في حوار أجرته معها مجلة "جيو ايستوار"(الجغرافيا والتاريخ) في عددها الأخير الصادر في مطلع شهر مارس-آذار الحالي، قالت الفرنسية آن دو تينغي، الأستاذة في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية بباريس، بإنه مهما تكون نتيجة الحرب في أوكرانيا فإن الخاسر الأكبر هو روسيا لتثبت للعالم أنها "عملاق بأرجل من طين".

وأشارت الباحثة الفرنسية إلى أن الحرب في أوكرانيا تمثل نهاية ما كان يسمى بـ"الحرب الباردة". فبعد انهيار جدار برلين عام 1989، وسقوط الكتلة الاشتراكية بزعامة ما كان يسمى بالاتحاد السوفياتي، عام1990، اتفق الروس والغربيون على أن المواجهة بينهما قد انتهت، وأنه حان الوقت لفتح صفحة جديدة في سجل العلاقات بينهما ليكون المستقبل مبنيا على السلام، وعلى التعاون الاقتصادي.

وفي بداية التسعينات، عبّر الزعماء الروس الجدد على أنهم يعملون على أن تكون الديمقراطية الغربية نموذجا لهم. كما أنهم عبّروا عن عزمهم الانخراط في اقتصاد السوق. لكن مع بداية الألفية الجديدة، ومجيء بوتين إلى السلطة، تحولت روسيا إلى دولة سلطوية وقمعية. ولم يعد بوتين يتردد في توجيه انتقادات عدوانية ولاذعة للدول الغربية، وللولايات المتحدة الأميركية. وبشنه حربا على أوكرانيا، هو يُعلن عن مواجهة مباشرة مع الغرب الذي أصبح ينظر إلى روسيا وكأنها تمثل تحديا أمنيا بالغ الخطورة بالنسبة لدول الحلف الأطلسي.
ومن المؤكد أن بوتين شن الحرب على أوكرانيا ليشعر الغربيين أنه قادر على أن يبني من جديد امبراطورية القياصرة البيضاء، وامبراطورية الشيوعيين الحمراء. كما أنه يرغب في أن يثبت للعالم أن روسيا لا تزال قوة عظمى، قادرة بالتالي على أن تكون مؤثرة في الخارطة السياسية العالمية.

وتضيف آن دو تينغي قائلة بإن الحزب الذي يعتمد عليه بوتين يكاد يكون نسخة من الحزب الشيوعي القديم. كما أن الرئيس يتمتع بسلطات واسعة تخوله أن يضع يده على كل مؤسسات الدولة بما في ذلك المؤسسة العسكرية. لذلك فإن المعارضة تبدو ضعيفة، ومُغيبة عن القرارات الكبرى. كما أن وسائل الاعلام مراقبة تماما مثلما كان الحال في الحقبة الشيوعية.

وقالت آن دو تينغي بإنه كان من الأفضل لبوتين أن يهتم بالوضع الداخلي لبلاده خصوصا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي عوض شن حرب على أوكرانيا، إذ أن القوة الاقتصادية هي المعيار الحقيقي لقوة الدول. أما الحروب فهي لا تخلف في النهاية سوى الخراب والدمار للمهزوم وللمنتصر معا.