إيلاف من لندن، واشنطن: ما إن عاد وفد العراق من واشنطن بزيارة غلفها اهتمام إعلامي وأهم من ذلك ترقب في الشارع العراقي لما سيترتب على نتائجها حتى بدأت تحيط الشائعات بما توصل إليه الطرفان.
فقد زار وفد عراقي رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين، واشنطن وبصحبته، ضمن من اصطحب، محافظ البنك المركزي علي محسن العلاق وعدد من المسؤولين العراقيين البارزين، زار واشنطن لأول مرة منذ تولي محمد شياع السوداني مقاليد الحكم في العراق، والمهمة الأساسية هي تحويل العلاقة بين بغداد وواشنطن، من أمنية وعسكرية إلى علاقة اقتصادية مبنية على المصالح المشتركة. ناهيك عن مناقشة أزمة سعر صرف الدينار مقابل الدولار والنظام الجديد للتحويلات المصرفية.
الزيارة كانت ضربة استباقية لجماعات المصالح التي تتكسب من تدهور سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي، وهدفها الوحيد هو الإبقاء على النظام الذي يتيح لها المضاربة واستغلال النظام المصرفي لتحقيق أكبر المكاسب والتهرب من أي محاسبة. فالمنصة الإلكترونية التي يعتمد عليها البنك المركزي لبيع الدولار أصبحت بمثابة عقبة أمام تحقيق هذه المكاسب والاستمرار في فساد أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن مكافحته على رأس قائمة أولوياته. والسوداني الذي قطع على نفسه عهداً بأن يعيد سعر صرف الدولار إلى سابق عهده - إن لم يكن أقل من ذلك - وبتأن وصبر، عمل جاهداً من خلال وفده إلى واشنطن على تنفيذ ذلك الوعد.
وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال استقباله لنظيره العراقي، فؤاد حسين
النفي الرسمي للشائعات
ويبدو أن إصرار الرجل وهندسته لكيفية إعادة سعر صرف الدينار لسابق عهده هي من آثار حفيظة المغرضين ومروجي الشائعات لأنهم أدركوا أن الخطر بدأ يطرق أبوابهم، فعملوا على نشر الشائعات حول زيارة الوفد إلى واشنطن أو أهداف الزيارة. فنفى وزير الخارجية العراقية بدوره الشائعات التي انتشرت حول فرض واشنطن شروطاً على العراق في ملف أزمة الدولار مؤكداً أن هذه التحليلات لا تستند إلى الواقع. كما نفى أيضاً تعرض بلاده لضغوط من الولايات المتحدة حتى يقوم العراق بالتطبيع مع إسرائيل.
كل هذه الشائعات تتناقض جملة وتفصيلاً مع بيان مشترك رسمي صادر عن حكومتي العراق والولايات المتحدة في أعقاب محادثات واشنطن. فالبيان أكد على عزم البلدين تعميق العلاقة الاستراتيجية، وتعزيز التعاون الاقتصادي وخاصة في مجالات الطاقة المتجددة وتغير المناخ، والعمل المشترك لمواجهة تحديات سوق الصرف.
العراق والعلاقات الإقليمية
وناقش الوفد العراقي دور العراق المحوري في منطقة الشرق الأوسط وعلاقاته مع جيرانه، من ضمنهم إيران، وقد قال مستشار رئيس الوزراء للعلاقات الخارجية، فرهاد علاء الدين، إن "سياسة الحكومة مبنية على بناء أفضل العلاقات مع محيطها الإقليمي وربط مصالح العراق مع دول الجوار بمصالح اقتصادية مشتركة، بالإضافة إلى لعب العراق دوراً مهماً في تقريب وجهات النظر بين دول المنطقة".
وقد أكد وزير الخارجية العراقي خلال جلسة حوارية في واشنطن أنه وخلال الزيارة اتصل به وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان وحمله رسالة إلى الجانب الأميركي، وفي اليوم التالي التقى فؤاد حسين بالمبعوث الأميركي لشؤون إيران روبرت مالي. فيما أعلن أن وزير الخارجية الإيراني سوف يزور بغداد لبحث العلاقات الثنائية وسيبحث الطرفان نتائج زيارة الوفد العراقي إلى واشنطن وكذلك وساطة العراق بين السعودية وإيران.
جدير بالذكر، أن الولايات المتحدة أبدت مرونة كبيرة في التعامل مع إيران بما يخص العراق، إذ أفاد مصدر مقرب من الوفد الأميركي، والذي تحدث لـ"إيلاف" بشرط عدم كشف اسمه، بأن الخزانة الأميركية سمحت بصرف ٥٠٠ مليون دولار من مستحقات إيران في البنوك العراقية لصالح دولة تركمانستان. وهذه تعتبر خطوة إيجابية للمفاوض العراقي إذ أنها تخفف من الضغوطات التي تمارسها إيران لإطلاق هذه المستحقات.
كما رحبت الولايات المتحدة بمشروع الربط الإقليمي الذي شددت عليه قمة بغداد الثانية باعتباره أحد الروافد الهامة للتنمية الاقتصادية الطموحة التي يتطلع إليها العراق.
بالعودة إلى الشائعات المضادة لزيارة الوفد، فإذا كانت تصريحات المسؤولين والبيان المشترك قد خرج يحمل هذه الرسائل والتأكيدات الإيجابية، فمن أين انطلقت هذه الشائعات والتحليلات المغرضة؟ بل هل ذهب وزير الخارجية على رأس وفد يضم 15 مسؤولاً بارزاً لمناقشة التطبيع مع إسرائيل والاستماع إلى الإملاءات الأميركية دون حتى أن يتصدى لها أو يرد عليها؟ الإجابة هي أن من يروج هذه الشائعات لا يقرأ ما بين سطور الزيارة ولا حتى السطور نفسها.
الخلاصة أنه يبدو أن جهود رئيس الوزراء العراقي لمكافحة الفساد، واستمرار البنك المركزي العراقي في نهجه لتعزيز الشفافية والنزاهة وخاصة فيما يتصل بعمليات بيع الدولار عبر المنصة الإلكترونية، والنتائج الإيجابية لرحلة واشنطن قد قوضت أحلام بعض المنتفعين الذين يتكسبون من استمرار الأوضاع القديمة. فهذه الأوضاع هي السبب الرئيسي في أزمة الصرف والتربح من عمليات تهريب السلع عبر المنافذ الحدودية وتزوير فواتير هذه السلع التي يحتاجها العراقيون.
فمكافحة الفساد وتشديد الرقابة وتعزيز الشفافية سوف تؤدي إلى تسارع جهود التنمية الاقتصادية وبالتالي تقليص الفاتورة الاستيرادية الضخمة التي يتكبدها العراق وتشكل ضغطاً على احتياطه من الدولار الذي يزيد عن 100 مليار دولار.
التعليقات