في عام2020، أصدر الباحث الروسي نيكولاي ايبلي Nicolai Epple المتخصص في قضايا الذاكرة، كتابًا بعنوان: "الماضي المزعج". فيه أثبت صعوبة تخلّص بعض الدول مثل ألمانيا والأرجنتين وإسبانيا وجنوب أفريقيا وروسيا من الحقبة التاريخية السوداء.

وفي هذا الكتاب الذي أثار جدلاً واسعًا، يشير المؤلف إلى أن العالم يعيش راهنًا ما يسميه بـ"احتضار الوحش". وهو يقصد بذلك روسيا التي لم تتمكن بعد من التخلّص من آثار وتأثيرات الحقبة الشيوعية التي اقترفت فيها أفظع الجرائم خلال فترة حكم ستالين الطويلة.

وفي حوار أجرته معه جريدة "لوفيغارو" قال نيكولاي أيبلي بأنه عمل انطلاقا من عام2010، محررًا في جريدة Vedomosti التي ظلت محافظة على استقلاليتها حتى عام2020.

وخلال تلك الفترة تمكن من ربط علاقات وثيقة مع رموز الدولة، ومع عالم المال والأعمال، ومع المجتمع المدني ومع المختصين في مختلف الشؤون الروسية. وتلك العلاقات هي التي حرضته على تأليف كتابه: "الماضي المزعج" مبرزًا فيه أن روسيا لم تتمكن من معالجة أزماتها الراهنة لأنها عجزت عن تجاوز الإرث الثقيل للحقبة الشيوعية، لتظل سجينة تلك الحقبة. لذلك هي تنظر إلى نفسها راهنا وكأنها الوريثة الشرعية لما كان يسمى بالاتحاد السوفياتي بكل ما يمثله من رغبة في التوسع، وفي الهيمنة على الدول المجاورة. لذلك لم يتردد بوتين في غزو أوكرانيا.

ويرى نيكولاي ايبلي إن إعادة النظر في الماضي بدأت في عهد خروتشيف بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي، ثم في عهد غورباتشيف، وأخيرا في عامي2010 و2011، غير أن كل هذه المحاولات فشلت فشلا ذريعًا.

وانطلاقا من سنة2014، شرع حكام الكرملين بزعامة بوتين في إعادة الاعتبار لسياسة القوة والعنف للتصدي للمطالبين بالحرية والديمقراطية. ويقول نيكولاي ايبلي بإن عزو أوكرانيا يمثل رفض السلطات الروسية الحالية القطيعة النهائية مع الحقبة السوفياتية، وأخطائها وجرائمها. ويضيف قائلا: "إن السردية السوفياتية الجديدة التي ترفض كل نقد للماضي، تشكلت بقوة داخل السلطة موازة مع عجزها عن تحقيق الديمقراطية تحت المراقبة".
ورغم أن النظام الروسي يبذل كل ما في وسعه لكي يظل الماضي حاضرا بقوة مغطيًا على أزمات الحاضر، فإن نسبة كبيرة من الروس باتوا يضيقون ذرعًا بكل هذا.
وهناك أزيد من مليونين من الروس يعيشون راهنًا في المهجر. وأما الجنود الذين فروا من جبهات القتال في الحرب ضد أوكرانيا فيعدون بالآلاف. وكل هذا دليل على أن القطيعة بين النظام وبين الشعب تزداد يوما بعد يوم. إلاّ أن نيكولاي ايبلي يعتقد رغم ذلك بأن روسيا ستظل سجينة ماضيها لسنوات طويلة أخرى لأن نسبة عالية من الروس يرون أن الغربيين بقيادة الولايات المتحدة الأميركية يسلكون سياسة معادية لبلادهم بهدف تركيعها ومحاصرتها وتحويلها إلى بيدق يتلاعبون به بحسب ما تقتضيه مصالهم وأهوائهم.