يشعر السكان السنة في تكريت أنهم ما زالوا يتحملون ظلمًا إرث حكم الديكتاتور صدام حسين.
إيلاف من بيروت: على منحدر فوق نهر دجلة، تلوح قصور صدام حسين نصف المدمرة في بلدته تكريت، والأراضي المهجورة التي تحمل آثار الغزاة. رسم الجنود الأميركيون تاريخ وصولهم عام 2003 على الجدران ذات اللون الرملي. وبعد عقد من الزمان، حفر تنظيم الدولة الإسلامية مقابر جماعية في التلال وفجر جزءًا من المجمع.
أقل وضوحا من بقايا نظام صدام البائد هي الانقسامات المستمرة المتبقية في هذا المجتمع، مركز السلطة خلال حكم صدام، بعد 20 عاما من سقوط الديكتاتور. تعقدت احتمالات المصالحة بسبب موجات العنف المتكررة التي اجتاحت البلاد منذ ذلك الحين، ما أدى إلى نكء الجراح القديمة وإدامة الفتنة. أُعدم صدام في عام 2006، لكن بعض السنة في تكريت يشعرون أنهم ما زالوا يتحملون ظلما إرث حكمه الوحشي. تستمر الحكومات العراقية المتعاقبة في إنزال العقوبة بأولئك المتهمين بصلاتهم بالنظام السابق. تعمقت الانقسامات عندما استولى داعش على مساحات شاسعة من شمال العراق في عام 2014. وأدت الحرب إلى إحداث شرخ في المجتمع.
معاملة قاسية
تعيش قبيلة صدام، البو ناصر، على هامش المجتمع. في إحدى الأمسيات الشتوية الأخيرة، تجمع البعض في ضواحي تكريت، وتبادلوا قصصًا عما يرون أنه عقاب جماعي على صلاتهم بالنظام القديم، ومؤخراً، دعمهم المزعوم لتنظيم داعش ودورهم المتنازع عليه بشدة في مذبحة ضد الطلاب الشيعة. وقال خالد أمين زعيم قبيلة البو ناصر التي يبلغ تعداد سكانها نحو 40 ألف نسمة: "الطريقة التي تعاملوا بها مع أهالي تكريت وقبيلة البو ناصر كانت قاسية. مرت 20 سنة. إذا كان شخص ما غير مطلوب من قبل السلطات، فعليهم السماح له بالاندماج في المجتمع".
حاول أمين، الذي كان نائبًا في البرلمان قبل 2003، الدخول مرة أخرى في العملية السياسية. سجل للترشح في انتخابات 2021، وعلى الرغم من أنه قال إنه قدم الرسالة المطلوبة من هيئة العدالة والمساءلة لتبرئته من أي مخالفة، أبلغته مفوضية الانتخابات أنه غير مؤهل، "لأنني بعثي" كما يقول.
يتجلى وضع تكريت خلال حكم صدام الذي استمر 24 عامًا في عشرات القصور التي بناها، والتي لا تضاهيها سوى العاصمة بغداد. منح الديكتاتور سكان مدينته امتيازًا في الوصول إلى المناصب الحكومية، في حين أن المراتب العليا في أجهزته الأمنية القاسية غالبًا ما تمتلئ بالمقربين من أفراد قبيلته. بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003، شرعت الحكومة الجديدة التي يقودها الشيعة في عملية اجتثاث البعث (أعيدت تسميتها في ما بعد بـ "العدالة والمساءلة") لتطهير المؤسسات العراقية من الموالين للنظام. حوكم صدام وبعض مساعديه المقربين وأعدموا. تم فصل مئات الآلاف من موظفي الحكومة الذين كانوا أعضاء في حزب البعث أو أجبروا على التقاعد المبكر. لكن الكثيرين يتساءلون عما إذا كان اجتثاث البعث هو انتقام أكثر منه عدالة. قال مسؤول حكومي رفيع: "لنكن صادقين، كان معظم العراقيين أعضاء في حزب البعث في ذلك الوقت"، مضيفًا أن الوصول إلى التعليم والعمل كان مشروطًا بالولاء للحزب.
