأنة شركائها الإقليميين والإظهار لطهران أن بإمكان الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها أن تخفف من حدة ردودها أو تهديداتها العسكرية. رابعاً، على البنتاغون تسريع تسليم ناقلات التزود بالوقود من طراز "KC-46" إلى إسرائيل. فقدرة إسرائيل على ضرب البنية التحتية النووية الإيرانية بشكل فعال تتطلب وقتاً أطول للتريث لضمان قدرتها أيضاً على القضاء على أهداف محصنة. وهي تحتاج إلى هذه الطائرات لتتمكن من تنفيذ نوع الضربات الضرورية. وحالياً، من غير المرجح أن يحصل عليها الإسرائيليون، الذين من المقرر أن يشتروا أربع ناقلات من طراز "KC-46"، قبل عام 2025. وإذا كان الهدف هو إقناع القادة الإيرانيين بأن الخيار العسكري واقعي وأنهم يلعبون بالنار إذا استمروا في التقدم نحو حيازة سلاح نووي، على إسرائيل الحصول على هذه الناقلات قبل الموعد المتوقع بكثير. وبالفعل، فإن إمدادها على وجه السرعة سيُظهر لإيران أن بايدن مستعد لدعم أي عمل إسرائيلي ولن يقوم بتقييده".

ختامًا، يقول روس: "إذا حصلت إيران على سلاح نووي، سيحذو السعوديون وغيرهم في المنطقة حذوها، وستنهار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. هناك العديد من الأشخاص الجادين الذين بدأوا بالفعل في الدعوة بأخذ النتيجة التي كان يخشاها باراك على محمل الجد، وأن تكون بمثابة جرس إنذار. حان الوقت لتغيير هذا الواقع".