حقق حاكم فلوريدا رون ديسانتيس فوزا ساحقا في انتخابات التجديد النصفية، إذ أعيد انتخابه بفارق كبير يزيد عن 1.5 مليون صوت، مما أثار المزيد من التكهنات بأنه قد يترشح للرئاسة في غضون عامين.
ويعتبر ديسانتيس "الفائز الكبير" في الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، وينظر إليه على نطاق واسع على أنه منافس محتمل لدونالد ترامب في ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة في عام 2024.
دونالد ترامب يحذر حاكم فلوريدا من الترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة
ما سر أهمية انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي؟
ويعد ديسانتيس وافدا جديدا نسبيا على الساحة السياسية، لكنه ارتقى إلى الصدارة بسرعة بعد أن أصبح حاكم ولاية فلوريدا في عام 2019.
وقبل ساعات فقط من انتخابات يوم الثلاثاء، حذر الرئيس السابق دونالد ترامب ديسانتيس من الترشح للرئاسة في عام 2024، قائلا إن ذلك سيلحق الضرر بالحزب الجمهوري.
وقال الرئيس السابق لشبكة فوكس نيوز "أعتقد أنه سيرتكب خطأ فادحا.. أعتقد أن القاعدة الجماهيرية لن تحب الأمر".
يبدو أن مواقفه الحاسمة حول القضايا المثيرة للجدل مثل الجنس، وتعليم القضايا العرقية في المدارس، والإجهاض، كان لها صدى لدى ناخبيه، حيث يُعتقد أنه زاد من قاعدة ناخبيه بشكل كبير في كافة أنحاء الولاية على تنوعها الديموغرافي .
من جامعة يال إلى مكتب الحاكم
ديسانتيس البالغ من العمر 44 عاما يعد وجها جديدا إذ انتخب لأول مرة ليشغل مقعدا في مجلس النواب في عام 2012. وبعد ست سنوات فقط في عام 2018، بعد محاولة قصيرة الأمد ليصبح عضوا في مجلس الشيوخ، أصبح حاكما لولاية فلوريدا.
ملايين الأمريكيين يصوتون لتحديد توازن القوى في الكونغرس
هل يمكن أن تؤثر الانتخابات النصفية الأمريكية على مسار الحرب في أوكرانيا؟
ولد ديسانتيس في جاكسونفيل بولاية فلوريدا عام 1978، والتحق بجامعة يال لدراسة التاريخ - حيث كان قائد فريق البيسبول - وبعد فترة وجيزة التحق بكلية الحقوق بجامعة هارفارد.
خلال سنته الثانية في جامعة هارفارد، تم تكليفه كضابط في البحرية الأمريكية ليلتحق بفرعها القانوني، فيلق الضباط القضاة العام (JAG). وتضمنت مهام خدمته كضابط في الفيلق العمل مع المعتقلين المحتجزين في خليج غوانتانامو، بالإضافة إلى تعيينه مستشارا قانونيا لنخبة قوات البحرية الأمريكية المنتشرة في العراق.
وخرج ديسانتيس من الخدمة العسكرية مع مرتبة شرف في عام 2010، لكنه لا يزال على قيود الخدمة في احتياطي البحرية الأمريكية. في هذا الوقت أيضا، التقى بزوجته، كايسي، وهي مراسلة إخبارية تلفزيونية محلية وناجية من مرض السرطان، وقد ساعدت في جمع التبرعات في أعقاب إعصار إيان عام 2022.
وصفت صحيفة نيويوركر الزوجين وأطفالهما لاحقا بأنهم "جاهزون ليكونوا على الكتيب الدعائي للحملة الانتخابية"، ونقلت عن أحد زملاء ديسانتيس قوله إنهم "يبدون وكأنهم خلقوا لهذا الدور".
بعد انتهاء خدمته الفعلية أصبح ديسانتيس مدعيا عاما فيدراليا، ثم في عام 2012 دخل في سباق للحصول على مقعد عن الدائرة السادسة لكونغرسولاية فلوريدا، وهي واحدة من أكثر المناطق محافظة في الولاية.
خلال اقتحامه الأولي هذا للمعترك السياسي لولاية فلوريدا ،اعتمد ديسانتيس إلى حد كبير على برنامج "الحكومة الصغيرة" (وهو مبدأ تلتزم فيه أنظمة الحكم بالحد الأدنى من التدخل في حياة المواطنين)، وخفض الضرائب، بالإضافة إلى معارضة واضحة لإدارة أوباما.
