إيلاف من الرباط: تتواصل بالرباط فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، في دورته ال28، ببرنامج متنوع يشمل 221 نشاطا، بمشاركة 661 من الكتاب، مغاربة وأجانب.

في رابع أيام التظاهرة، التي تحتفي بالكيبيك - كندا كضيف خاص، تخليدا للذكرى الستينية لميلاد العلاقات الدبلوماسية المغربية- الكندية، التي تعرف دينامية ملحوظة، تتعزز بوجود "دياسبورا" مغربية نشيطة في هذا البلد، كان الموعد مع فقرات متنوعة، احتفت بتجارب كتاب مغاربة، عرب ومن إفريقيا جنوب الصحراء، كما ناقشت قضايا لها راهنيتها، فيما شكلت أروقة عدد من دور النشر المشاركة فضاء لتوقيع عدد من الإصدارات الجديدة.

الأدب النسائي في الصحراء

خلال لقاء حول "الأدب النسائي في الصحراء"، نظم في إطار لقاءات "الكتابة بالمؤنث"، أجمع باحثون متخصصون في الثقافة الصحراوية والتراث الحساني على فرادة الأدب النسائي في الصحراء. وقالوا إن المرأة تحظى بقيمة بالغة على المستوى الوجودي والإنساني والثقافي في الصحراء، فهي الشاعرة والمقاومة وصاحبة الخيمة، مسجلين في المقابل "محدودية" هذه التجربة الأدبية.

واعتبر المتحدثون أن تدوين الثقافة الحسانية النسائية لا يزال يعاني العديد من الإشكالات، مرجحين أن يكون "تعثر" تثمين هذا التراث الأدبي قد انعكس على "ندرة وقلة" النصوص والإبداعات بشكل عام، بالنسبة للنساء والرجال من المبدعين، ومشددين على دور الإعلام في إبراز نخب الأدب الصحراوي.

وتوقفت الباحثة في الثقافة الحسانية، العزة بيروك، عند "التبراع" باعتباره شعرا نسائيا بامتياز، وهو عبارة عن قصيدة مختصرة جدا ومختزلة، مكتملة المعنى ومشحونة بالكثير من العواطف والشجن بلغة دقيقة تنهل من الحسانية، كما تتميز بالكثير من الضوابط الشعرية، منبهة إلى أنه خاص بالنساء دون ذكر أسمائهن، ولا يمكن للرجال الخوض فيه. وأشارت إلى أن المرأة لم تعد، في الوقت الراهن، ترى ضيرا في التصريح باسمها

في شعر "التبراع"، معتبرة أن الشاعرة تعبر من خلاله عن مجموعة من القيود المجتمعية، وكلما "زادت القيود زادت قيمة التبريعة"، وبذلك فالنساء على "أجنحة الشعر الحساني" هن باحثات عن منافذ للتغزل بالرجل برؤية أنثوية بالغة الحساسية.

من جهته، أبرز الباحث المهتم بالتراث الحساني، محمد مولود الأحمدي، أن للجنس الأدبي "التبراع" في الشعر الحساني قدرة رهيبة على تكثيف المعنى، وهو يترجم قدرة المرأة على الإبداع وتوفير المعاني في أشطر قصيرة، بينما يحتاج الشعر الحساني إلى أشطر كثيرة للتعبير عن المعنى نفسه. وبعدما أشاد بإبداع المرأة الصحراوية، أبدى الأحمدي أسفه لما أسماه تعرضها "للظلم"، داعيا الشاعرات إلى تحرير مكنوناتهن الشعرية والدفاع عن الشعر النسائي "كأدب قائم بذاته يضاهي الشعر الحساني الرجالي"، والباحثين إلى دارسة جنس "التبراع" والغوص فيه باهتمام.

وأوضحت الباحثة زوليخة بابا أن الكتابة الروائية في الصحراء "حديث ذو شجون"، مبرزة أن الصحراء ارتبطت بالثقافة الحسانية وبعدة مجالات أهمها الشعر، كما ارتبط السرد بالحكايات الشعبية التي تأتي في سياقات الجماعة. ونوهت الباحثة بالروائيات اللواتي يلامسن موضوع المرأة كذات مبدعة وكموضوع للإبداع، مشيرة إلى بعض الأسماء النسائية التي تناولت موضوع المرأة المثقفة الطموحة التي عاشت تجربة الغربة، وموضوع المرأة التي عانت من سنوات العتمة داخل أسوار المعتقل، على غرار رواية "سيدات الكثيب" لكاتبتها الروائية المغربية البتول محجوب.

