الخرطوم: تهز الانفجارات والاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع العاصمة الخرطوم في ساعات الصباح الجمعة على الرغم من الدعوات إلى هدنة من أجل المدنيين في أول ايام عيد الفطر.
وتحدث شهود عن إطلاق نار وغارات جوية قبل شروق الشمس كما يحدث كل صباح منذ 15 نيسان/ابريل.
وأكدت لجنة أطباء السودان المركزية في منشور على فيسبوك "في ليلة عيد الفطر المبارك تعرضت قبل قليل وما زالت تتعرض مناطق متعددة من الخرطوم للقصف والاشتباكات المتبادلة بين قوات الجيش والدعم السريع". وأضافت أن هذه المواجهات "خلفت دمارا طال المباني والمنشآت والممتلكات العامة".
وكانت الاتصالات الدبلوماسية تكثفت الخميس.
فقد أعلن الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان منذ انقلاب 2021، أنه تلقى اتصالات من عدد من قادة دول المنطقة - خصوصا جنوب السودان وإثيوبيا - والخارج - على راسهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين.
ودعا جميع هؤلاء القادة إلى وقف القتال في عيد الفطر ضد قوات الدعم السريع شبه العسكرية التي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي، الرجل الثاني في السلطة منذ الانقلاب.
وأعلنت قوات الدعم السريع "موافقتها على هدنة لمدة 72 ساعة" اعتبارا من الساعة الرابعة بتوقيت غرينتش لمنح فترة راحة للسودانيين الذين ما زالوا عالقين في تبادل إطلاق النار الذي أودى بحياة أكثر من 330 شخصًا حتى الآن.
في الوقت نفسه، ألقى الفريق أول البرهان خطابا موجها إلى السودانيين بمناسبة عيد الفطر عبر التلفزيون الحكومي، في أول ظهور له منذ بدء القتال في 15 نيسان/ابريل، لم يشر فيه إلى أي هدنة.
قال البرهان الذي ظهر ببزة عسكرية جالسا في مكتب بين علمين للسودان "تمر على بلادنا هذا العام مناسبة عيد الفطر المبارك وبلادنا أصابها جرح بالغ الخطورة".
وأضاف "يبقي الأمل الدائم في أننا مع شعبنا العظيم سنتجاوز هذه المحنة ونخرج منها أكثر وحدة وقوة وتماسكا ويزداد هتافنا قوة جيش واحد شعب واحد".
وتابع أن "قواتكم المسلحة تتقدم في حسم المتمردين"، مؤكدا أنه "على ثقة في تجاوز هذه المحنة بالحكمة والقوة وبما يحافظ على أمن ووحدة البلاد ويمكننا من الانتقال الآمن للحكم المدني".
ويعيش سكان الخرطوم البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة يومهم السابع وسط الغارات الجوية والانفجارات والاشتباكات في الشوارع.
وألحقت عمليات إطلاق النار المستمرة أضرارا جسيمة بمستشفيات جديدة الخميس، وفقا لنقابة الأطباء. وقد أصيب أربعة منها في الأبيض الواقعة على بعد 350 كيلومترا جنوب الخرطوم.
وقال عبد الله وهو من سكان العاصمة لوكالة فرانس برس الخميس "نود أن يتوقف القتال حتى العيد لكننا نعلم أن ذلك لن يحدث".
وفي الوقت نفسه استمرت التصريحات التصعيدية. فقد أكد البرهان في اتصال هاتفي مع قناة تلفزيونية أن "لا مجال للحديث عن السياسة مرة أخرى" مع خصمه الفريق أول دقلو.
وأضاف أن "هذه الحرب وراها أطماع شخصية لأشخاص محدودين يريدون أن يحكموا هذه الدولة السودانية ويستولوا على مقدراتها وامكانيتها"، مؤكدا "لا أظن أن هناك خيار آخر غير الحسم العسكري".
وبعد اجتماع مع رئيس الاتحاد الإفريقي وقادة دوليين آخرين "اقتنع الجميع بأن الهدنة ملحة في السودان"، حسب وزير الخارجية الأميركي الذي دعا الفريقين المتنافسين إلى محاولة التفاوض مرة أخرى من أجل وقف القتال الذي يتركز خصوصا في الخرطوم ودارفور (غرب).
وفي العاصمة، نفدت مؤن عدد كبير من العائلات ولم يعد لديها كهرباء أو مياه جارية. ويحاول عدد كبير منها الفرار بين نقاط التفتيش التابعة لقوات الدعم السريع والجيش وسط جثث متناثرة على جانب الطريق.
ومنذ أن تحول النزاع على السلطة الكامن لأسابيع بين الضابطين الكبيرين إلى معركة ضارية، فر عدد كبير من المدنيين إلى الخارج أيضا.
وصل بين عشرة آلاف وعشرين ألف شخص معظمهم من النساء والأطفال إلى تشاد المجاورة، حسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويطلق كل من الجانبين إعلانات نصر واتهامات للطرف الآخر لا يمكن التحقق منها على الارض بسبب خطورة الوضع.
وقال أطباء إن سلاح الجو الذي يستهدف قواعد ومواقع قوات الدعم السريع المنتشرة في المناطق السكنية لا يتردد في إلقاء القنابل، وأحيانا فوق المستشفيات.
وذكرت نقابة الأطباء أن "سبعين بالمئة من 74 مستشفى في الخرطوم والمناطق المتضررة من القتال توقفت عن العمل" إمّا لأنها قُصفت أو لنقص الإمدادات الطبية والكوادر أو بسبب سيطرة مقاتلين عليها وطردهم المسعفين والجرحى.
من جهتها، أعلنت الولايات المتحدة الخميس أنها تنشر قوات في شرق إفريقيا تحسبا لاحتمال إجلاء موظفي السفارة الأميركية في السودان. وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في بيان "ننشر قدرات إضافية في مكان قريب في المنطقة لأغراض طارئة تتعلق بتأمين وربما تسهيل مغادرة موظفي السفارة الأميركية من السودان".
وقال مسؤول أميركي طالبا عدم كشف هويته إن هذه القوات الأميركية الإضافية ستنشر في جيبوتي بشرق إفريقيا.
واضطرت معظم المنظمات الإنسانية إلى تعليق مساعداته وهي أساسية في بلد يعاني فيه أكثر من واحد من كل ثلاثة أشخاص من الجوع في الأوقات العادية.
وقتل ثلاثة من موظفي برنامج الأغذية العالمي في دارفور في بداية القتال. ولم تعد الأمم المتحدة تحصي عمليات "النهب والهجمات" على مخزونها وموظفيها، وهي تدين "العنف الجنسي ضد العاملين في المجال الإنساني".
وكان مركز الأبحاث "مجموعة الأزمات الدولية" حذر من أنه "لا البرهان ولا دقلو يريد الاستسلام على ما يبدو لذلك الوضع قد يزداد سوءًا".
وأضاف أن "نزاعا طويل الأمد سيكون خرابًا للسودان" ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا وأحد من أفقر دول العالم يعاني أكثر من ثلث سكانه من الجوع.
وتابع "حتى لو استعاد الجيش في النهاية السيطرة على العاصمة وانسحب دقلو إلى دارفور فقد تنشب حرب أهلية" ومعها "احتمال زعزعة الاستقرار في البلدان المجاورة: تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا وجنوب السودان المتضررة بالفعل على مستويات مختلفة من العنف".
التعليقات