وقد كان ديسانتيس يأخذ على إدارة أوباما ما اعتبره ميل حكومته للتدخل في "كل وأي قضية تقريبا، من محيط خصر الأطفال إلى درجة حرارة الأرض".
ما العامل الوحيد الذي يمكن أن يحدد توجهات الناخبين الأمريكيين؟
ويتذكر خلال خطاب ألقاه في فبراير/ شباط الماضي في مؤتمر للمحافظين في تكساس: "كانت مهمتي إلى حد كبير تتمثل في كبح جماح باراك أوباما..كانت تلك معارك جيدة ومهمة للغاية".
في عام 2018 وبعد أن أمضى خمس سنوات في الكونغرس، حيث ساعد في تأسيس "كتلة الحرية" للمحافظين اليمينيين المتشددين، أعلن ديسانتيس عن نيته الترشح لمنصب الحاكم لولاية فلوريدا، مدعوما بتأييد كامل من الرئيس آنذاك دونالد ترامب.
وبالفعل تمكن من تحقيق هدفه وأدى اليمين الدستورية حاكما لولاية فلوريدا في يناير/ كانون الثاني 2019.
ديسانتيس حاكم فلوريدا والوباء
جاء التحدي الرئيسي الأول لديسانتيس كحاكم لفلوريدا في عام 2020، وسط انتشار وباء كورونا. بحلول أبريل/ نيسان من ذلك العام، كان ديسانتس قد أمر بتطبيق إجراءات الإغلاق العام في جميع أنحاء الولاية، وأقام المئات من مراكز الاختبار وطلب ملايين الكمامات، والتي قال حينها إنها "يمكن أن تمنع انتقال العدوى للفئات المعرضة للخطر والضعيفة".
بحلول أبريل/ نيسان 2021، كان ديسانتيس قد بدأ في رفع القيود وبحلول يوليو/ تموز - على الرغم من ارتفاع الحالات والانتقادات اللاذعة التي وجهت له - أمر بإعادة فتح المدارس.
وقالت سارة لونغويل، الخبيرة الاستراتيجية الجمهورية ومؤسسة حركة الناخبين الجمهوريين ضد ترامب، لبي بي سي: "إن أزمة كوفيد هي التي أسست إرث ديسانتيس، إذ كان يخالف نوعا ما التوجهات في عموم البلاد في ذلك الوقت..إن الكثير من سكان الولاية يقدرون موقفه".
في الوقت نفسه كانت قناة فوكس نيوز تبث خطابات ومقابلات ديسانتيس على مستوى البلاد كافة وليس فلوريدا وحدها، والتي استهدف فيها الرئيس جو بايدن بعد أن أدى الأخير اليمين الدستورية في البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني 2021.
دفعته الأشياء التي "أنجزها" منذ ذلك الحين إلى احتلال موقع الصدارة في صفوف أكثر الشخصيات الجمهورية شهرة في البلاد. في مارس/ آذار 2022، على سبيل المثال، وقع على مشروع قانون - أطلق عليه النشطاء لقب "لا تقل مثلي" - يحظر المناقشات حول التوجه الجنسي أو الهوية الجنسية في المدارس الابتدائية.
من الرابح ومن الخاسر حتى الآن في الانتخابات النصفية الأمريكية؟
كما أنشأ "مكتب جرائم الانتخابات والأمن" في عام 2022 للنظر في جرائم التصويت المزعومة. وعبر ذلك المكتب أُلقي القبض على بعض الأشخاص الذين صدرت بحقهم إدانات جنائية في الماضي بتهمة التزوير وانتحال صفة ناخبين، لكنهم أعربوا عن استغرابهم وقالوا إنهم تلقوا رسائل متضاربة، إذ قيل لهم إنهم مؤهلون للتصويت وأُرسلت لهم بطاقات تسجيل من قبل المسؤولين المحليين.
وبعد أن ألغت المحكمة العليا الأمريكية الحق الدستوري في الإجهاض، أعلن ديسانتيس أن "صلوات الملايين" قد لاقت استجابة، لكن منذ ذلك الحين، بدا أكثر تحفظا بشأن هذه القضية، الأمر الذي فسره البعض على أنه حسابات سياسية تهدف إلى الموازنة بين الضغط من العناصر المحافظة في الحزب الجمهوري، وآراء الناخبين في فلوريدا، الذين يؤيد معظمهم حق الاختيار في مسألة الإجهاض.
