باريس: يروي متين جانسيز، شقيق ناشطة كردية قُتلت في باريس منذ حوالى عشر سنوات، الألم الذي لا يزال يخيم على عائلته لأن هذه القضية لم يتم الحكم فيها، معتبراً أنه "تمت التضحية بها" لصالح العلاقات الفرنسية-التركية.

وقال جانسيز الذي التقته وكالة فرانس برس في المركز الثقافي الكردي في باريس، "هنا في باريس قُتلت شقيقتي وصديقتيها. فرنسا مدينة لنا بالعدالة".

يبدو جانسيز البالغ 61 عاماً بشعره الأبيض والملامح الحادة في غاية التأثر بشكل خاص في الأيام القليلة الماضية، وهو ناشط في القضية الكردية وسُجن بعد الانقلاب العسكري في تركيا عام 1980.

جاء جانسيز، المقيم في هولندا، خصيصاً إلى باريس لحضور مراسم تكريم الناشطات الثلاث هذا الأسبوع، كما هو الحال في كل عام منذ عشر سنوات، "لكن هذا العام نشعر بشكل أكبر بهذه المسؤولية وهذا الألم" على ما أكد باللغة الكردية، بوجود مترجم إلى جانبه.

ليل 9 إلى 10 كانون الثاني/يناير 2013، قُتلت ثلاث ناشطات من حزب العمال الكردستاني، إحداهنّ سكينة جانسيز (54 عامًا)، من مؤسسات الحزب الذي تعتبره أنقرة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، وفيدان دوغان وليلى سيليماز إثر إصابتهنّ برصاصات في الرأس، في المركز الاعلامي الكردي الواقع في شارع لافاييت في الدائرة العاشرة في باريس.

عمل "إرهابي"

بعد حوالى عشر سنوات، في 23 كانون الأول/ديسمبر، قُتل في نفس هذا الحي، ثلاثة آخرين، هم عبد الرحمن كيزيل والفنان واللاجئ السياسي مير بيروير وأمينة كارا القيادية في الحركة النسائية الكردية في فرنسا.

وبرر مطلق النار المشتبه به، وهو فرنسي، هجومه بدافع "عنصري".

يرفض عدد كبير من الأكراد تصديق هذه الرواية ويقولون إنه عمل "إرهابي" متّهمين تركيا بالوقوف خلفه.

وأكد جانسيز أن الهجوم الذي وقع في 23 كانون الأول/ديسمبر، أحيا فجأة صدمة اغتيال أخته. بعد وصوله إلى باريس في 20 كانون الأول/ديسمبر للقاء العائلتين الأخريين عند قاضي التحقيق، ذهب في اليوم التالي إلى المركز الثقافي، حيث كانت أمينة كارا تحضر لإقامة مراسم تكريم الناشطات الثلاث.

وتنهد قائلاً "أصرت على ألا أذهب بمفردي للحاق بقطاري، أخبرتها أني على ما يرام وطلبت منها الاعتناء بنفسها، وهكذا تركتها في ذلك اليوم. وبعد يومين ...".

رفع السرية

مع اقتراب الذكرى السنوية العاشرة، تحث عائلات الناشطات الكرديات الثلاث والمجلس الديموقراطي الكردي في فرنسا بمزيد من "التصميم" السلطات الفرنسية على رفع السرية عن هذه الاغتيالات.

دعا المجلس الديموقراطي الكردي إلى رفع السرية عن "المعلومات التي تحتفظ بها مختلف أجهزة الاستخبارات الفرنسية". ويتهم المجلس منذ سنوات جهاز الاستخبارات التركي والرئيس التركي رجب طيب إردوغان بالوقوف وراء هذه الاغتيالات التي ارتكبها، بحسب المجلس الديموقراطي الكردي في فرنسا، عميل في الاستخبارات التركية.

وخلص التحقيق في فرنسا إلى "تورط" عناصر من المخابرات التركية في عمليات الاغتيال هذه، دون تحديد المسؤولين عن ذلك.

ونشرت وسائل اعلام تركية خصوصا وثيقة قدمت باعتبارها "أمر مهمة" من المخابرات التركية لعمر غوناي. والمشتبه به الوحيد في هذه القضية التركي عمر غوناي توفي في نهاية العام 2016 في السجن قبل ان يمثل أمام القضاء، مما أسقط الدعوى ضده. ونفت اجهزة الاستخبارات التركية "ام اي تي" أي تورط في القضية.

لكن في أيار/مايو 2019، تم تكليف قاض فرنسي مكلف قضايا الإرهاب استئناف التحقيق في التواطؤ في الاغتيال.

"خيبة أمل كبيرة"

وأعرب جانسيز عن "خيبة أمل كبيرة" بعد استدعاء القاضي الفرنسي لعائلات الضحايا في 20 كانون الأول/ديسمبر. واوضح أن "القاضي يواجه عقبات داخلية غير متعلقة بتركيا لا تسمح له بالمضي قدما".

وأضاف "إذا لم يكن لدى فرنسا ما تلوم نفسها عليه في هذه القضية، فلماذا لا ترفع السرية هذه؟".

وأكد أن "أختي كانت تعيش هنا وكانت تحت حماية فرنسا، وهؤلاء النساء الثلاث قُتلن هنا، وهذا يعود إلى ثغرات أمنية من جانب فرنسا".

واعتبر أنه "تمت التضحية بهذه القضية والمطالبة بالعدالة من أجل عدم الحاق الضرر بالعلاقات بين فرنسا وتركيا".

لا تزال والدتها البالغة 86 عامًا، غارقة في حزن عميق.

وقال جانسيز"لعشر سنوات، لم أتمكن من إجراء محادثة عادية معها حول وفاة أختي. كانت في كل مرة تبكي" مضيفاً "لن نتمكن من الحداد إلا بعد إحضار من يقف وراء ذلك أمام العدالة".