باريس: اتهمت بريطانيا الجمعة إيران بتهديد حياة صحافيين مقيمين في المملكة المتحدة، بعد حملة القمع التي تقول جماعات حقوقية إنها أدت إلى مقتل أكثر من 300 متظاهر مناهض للنظام داخل إيران.

وتظاهر مئات الرجال في محافظة سيستان بلوشستان الإيرانية الجمعة، وفق ما أظهرت تسجيلات مصوّرة انتشرت على الإنترنت، بعد ستة أسابيع على مقتل العشرات في حملة أمنية نفّذتها السلطات في المنطقة بحسب مجموعات حقوقية.

وقال وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي عبر "تويتر"، "استدعيت القائم بالأعمال الإيراني اليوم بعدما تعرّض صحافيون يعملون في المملكة المتحدة لتهديدات فورية بالقتل من إيران".

وقالت محطة "فولانت ميديا" التلفزيونية التي تتخذ من لندن مقرّاً والتابعة لقناة تلفزيون إيران الدولية، إنّ صحافيَين بريطانيَين إيرانيَين تلقّيا "تهديدات بالقتل من الحرس الثوري الإسلامي".

وأشارت المحطّة إلى أنّ الصحافيَين كانا يعملان في المملكة المتحدة لصالح القناة المستقلّة الناطقة باللغة الفارسية، والتي تغطّي الاحتجاجات المناهضة للنظام.

"انعدام الأمان"

ونقلت وسائل إعلام رسمية إيرانية الأربعاء عن وزير الاستخبارات إسماعيل خطيب قوله إنّ القناة "منظمة إرهابية".

كذلك، حذّر خطيب من أنّ المملكة المتحدة "ستدفع" ثمن دعم "انعدام الأمان" في إيران.

وقتلت قوات الأمن الإيرانية أكثر من 90 شخصاً عندما فتحت النار على المشاركين في تظاهرات خرجت بعد صلاة الجمعة في 30 أيلول/سبتمبر في زاهدان، عاصمة سيستان بلوشستان الواقعة على الحدود الجنوبية الشرقية لإيران مع باكستان، وفق ما ذكرت منظمة "حقوق الإنسان في إيران" ومقرها أوسلو.

وجاءت بعد أسبوعين على اندلاع احتجاجات في أنحاء إيران اثر وفاة مهسا أميني (22 عاما) بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق بتهمة خرق قواعد اللباس الصارمة المفروضة على النساء في الجمهورية الإسلامية.

وبينما انطلقت التظاهرات في البداية نتيجة الغضب السائد حيال قواعد اللباس المطبقة على النساء، تحوّلت لاحقا إلى حراك أوسع ضد النظام الديني الممثل بالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.

وهتف رجال خرجوا من مساجد في زاهدان بعد صلاة الجمعة "الموت لخامنئي"، بحسب تسجيل مصوّر نشرته منظمة حقوق الإنسان في إيران.

ضحايا التظاهرات

وتفيد المجموعة الحقوقية في النروج بأن 304 أشخاص على الأقل قتلوا في أنحاء إيران منذ اندلعت الاحتجاجات على وفاة أميني في 16 أيلول/سبتمبر.

وتؤكد أن حوالى ثلث هؤلاء قتلوا في سيستان بلوشستان، بينهم 92 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم في 30 أيلول/سبتمبر الذي أطلق عليه ناشطون "الجمعة الدامي".

وتأتي التظاهرات الأخيرة بعد أسبوع من مقتل أكثر من عشرة أشخاص في حملة أمنية نفّذتها قوى الأمن في خاش، وهي مدينة أخرى في سيستان بلوشستان.

وأظهر تسجيل مصوّر نشر على وسائل التواصل الاجتماعي وتحققت فرانس برس من صحته خروج تظاهرات مجددا في خاش الجمعة إذ شوهد عشرات من عناصر شرطة مكافحة الشغب يتحرّكون باتّجاه احتجاجات في ايران شهر، وهي مدينة أخرى في المحافظة ذاتها.

وشوهدت قوات الأمن لاحقا تطلق الغاز المسيل للدموع على المحتجين في أحد شوارع إيران شهر، بحسب تسجيل مصوّر نشرته قناة "1500تصوير" على الإنترنت.

وأفادت منظمة العفو الدولية أن 18 متظاهرا ومارا ومصليا على الأقل، بينهم طفلان، قتلوا في الحملة الأمنية على الاحتجاجات "السلمية إلى حد كبير" التي خرجت في خاش في 4 تشرين الثاني/نوفمبر.

تظاهرات متفرقة

من جانبها، قالت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء إنّ نداءات "أعداء الثورة" استمرّت لمدة أسبوع لإثارة المشاكل بعد 40 يوماً على فشل حادثة زاهدان.