وقد أثار القانون الذي وقعه ديسانتيس والذي يحظر الإجهاض بعد مرور 15 أسبوعا على بدء الحمل طعونا قانونية، وينظر فيه حاليا من قبل المحكمة العليا بالولاية.
واتهم منتقدون ديسانتيس مؤخرا باستخدامه المهاجرين "كسلاح" لتنفيذ حيلة سياسية، وذلك بعد أن رتب لمجموعة من طالبي اللجوء أغلبهم من الفنزويليين، للسفر جوا من تكساس إلى مارثا فينيارد، وهي منطقة ليبرالية في ولاية ماساتشوستس.
وقال المتحدث السابق باسم اللجنة الوطنية الجمهورية دوغ هاي: "مرة أخرى أدخل نفسه بشكل استباقي في حرب ثقافية...إنه على استعداد للعب دور المحارب الثقافي".
وقالت سارة لونغويل إن معارك ديسانتس مع وسائل الإعلام حول سياساته الأكثر إثارة للجدل، قد تكون في نهاية المطاف السبب في نجوميته السياسية.
وقالت: "الناس يركزون كثيرا على من الذي يكرهه ديسانتيس، لكن في الواقع أحد أهم ما يمتلكه من عناصر القوة هو ماهية وطبيعة الذين يكرهون حاكم فلوريدا" وتشرح لونغويل"بمعنى آخر، وسائل الإعلام تجد ديسانتيس مروعا، وهو يحب ذلك... هذا شيء آخر تعلمه من ترامب..إذا أغضبت وسائل الإعلام، فإنها تتحدث عنك كثيرا، وهذا يعزز من انتشار اسمك ويساعد في زيادة شعبيتك بين المعجبين والموالين".
هل ديسانتيس هو الوريث المحتمل؟
حتى الآن، لم يعلن رون ديسانتيس عن أي نية للترشح للرئاسة في عام 2024، وقال إنه يركز فقط على سباق الانتخابات النصفية في فلوريدا 2022.
لكن بعض استطلاعات الرأي تظهر تقدم ديسانتيس على ترامب في فلوريدا بشأن مواجهة محتملة في 2024، كما تظهر أن المواجهة ستكون صعبة على المستوى الوطني.
قبل الانتخابات النصفية مباشرة، طفا ذلك التنافس المحتمل على السطح عندما ورد أن ترامب تجاهل ديسانتيس بعدم دعوته إلى اجتماع حاشد في فلوريدا لدعم السيناتور ماركو روبيو. وقد عقد ذاك التجمع في نفس اليوم الذي كان من المقرر أن يعقد فيه ديسانتيس عددا من فعاليات حملته الانتخابية.
وفي حدث منفصل في ولاية بنسلفانيا، أشار ترامب إلى ديسانتس بـ "Ron De-Sanctimonious" أي رون المتظاهر بالورع والأدب، مما أثار وابلا من التعنيف والتوبيخ من قبل المحافظين، لكن بعد يوم من الحادثة، أقر ترامب بأن ديسانتيس سيفوز على الأرجح حتى لو لم يحظ بتأييده الواضح والصريح.
قالت لونغويل، التي تشترك في مجموعات لاستطلاع الرأي في صفوف ناخبي ترامب لعام 2020، إن ديسانتيس "هو الاسم الأول الذي يظهر" عندما يُسأل المشاركون عمن يرغبون في ترشحه إذا لم يشارك ترامب في السباق الرئاسي المقبل.
في حين أنها تعتقد أنه إذا حاول الترشح مقابل ترامب فإنه "لا يزال من غير الواضح" ما إذا كان سيتمكن من التغلب عليه ويفوز بالترشح.
وقالت: "لست متأكدة مما إذا كان ديسانتيس لديه المقومات الكافية أو القدرة على مواجهة ترامب ندا لند...الكثيرون يتحدثون عنه كمستقبل للحزب الجمهوري، لكن من السابق لأوانه التنبؤ بالأمر، إذ لم نشهد قط أداء الرجل خارج الولاية، أي على الساحة الوطنية".
التعليقات