على واشنطن اتخاذ خطوات معينة للتأكد من أن الترخيص العام الأخير الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية لا يخلق ثغرات جديدة للنظام السوري أو رعاته في موسكو وطهران أو لشركائه الإرهابيين الأجانب.

إيلاف من بيروت: في وقت سابق من هذا الأسبوع عقد مجلس الأمن الدولي جلسة مغلقة بخصوص الزلزال الذي أصاب تركيا وسوريا، قدم فيها "وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية" مارتن غريفيث إحاطة حول زيارته إلى مناطق الكوارث في كلا البلدين. وبعد ذلك بوقت قصير، أعلن المندوب السوري لدى الأمم المتحدة بسام صباغ أن نظام الأسد وافق على فتح معبري باب السلام والراعي كمعبرين إضافيين للمساعدات الإنسانية ولمدة ثلاثة أشهر. وأشار على وجه التحديد إلى مساعدات الأمم المتحدة التي تم تسليمها إلى شمال غرب سوريا و "من داخل سوريا"، في إشارة إلى المساعدات التي تأتي "عبر خطوط التماس" من أراضي النظام إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

بحسب أندرو تابلر، "زميل مارتن ج. غروس" في معهد واشنطن والمدير السابق لشؤون سوريا في مجلس الأمن القومي الأميركي ومستشار أقدم سابق في الخارجية الأميركية، حظي هذا الإعلان بإشادة واسعة من روسيا والصين ودول المنطقة والحكومات الغربية على حد سواء. ولكن على الرغم من أن هذه الأخبار التي تبدو حسنة لأولئك الذين يعانون من الدمار، إلّا أن لفتة صباغ ضئيلة للغاية، ومتأخرة للغاية. ومن أسباب ذلك أن النظام لم يسيطر على العديد من المناطق المعنية لأكثر من عقد من الزمن. والأهم من ذلك، أن ثلاثة أشهر من المساعدات لن تكون كافية لتلبية الاحتياجات الإنسانية المتفاقمة في أعقاب الزلزال الذي أودى حتى الآن بحياة أكثر من 4000 شخص في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون و1400 شخص في مناطق النظام. وهذا صحيح بشكل خاص بالنظر إلى سجل النظام في تحويل المساعدات المقدمة عبر دمشق وتسليحها. وتاريخياً، شملت هذه الفئة من المساعدات حوالي 90 في المائة من إجمالي المساعدات إلى سوريا.

خطوتان فوريتان

كتب تابلر في مقالة نشرها موقع معهد واشنطن: "يتمتع الغرب بقدرة كبيرة على تغيير هذا الوضع وقيامه بذلك سيكون أمراً مهماً وحاسماً. فالولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وكندا تقدم حالياً حوالي 91 في المائة من المساعدات الإنسانية التي تتدفق إلى سوريا (2.16 مليار دولار من 2.38 مليار دولار سنوياً). لذلك يجب على واشنطن اتخاذ خطوتين فوريتين لتخفيف المعاناة في المناطق المتضررة من الزلزال في شمال غرب سوريا. أولاً، ينبغي أن تسعى إلى استصدار قرار من مجلس الأمن يضمن بقاء المعابر التي أعيد فتحها مفتوحة لمدة عام على الأقل. فمنذ عام 2020، أصبحت المساعدات عبر الحدود لعبة كرة قدم سياسية في الأمم المتحدة، حيث تستخدم روسيا تهديدات "الفيتو" لتقليل عدد المعابر إلى معبر واحد (باب الهوى) وتقصير مدة تجديد آلية المساعدات إلى ستة أشهر فقط لكل تجديد. ومجدداً، تجلت العوائق الإنسانية الكامنة في هذه الخيارات الضيقة في الاستجابة المتعثرة (لأضرار) الزلزال في سوريا".

ثانياً، والأكثر تعقيداً بكثير، هي مهمة تخفيف العقوبات الأميركية بشكل مناسب لدعم الإغاثة المشروعة (لضحايا ومتضرري) الزلازل دون تأجيج حملة النظام السوري الثابرة والتي يأمل منها النظام التهرب من المسؤولية عن انتهاكاته العديدة والتي تشمل اليوم الكثير، ابتداءً من فظائع زمن الحرب ووصولاً إلى إنتاج المخدرات والاتجار بها على نطاق واسع. وما زاد هذه المعضلة تعقيداً هو أن بعض دول المنطقة تدفع باتجاه تطبيع العلاقات مع النظام.

