كييف (أوكرانيا): أعلن الجيش الأوكراني أنّه دخل إلى خيرسون، المدينة الرئيسيّة في جنوب البلاد، الجمعة بعد انسحاب القوّات الروسيّة، في انتكاسة قويّة أخرى لموسكو بعد قرابة تسعة أشهر من بدء الغزو الروسي للبلاد.

وأشاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الجمعة في خطابه اليومي على وسائل التواصل الاجتماعي بـ"يوم تاريخي"، قائلًا إنّ قوّات عسكريّة خاصّة أصبحت داخل مدينة خيرسون في جنوب البلاد بعد إعلان روسيا انسحاب قوّاتها منها.

وكتب زيلينسكي على تلغرام "اليوم يوم تاريخي. نحن نستعيد خيرسون".

وأوضح "في الوقت الراهن، مدافعونا موجودون في ضواحي المدينة. لكن قوّات عسكريّة خاصّة موجودة في المدينة".

وأضاف "شعبنا. لنا. خيرسون" إلى جانب رمز تعبيري لعلم أوكرانيا ومشاهد التقطها هواة من المدينة تُظهر القوّات الأوكرانيّة تتجمّع مع سكّان المدينة.

وأظهر أحد المقاطع التي نشرها زيلينسكي وقال إنه صُوّر من خيرسون، جنودًا أوكرانيّين يقولون إنّهم من "اللواء 28" فيما سُمع حشد يهتف "في سي يو"، وهي اختصار للقوّات المسلّحة الأوكرانيّة.

"نصر استثنائي"

وأشاد البيت الأبيض السبت بما اعتبر أنّه "نصر استثنائي" لأوكرانيا بعد استعادة قوّاتها مدينة خيرسون.

وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان للصحافة "يبدو أنّ الأوكرانيّين حقّقوا لتوّهم انتصارًا استثنائيًا: العاصمة الإقليميّة الوحيدة التي استولت عليها روسيا في هذه الحرب عادت الآن تحت العلم الأوكراني وهذا أمر رائع جداً".

واعتبر سوليفان أنّ انسحاب القوّات الروسيّة ستكون له "تداعيات استراتيجيّة أوسع".

كانت وزارة الدفاع الأوكرانيّة كتبت على فيسبوك في وقت سابق "خيرسون تعود إلى السيطرة الأوكرانيّة. وحدات من القوّات الأوكرانيّة تدخل المدينة"، داعيةً الجنود الروس الذين بقوا في المدينة إلى "الاستسلام فورًا".

وهذا الانسحاب هو الثالث من حيث الحجم منذ بدء الغزو في 24 شباط/فبراير، إذ اضطرّت روسيا للتراجع في الربيع خلال محاولتها السيطرة على كييف في مواجهة مقاومة أوكرانيّة شرسة، قبل طردها من منطقة خاركيف (شمال شرق) بشكل شبه كامل في أيلول/سبتمبر.

ورحّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على تويتر بـ"عودة خيرسون إلى أوكرانيا، وهي خطوة مهمّة نحو الاستعادة الكاملة لحقوقها السياديّة".

وكتب وزير الخارجيّة الأوكراني دميترو كوليبا على تويتر "أوكرانيا تُسطّر نصرًا مهمًّا آخر في الوقت الحالي وتُثبت أنّ مهما تقول روسيا أو تفعل، أوكرانيا ستنتصر".

انسحاب روسي

لاحقًا، أعلن الجيش الروسي انسحاب أكثر من 30 ألف جندي روسي من منطقة خيرسون، تاركين الضفّة اليمنى لنهر دنيبرو للانتشار على ضفّته اليسرى.

وأشارت وزارة الدفاع الروسيّة في بيان، إلى "سحب أكثر من 30 ألف جندي روسي وحوالى خمسة آلاف وحدة تسليح ومركبة عسكريّة" من الضفة الغربيّة لنهر دنيبرو.

وكانت الوزارة قالت في بيان سابق "اليوم عند الخامسة صباحاً بتوقيت موسكو (02,00 ت غ)، استُكمل نقل الجنود الروس إلى الضفة اليسار من نهر دنيبرو. لم تُترك قطعة واحدة من المعدّات العسكريّة والأسلحة على الضفة اليمنى".

لكن يبدو أنّ هناك مخطّطًا وراء هذا الانسحاب، إذ أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نهاية أيلول/سبتمبر، خلال احتفال في الكرملين ثم في احتفال آخر في الساحة الحمراء ضمّ أربع مناطق أوكرانيّة، من بينها خيرسون.

كما حذّر الرئيس الروسي من أنّ روسيا ستُدافع "بكلّ الوسائل" عمّا تعتبره جزءًا من أراضيها، في تهديد باللجوء إلى السلاح النووي.

لكن في مواجهة هجوم مضادّ أوكراني بدأ نهاية الصيف، أعلن الجيش الروسي الأربعاء أنّه سينسحب من الجزء الشمالي لمنطقة خيرسون، بما فيه عاصمة المنطقة التي تحمل الاسم نفسه والواقعة على الضفة اليمنى لنهر دنيبرو، من أجل تعزيز مواقعه على الجانب الآخر من هذا النهر.