المخرج نبيل عيوش يتحدث خلال ندوة تكييف الأعمال الأدبية مع السينما والمسرح

من الرواية إلى السينما والمسرح

شكل تكييف الأعمال الأدبية مع السينما والمسرح محور لقاء نظم في إطار فعالية "الأدب فضاء للتأمل"، بمشاركة مهنيين سينمائيين وكتاب من خلفيات مختلفة، ناقشوا أسئلة تتعلق بدرجة الوفاء للعمل الأدبي أثناء كتابة سيناريو مسرحية أو فيلم، وحول تقنيات تحويل الرواية إلى سيناريو.

وقال المخرج المغربي فؤاد صويبة إن "صناعة السينما ضعيفة تاريخيا أمام الأدب، بسبب اختراعها المتأخر"، مشيرا إلى أن "الفن السابع جاء ليستخدم كل ما سبقه، مثل الروايات والقصص القصيرة أو حتى الموسيقى". ونقل صويبة عن الكاتبة الأميركية ليندا سيجر، مؤلفة كتاب "فن التكيف"، قولها إن التكيف هو شريان حياة صناعة السينما والتلفزيون، مضيفا أن "جميع كلاسيكيات السينما العظيمة هي عمليا مقتبسة من أعمال أدبية، مثل "ولادة أمة"، و"ذهب مع الريح" و"كازابلانكا".

وأشارت الروائية والكاتبة المسرحية وكاتبة السيناريو التركية سيديل إيسر إلى أن "خيانة" العمل الأدبي في الاقتباس "أمر حتمي تقريبا"، لا سيما بسبب تقنيات الكتابة المختلفة للفن السادس والسابع، مقارنة مع كتابة الرواية وضرورة تكييف كتابة السيناريو مع ميزانيات الإنتاج، وكذلك مع عدد الممثلين والكوميديين المتوفرين.

وقال المخرج المغربي نبيل عيوش إن ممارسة تكييف العمل الأدبي يبدأ "من لحظة إعجاب بحكاية ما"، لكن التكييف مع السينما هو نوع من "خيانة العمل الأدبي". وأشار،في هذا الصدد، إلى تجربته في الفيلم الروائي "يا خيل الله"، المقتبس من رواية الكاتب المغربي ماحي بنبين، تحت عنوان "نجوم سيدي مؤمن"، موضحا أنه "وقع في حب" هذه الرواية، ولكنه وجد نفسه "يبتعد عن السرد الذي اقترحه المؤلف، لخلق شكل مختلف تماما من التعايش بين الشخصيات المختلفة في الفيلم".

مسار فاطمة المرنيسي

على صعيد آخر، قدم باحثون وأكاديميون مغاربة نظرات متقاطعة حول مؤلفات وأبحاث عالمة الاجتماع المغربية الراحلة فاطمة المرنيسي، تناولوا من خلالها الأفكار والقضايا الكبرى التي تناولتها في أعمالها.

واستعرضت رجاء الرهوني، الأستاذة بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة (جنوب الدار البيضاء)، المراحل المختلفة التي ميزت مسار الكاتبة الراحلة. وقالت إنها حللت في كتابها "نقد النسوية الإسلامية والعلمانية في أعمال فاطمة المرنيسي" الطابع المعقد لنصوصها، واصفة أعمالها ب"نموذج الخطاب النسوي ما بعد حقبة الاستعمار".

أما مختار الهراس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، فركز على مفهوم الفردانية والتفرد في أعمال المرنيسي. وأوضح أن المرنيسي أبرزت في هذه الكتب مدى أهمية هذه المفاهيم في الحياة العائلية للمغاربة، مشيرا إلى أنها كانت تتابع أيضا قضية تحرر المرأة عبر التاريخ من القيود والضغوط العائلية التي تمنعها من تعزيز صفاتها الفردية.

ولاحظ الهراس أن أعمال المرنيسي تتناول أيضا العديد من القضايا والأفكار الإنسانية، بما في ذلك حرية التفكير والسيادة والتسامح واعتبار المشاعر الفردية.

الكوني والصحراء

خلال لقاء مفتوح قام بتنشيطه الكاتب المغربي ياسين عدنان، بسط الكاتب الليبي إبراهيم الكوني تطلعاته الأدبية التي تهتم بالصحراء كمنطقة شاسعة ذات أبعاد إنسانية وكونية، في صيغ إبداعية تظهر الإنسان الصحراوي في شمولية تجلياته. وقال إن الهم الذي يسكنه هو الكيفية التي يستطيع بها أن يستنطق الصحراء لتتكلم له، وتكشف عن مكنوناتها، مبرزا أن الصحراء لم تستطع أن تقول كلمتها على المستوى الأدبي، رغم أن إبداعاته تتجاوز التسعين عملا، لأن "الصحراء بالفعل سر كبير".