موطئ قدم
نجح بعض أعضاء حزب البعث السابقين في إعادة تنظيم أنفسهم واستعادة موطئ قدم في النظام الجديد، بينما وجد آخرون ممن ارتكبوا جرائم ملاذًا في كردستان العراق، حيث تحميهم حكومة شبه مستقلة من الملاحقة القضائية. لكن في باقي أنحاء العراق، يستمر اجتثاث البعث، على الرغم من تزايد المخاوف من أنه أصبح أداة للابتزاز السياسي والإثراء غير المشروع. السياسيون، من الشيعة والسنة، يستخدمون القانون لاستبعاد خصومهم، في حين أن أولئك الذين لديهم الوسائل المالية اللازمة يمكنهم بسهولة شراء براءتهم.
في وقت سابق من هذا العام، صدرت أوامر لعشرات الموظفين في جامعة تكريت بالتقاعد كجزء من عملية التطهير الأخيرة. قال موظف جامعي سابق أُجبر على ترك العمل في عام 2020 لأنه عمل كموظف استقبال في إحدى الأجهزة الأمنية المخيفة في عهد صدام: "الجميع يرى في ذلك ظلمًا، لكن لا أحد يستطيع التحدث عنه". وبحسب ما ورد تمكن بعض زملائه من إعادة شراء وظائفهم.
جعلت الحرب مع داعش طي الصفحة أكثر صعوبة. انضم عدد من كبار البعثيين إلى الجماعة الإرهابية في محاولة لاستعادة السلطة لكنهم قُتلوا لاحقًا. ما تبقى نقطة خلاف شرسة هو دور البو ناصر في ما يسمى مذبحة سبايكر. عندما سيطر تنظيم الدولة على تكريت، قام المسلحون باعتقال ما لا يقل عن 1500 طالب شيعي شاب تدربوا في أكاديمية سلاح الجو، تسمى كامب سبايكر. تم نقلهم إلى النهر قرب قصر صدام وتم إعدامهم بدم بارد، وألقيت بعض الجثث في قعر دجلة، ودفن البعض الآخر في مقابر جماعية ضحلة في أرض القصر. تم تحويل موقع المذبحة إلى نصب تذكاري مؤقت تسيطر عليه الآن قوات الحشد الشعبي الذي يزعم أن قبيلة البو ناصر ساعدت داعش للانتقام من سقوط نظام صدام.
العراق ملكهم
كان أفراد قبيلة ألبو ناصر يعتبرون العراق ملكا لهم. وقال أحمد حسن، نائب قائد اللواء السادس في الحشد الشعبي المعروف باسم كتائب جند الإمام: "بعد أن فقدوا السلطة، اعتبروا كل من شارك في الحكومة الجديدة خائنًا". وقال في مقابلة داخل أحد القصور حوله مكتباً له: "كانوا المشاركين الرئيسيين في المجزرة". يقول السكان المحليون إن مثل هذه التصريحات تطيل أمد الصراع لا أكثر. وقال عمار البلداوي، نائب محافظ المحافظة: "ما حدث في سبايكر نفذته منظمة ارهابية. عزو هذه الحادثة إلى قبيلة واحدة هو تشويه للواقع".
على بعد مسافة قصيرة بالسيارة جنوب تكريت، كانت العوجة في يوم من الأيام موطنًا لثلاثة آلاف شخص، بمن فيهم صدام وأقاربه. يقال الآن إنها مدينة أشباح يسيطر عليها الحشد الشعبي، حيث يتهم سكانها السابقون القوات شبه العسكرية بالاستيلاء على الأراضي. طلبت السلطات المحلية والقبائل مرارًا وتكرارًا من الحكومة الفيدرالية السماح لمن ليس لديهم تهم جنائية باستعادة أراضيهم، وكان آخرها خلال زيارة رئيس الوزراء لتكريت في ديسمبر الماضي. قال نائب المحافظ: "نريد إغلاق هذا الملف بشكل نهائي". طلب الشيخ أمين من البو ناصر من رئيس الحكومة محمد شياع السوداني الإدلاء ببيان علني لتبرئة اسم القبيلة. استمع رئيس الوزراء باهتمام وأخذ الملاحظات، وما زال أهالي تكريت ينتظرون الجواب.
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مقالة كتبتها سيمونا فولتين ونشرتها صحيفة "غارديان" البريطانية
التعليقات