وأضافت تسنيم أنّ المصلّين عادوا إلى بيوتهم من أكبر مسجد سنّي في إيران في زاهدان من دون حوادث، باستثناء ترداد بعض الشعارات المناهضة للحكومة.

وقالت الوكالة إنّ أمكنة أخرى من بينها خاش وإيرانشهر وراسك لم تشهد سوى "تظاهرات صغيرة" مع هتافات مناهضة للحكومة.

وأشارت إلى أنّ المتظاهرين في إيرانشهر توجهوا من مسجد سنّي باتجاه مركز للشرطة وألقوا الحجارة عليه حتى تدخّلت قوات الأمن.

كذلك، أفادت تسنيم بأنّ السكّان أحرقوا الإطارات في راسك ممّا أدى إلى إغلاق الطريق المؤدّي إلى ميناء تشابهار لفترة وجيزة.

ودعت منظمة العفو الدولية التي تتخّذ من لندن مقراً المجتمع الدولي للقيام بـ"تحرّك عاجل لمنع وقوع المزيد من عمليات القتل للمتظاهرين في محافظة سيستان بلوشستان وباقي أنحاء إيران".

وفي ظل عمليات توقيف واسعة النطاق، تم توجيه اتهامات لألف شخص حتى الآن بينما يشير ناشطون إلى أن العديد منهم يواجهون عقوبة الإعدام.

وأثار خبراء حقوق إنسان في الأمم المتحدة قضية هؤلاء الجمعة داعين السلطات الإيرانية إلى "وقف استخدام عقوبة الإعدام أداة لسحق الاحتجاجات".

الحملة الأمنية

في المقابل، اتّهم وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان حكومات غربية "بالتشجيع على العنف وتعليم (المتظاهرين) كيفية صنع أسلحة وزجاجات مولوتوف في إيران من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام".

وفي اتصال أجراه مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، انتقد الوزير الإيراني البلدان الغربية التي طالبت بعقد جلسة خاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لبحث الرد الإيراني على موجة الاحتجاجات الأخيرة.

ورأى عبد اللهيان وجوب عقد جلسة من هذا النوع للتطرّق إلى "الحكومات التي تروّج للعنف والإرهاب، وليس (إيران)، المدافعة الحقيقية عن حقوق الإنسان والتي مارست ضبط النفس بدرجة كبيرة تجاه أعمال الشغب الأخيرة".

وشاركت في الحملة الأمنية شرطة مكافحة الشغب والحرس الثوري وعناصر من قوات الباسيج شبه العسكرية التابعة للحرس (العديد منهم بلباس مدني).

لكن قائد القوات البرية في الجيش الايراني العميد كيومرث حيدري قال الخميس إن قواته تنتظر أوامر خامنئي للتدخل في مواجهة التظاهرات، مشددا على وجوب عدم إساءة تفسير امتناع الجيش عن التدخل حتى الآن.

وقال "اذا لم يردّ المجتمع الثوري حتى اليوم، فذلك لأن المرشد الأعلى هو الذي قرّر ذلك". وأضاف "لكن في اليوم الذي يصدر فيه (المرشد) الأمر بالتعامل معهم (المتظاهرين)، فلن يكون لهم مكان في بلادنا".

حملة اعتقالات واسعة

نفّذت السلطات الإيرانية حملة اعتقالات واسعة لإخماد الاحتجاجات طالت رياضيين ومشاهير وصحافيين.

ودعا ناشطون جماهير كرة القدم الذين سيحضرون كأس العالم الذي يبدأ في وقت لاحق هذا الشهر إلى ترداد اسم أميني في الدقيقة 22 من كل مباراة يلعب فيها الفريق الإيراني، إذ كانت تبلغ 22 عاما لدى وفاتها.

وكتبت الناشطة الايرانية مسيح علي نجاد، المقيمة في نيويورك، على تويتر "ساعدونا في تخليد ذكرى مهسا أميني ومحاربة هذا النظام الوحشي. رددوا مهسا أميني في الدقيقة 22 من كل مباراة في كأس العالم".

ستواجه إيران انكلترا خلال نهائيات كأس العالم في 21 تشرين الثاني/نوفمبر وويلز في 25 تشرين الثاني/نوفمبر والولايات المتحدة في 29 من الشهر نفسه.

وأعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الجمعة خلال منتدى باريس للسلام أنه استقبل في باريس ناشطات ايرانيات، مشيدًا بـ"ثورتهنّ".

وقال ماكرون "استقبلنا بكثير من الفخر والسرور وفدًا من النساء الايرانيات"، مضيفًا "أريد أن أكرر هنا فعلًا احترامنا وإعجابنا في سياق ثورتهنّ".