ورأى الكوني أنه "لا يوجد عمل أدبي في العالم يتحدث عن الصحراء وجوديا ودينيا"، لأن "الصحراء ليست مسرحا للنزهة السياحية وظاهرة طبيعية فقط، بل لها أبعادها الكينونية والميتافيزيقية والدينية"، مضيفا أن "الصحراء وطني الذي يسكنني".

وعن سؤال حول كيفية نقل أساطير الصحراء إلى جنس الرواية، شدد الكوني على أن تفكيره الأول ينطلق من الأمازيغية وينقل خطابه إلى اللغة العربية، معتبرا أنه لا يمكن

لأي شخص أن "يكتب جيدا عن الصحراء إن لم يكن صحراويا، ولديه معرفة بخصوصيات إنسان الصحراء الذي تسكنه الأساطير والنبوءات والديانات"، وهي مجالات "لا يستطيع الإنسان الغربي أن يتخيلها".

وذكر الكوني أن "الإنسان الصحراوي مختلف عن الآخرين في كل نشاطه"،مشددا على أن "الأدب العربي الكلاسيكي لم يستطع أن يلامس المناطق الروحية للإنسان الصحراوي وبالتالي تقديم حقيقة الصحراء"، قبل أن يخلص إلى أن "الصحراء ما زالت تنتظر من يقول كلمتها".

اليبوري ومجال السرديات العربية

على صعيد اخر، شكل التكريم الذي نظم للأديب والناقد المغربي أحمد اليبوري فرصة للاحتفاء بصدور كتابه "مجال السرديات العربية"،الذي جمع فيه هذا الباحث، الذي طبع بحضوره الدرس الجامعي المغربي، أعماله السردية الكاملة.

وشهد اللقاء، الذي اختير له كعنوان "أحمد اليبوري، مدرسة نقدية مغربية أصيلة" تقديم مجموعة من الكلمات التي سلطت الضوء على المنجز العلمي المميز للأديب المحتفى به، باعتباره من أعلام الأدب في المغرب، حيث أجمع الناقد المغربي نجيب العوفي، والكاتبة والباحثة المغربية نجاة المريني، والأكاديمي المغربي أحمد بوحسن على أن اليبوري يعتبر من مؤسسي الخطاب النقدي الحديث والمعاصر في المغرب، إلى جانب أسماء بارزة، مثل محمد برادة وعباس الجراري، مبرزين أنه أرسى القواعد المنهجية للدرس النقدي في الجامعة المغربية "باستيعابه الحسن للمناهج الغربية الحديثة".

وأشار المتدخلون إلى أن المحتفى به يعد علامة مضيئة في تاريخ الفكر والأدب المغربيين، مبرزين إسهاماته في التكوين والتأطير، إذ نجح في تكوين مجموعة من الباحثين المغاربة في مجال الدراسة النقدية، وكذا إسهامه في الكتابة والتأليف، حيث يمتاز ب"لغة مشرقة صافية وأسلوب عذب يغري القارئ للقراءة والتتبع"، كما "أهدى المكتبات المغربية مؤلفات ذات طعم معرفي خاص".

واستعاد اليابوري، بالمناسبة، مساره العلمي وأبحاثه الجامعية، مشيرا إلى أن مشواره في تدريس الجنس الروائي بكلية الآداب بالرباط، كان "مناسبة لتجريب ذخيرته الأدبية والنقدية".

راكوتسون وثنائية الثقافة

خلال لقاء احتفائي بالكاتبة الملغاشية ميشيل راكوتسون، التي فازت بجائزة الكتاب البرتقالي في إفريقيا لعام 2023، قامت هذه الصحفية والناشطة والكاتبة المسرحية والأستاذة في الأدب، الحاصلة على شهادة في علم الاجتماع، باستعراض المراحل الرئيسية التي ميزت مسارها المهني والشخصي، بالإضافة إلى تفاصيل مهمة عن التاريخ الاستعماري لمدغشقر.وقالت إنها تعتبر نفسها "ثنائية الثقافة"،حيث أنها ترتاد المدرسة الفرنسية وتكتب كتبها باللغة الفرنسية، لكنها تظل مرتبطة بلغتها الملغاشية الأم، التي تتحدثها بمجرد عودتها إلى بلدها.
وأوضحت راكوتسون أنها أمضت عشر سنوات في كتابة أحدث إصداراتها بعنوان "أمباتومانجا، صمت وألم"، بعد أن تعمقت كثيرا في وثائق من أرشيفات ملغاشية وفرنسية، وبفضلها تمكنت من تعزيز روايتها بشهادات مؤثرة.

وأعربت راكوتسون عن استيائها من الصمت الذي يسود حول الاستعمار والجيش الاستعماري ، والتجانس الذي يعيشه عالم النشر.ودعت، إلى "الحق في النظر والرد" على المستعمر، وإلى إضفاء الطابع الديمقراطي على الولوج إلى الكتب وتحرير الأدب الملغاشي.