ورغم ذلك، ستبقى منطقة خيرسون "تابعة لروسيا الاتّحاديّة" على ما قال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف الجمعة.

وأضاف بيسكوف في أوّل تعليق للرئاسة الروسيّة على انسحاب قوّاتها من خيرسون "لا يُمكن أن يكون هناك تغيير".

وأشار إلى أنّ الرئاسة الروسيّة "غير نادمة" على الاحتفال الكبير الذي أعلن خلاله بوتين في أيلول/سبتمبر ضمّ أربع مناطق أوكرانيّة إلى روسيا وبينها خيرسون.

ويكتسي قرار الانسحاب إلى جنوب أوكرانيا أهمّية أكبر، مع إعطاء بوتين في 21 أيلول/سبتمبر أمرًا باستدعاء حوالى 300 ألف من جنود الاحتياط لتعزيز خطوط المواجهة الروسيّة.

مغادرة خيرسون

ونشرت وكالة الأنباء الحكوميّة "ريا نوفوستي" صورًا لمركبات عسكريّة روسيّة تُغادر خيرسون، مشيرة إلى أنّها كانت تعبر جسر أنتونوفسكي الممتدّ فوق نهر دنيبرو.

وقال عدد من المراسلين الروس إنّه تمّ تدمير الجسر بعد ذلك من دون توضيح ما إذا كان الجيش الروسي فجّره بالديناميت أم أنّه دُمّر نتيجة الضربات الأوكرانيّة. وتُظهر صور نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي هذا الجسر مدمّرًا.

قصفت أوكرانيا هذا الجسر لأسابيع، وهو الوحيد في مدينة خيرسون، من دون تدميره، لتُصعّب على القوات الروسيّة عبوره، وبالتالي قطع خطوط الإمداد الروسية وإجبار موسكو على الانسحاب.

واستعاد الجيش الأوكراني الأربعاء 12 قرية في منطقة خيرسون الأوكرانية، على ما أعلن الخميس قائد الجيش الأوكراني فاليري زالوجني.

واكتفت هيئة الأركان العامة الأوكرانيّة بالقول صباح الجمعة إنّ هجومها خلال اليوم "مستمرّ" وإنّ نتائجه ستُعلن "لاحقًا".

وكانت أوكرانيا حذرة خلال اليومين الماضيين بشأن الانسحاب الروسي من خيرسون خشية أن يكون في الأمر خدعة أو أن يُلغّم الجيش الروسي المنطقة ليُصعّب عودة القوّات الأوكرانيّة.

ضربات روسية

من جانبها، واصلت القوّات الروسيّة شنّ ضربات في أنحاء أوكرانيا حيث دُمِّر جزء من منشآت الطاقة في الأسابيع الأخيرة، ما تسبّب في انقطاع التيار الكهربائي في أجزاء كبيرة من البلاد، بما فيها العاصمة كييف.

كما استهدفت ضربة أخرى ليل الخميس الجمعة، مدينة ميكولايف في جنوب أوكرانيا، على مسافة مئة كيلومتر من خيرسون.

ودُمِّر مبنى سكني من خمس طبقات تمامًا، ما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص على الأقلّ، وفق ما أفاد رئيس الإدارة الإقليمية فيتالي كيم على تلغرام.

وشاهدت صحافيّة في وكالة فرانس برس في الموقع مبنى مدمّرًا وعمّال إنقاذ يتقدّمون عبر الأنقاض. وكانت جرّافة تعمل على إزالة الحطام.

ويستمرّ القتال أيضًا على الجبهة الشرقية، خصوصًا في باخموت، المدينة التي تحاول موسكو احتلالها منذ الصيف وساحة المعركة الرئيسيّة حيث ما زال الجيش الروسي، مدعومًا بعناصر مجموعة فاغنر شبه العسكرية، في موقع هجوميّ.

إمكان إجراء حوار

ومع اقتراب موعد قمّة مجموعة العشرين المقرّرة الأسبوع المقبل في إندونيسيا والتي أعلن الكرملين أنّ بوتين لن يُشارك فيها، أرادت الرئاسة الفرنسيّة أن ترى إمكان إجراء حوار.

وقال أحد مستشاري الرئيس إيمانويل ماكرون "هناك مساحة واضحة جدًا في مجموعة العشرين لحمل رسالة سلام ومطالبة روسيا بالدخول في منطق وقف التصعيد. الغالبيّة العظمى داخل مجموعة العشرين تعتبر أنّ هذه الحرب ضخمة ولا يمكن تحمّلها بالنسبة إلى بقيّة العالم".

وتحدّث ماكرون الجمعة خلال منتدى باريس للسلام مع زعماء دول من جنوب العالم دعوا إلى "مفاوضات" لإنهاء الحرب في أوكرانيا التي يعاني العالم بأسره تداعياتها.

وقال الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز خلال نقاش استضافه ماكرون إن "هذه الحرب تتسبّب بمجاعة" في "نصف الكرة الأرضيّة الجنوبي" وبالتالي فهي "ليست حرب دول الشمال" بل هي "أيضًا حرب دول الجنوب".