رخصة مثيرة للجدال

في 9 فبراير، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية "الرخصة العامة رقم 23" تحت عنوان "تفويض المعاملات المتعلقة بجهود الإغاثة من الزلزال في سوريا"، لضمان عدم عرقلة الأنشطة الإنسانية الطارئة بسبب العقوبات الأميركية. ومع ذلك فهو يختلف عن التراخيص السابقة في ناحيتين رئيسيتين. أولاً، يتناول على وجه التحديد الخسائر المادية للزلزال بدلاً من تركيزه فقط على الدمار المستمر الذي أحدثه نظام الأسد. ثانياً، يسمح الترخيص أساساً، وفي ضوء حالة الطوارئ، بإجراء المعاملات مع الأجهزة الرسمية للنظام السوري. يضيف تابلر: "في ظل إدارة بايدن، تم سابقاً توسيع نطاق الأنشطة الإنسانية المسموح بها في سوريا لفسج المجال أمام جهود التعافي المبكر المحددة التي تنفذها كيانات النظام في مناطق النظام (على سبيل المثال، مشاريع المياه العذبة والصرف الصحي). ومن المفهوم أن التنازل عن عقوبات معينة لتمكين هذه الأنشطة كان ضرورياً لتخفيف معاناة المدنيين، والتي تفاقمت بسبب مقاومة النظام المستمرة للمفاوضات السياسية الرامية إلى إنهاء الحرب بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254. وبالمثل، أعفى الترخيص العام السابق المزيد من الأنشطة الداعمة للمدنيين في الشمال الشرقي والشمال الغربي من البلاد وهي مناطق خارج سيطرة النظام منذ ما يقرب من اثني عشر عاماً".

لكن "الرخصة 23" أقل تحديداً. فهي، بحسب تابلر، تسمح بإجراء جميع المعاملات المتعلقة بجهود الإغاثة من الزلزال في سوريا للأشهر الستة المقبلة، بما في "الأشخاص الذين ينطبق عليهم تعريف الحكومة السورية". ويمضي الترخيص لينص على أن "المؤسسات المالية الأميركية ومرسلي الأموال المسجلين في الولايات المتحدة يمكنهم الاعتماد على منشئ تحويل الأموال فيما يتعلق بالامتثال... شريطة ألا تجد المؤسسة المالية أن تحويل الأموال لا يتوافق مع... هذه الرخصة العامة أو أن يكون لديها سبب للتحقيق في ذلك". يضيف: "جوهر المشكلة هو أن المعاملات مع الحكومة السورية لا يمكن تمييزها ن أنشطة الأفراد والكيانات الخاضعة للعقوبات التابعة لنظام الأسد وشبكاته. فالسماح للمؤسسات المالية بقبول أوصاف المنشئ لعمليات تحويل الأموال لن يؤدي إلا إلى تفاقم هذه المشكلة من خلال خفض عتبة المعاملات المسموح بها بشكل كبير. وبعبارة أخرى، يبدو أن الترخيص الجديد قد خلق ثغرة في العقوبات سيستغلها نظام الأسد ورعاته الإيرانيون والروس بدون شك، كما هو الحال مع كل ثغرة أخرى اكتشفوها طوال الحرب. أما صلات النظام بالكيانات التي صنفتها الولايات المتحدة على أنها إرهابية وتعمل في سوريا، مثل حزب الله اللبناني، فهي تثير المزيد من المخاوف بشأن تمكين المعاملات على نطاق واسع بهذه الطريقة".

تقييم استخباراتي

على الإدارة الأميركية إجراء تقييم استخباراتي باستخدام الصور حول الدمار الذي خلفه الزلزال للتمييز بين المنشآت التي دمّرها الزلزال في سوريا أو التي تضررت جراءه مقابل تلك التي أصيبت في الحرب. وسيمنح ذلك خطاً أساساً لواشنطن يمكنها من خلاله تحديد الأماكن التي تُنفق فيها إغاثات الزلزال وإلى أي درجة يتم تحويل الإغاثات إلى أنشطة إعادة الإعمار التابعة للنظام. إلى ذلك، على الإدارة الأميركية اتخاذ خطوات لكسر الدورة الحالية، وهي حلقة غالباً ما تجد فيها واشنطن وحلفاؤها أنفسهم عاجزين عن الإتيان بأي رد فعل أمام التطورات غير المتوقعة في سوريا ومحاصرين من قبل موسكو، ما يؤدي إلى تقليل الخيارات المتاحة أمامهم. وقد تستلزم صياغة نهج جديد إعطاء أولوية أكبر للسياسة السورية والتفكير بشكل خلاق حول أفضل السبل لتحقيق أهداف السياسة الأميركية، ودعم الشعب السوري، ومواجهة النظام ورعاته.

يختم تابلر: "تتمثل إحدى الأفكار الواعدة في إنشاء "قناة بيضاء" في سوريا للمساعدات الإنسانية وتلك الخاصة بالحوادث، على غرار النهج الذي اتُبع مع إيران في أكتوبر 2020، عندما أعلنت واشنطن أن الحكومات والمؤسسات المالية الأجنبية يمكنها إنشاء آلية دفع للصادرات الإنسانية المشروعة إلى ذلك البلد طالما لم يتم تحويل أي أموال إلى نظامه".