يقضي النظام الأميركي، كما هو معلوم، بأن يتنافس المرشحون داخل كل من الحزبين الرئيسيين ثم تُجرى الانتخابات الرئاسية بمشاركة مرشح واحد عن كل حزب.
وتعد المناظرات التي تجري بين المرشحين للرئاسة في الولايات المتحدة فرصة إعلامية كبيرة للمرشحين لإبراز مواقفهم وللناخبين للاطلاع على تلك المواقف وأساليب المرشحين وقدراتهم.
أما مناظرة المرشحين المتنافسين على ترشيح الحزب الجمهوري في مدينة ملووكي في ولاية وسكونسن فرغم أهميتها إلا أنها تأثرت بشدة قبل أن تبدأ بسبب قرار الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب عدم المشاركة فيها.
ويتقدم ترامب بفارق كبيرة عن باقي المرشحين، لذلك يقول إنه لا يحتاج للمشاركة في المناظرات.
لكن الوقت ما يزال طويلا نسبيا وقد تتغير الموازين السياسية أو هكذا يأمل منافسو ترامب الذين قد يعولون أيضا على احتمالية أن تؤثر الاتهامات والقضايا القانونية التي يواجهها ترامب على قوته السياسية.
من هو أقوى منافس لترامب؟
ويعد رون دي سانتيس، حاكم ولاية فلوريدا، أقوى منافسي ترامب إذ كان مرشحا رئاسيا متوقعا بل ومنتظرا.
ويرجع سبب ذلك إلى فوزه الكبير في انتخابات حاكم ولاية فلوريدا قبل عامين وحصوله على فترة أخرى في حكمها، رغم أنها عرفت بكونها ولاية متأرجحة، أي أن نسبة الناخبين الديمقراطيين والجمهوريين متقاربة فيها وكانت الانتخابات فيها تحسم بفارق واحد في المائة أو أقل أحيانا، لكن دي سانتيس الذي كان صريحا وصاخبا في سياساته فاز بفارق عشرين في المائة.
وقد تزامنت تلك الانتخابات مع انتخابات الكونغرس النصفية، وكان من المتوقع أن يحقق الجمهوريون فوزا كبيرا بسبب الاستياء الشعبي العام من ارتفاع التضخم والأسعار وكلفة المعيشة، إلا أن الجموريين لم يحققوا سوى فوز صعب جاء بغالبية صغيرة جدا في مجلس النواب في المقابل خسروا في مجلس الشيوخ إذ عزز الديمقراطيون مواقعهم.
وأنحى كثيرون باللوم على ترامب لأنه تدخل في عملية اختيار المرشحين الجمهوريين في أكثر من سباق انتخابي في ولايات أمريكية كانت مهمة ومؤثرة مثل جورجيا وبنسلفانيا لكن "مرشحي ترامب" خسروا أمام الديمقراطيين.
وفي ظل تلك الأجواء، برز النصر الانتخابي الذي حققه حاكم فلوريدا دي سانتوس كبارقة أمل للجمهوريين.
ومن هناك بدأت رحلة صعوده نحو الترشح للرئاسة.
- الانتخابات الأمريكية 2024: مايك بنس يهاجم ترامب مع إطلاق حملته
- المرشحون الديمقراطيون المحتملون للانتخابات الرئاسية الأمريكية
- ترامب يعلن رسميا ترشحه للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة
لكن ترشح دي سانتيس جعله يصطدم لا محالة بترامب رغم محاولاته تجنب ذلك. فقد سلط ترامب هجماته وانتقاداته الشديدة لدي سانتوس مقللا من أهميته ومذكرا الناخبين بأنه لعب دورا كبيرا في مساعدة دي سانتيس عندما ترشح لمنصب حاكم فلوريدا للمرة الأولى عام2018 .
ورغم أن دي سانتوس يتقدم بوضوح على باقي المرشحين في استطلاعات الرأي إلا أنه بقي دائما خلف ترامب بفارق كبير. وقد أجرى دي سانتيس تغييرات في فريق حملته الانتخابية أملا في تغيير ذلك إلا أنه لم يتغير حتى الآن لتأتي المناظرة الانتخابية لتكون فرصة ربما لدي سانتوس ليحقق التقدم الذي يحلم به.
وإذا كان دي سانتيس يستند في ترشحه على أجندة محافظة ويأمل في كسب مؤيدي ترامب فإن كريس كريستي، حاكم ولاية نيوجرسي السابق، يتبع استراتيجية مختلفة، إذ تقلب هذا السياسي الذي يمتلك مهارات ليست هينة في مواقفه السياسية، وترك في وقت ما طموحاته الرئاسية لينضم إلى فريق ترامب مستشارا ومؤيدا متحمسا للرئيس السابق. إلا أنه غير مواقفه مع نهاية رئاسة ترامب لينقلب واحدا من أشد خصوم ترامب ضراوة في مهاجمته في صفوف حزبه الجمهوري.
وتقوم استراتيجية كريستي في هذه الانتخابات على محاولة كسب أصوات الجزء الأصغر من الحزب الجمهوري الناقم على ترامب والذي يأمل في اختفاءه من المسرح السياسي، لكن ذلك الجزء ما يزال صغيرا وغير مؤثر إزاء قوة التأييد الذي يتمتع به ترامب رغم كل ما جرى.
أما نائب الرئيس السابق، مايك بنس، فقد بدأ فراقه مع ترامب عند لحظة فاصلة كبرى في التاريخ الأمريكي وهي لحظة اجتياح أنصار ترامب لمبنى الكونغرس أثناء جلسة التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية التي خسرها ترامب أمام بايدن.
تنص الترتيبات الدستورية على أن يرأس نائب الرئيس جلسة التصديق وهي جلسة روتينية إجرائية لتصديق نتائج التصويت التي تكون قد أشبعت فحصا وتمحيصا. وقد كان هذا يحدث دائما من غير مشاكل. إلا أن ادعاء ترامب بأن الانتخابات لم تجر بطريقة صحيحة ولا نزيهة وبأنه فاز فيها وحرم من الفوز أدت إلى حصول أزمة في ذلك اليوم. إذ توجه حشد كبير من أنصار ترامب إلى مبنى الكونغرس مطالبين المجلس وبنس تحديدا بإيقاف وإعاقة عملية التصديق على النتائج. ومنذ ذلك اليوم يصر بنس على التذكير بأن ذلك لم يكن من صلاحياته أبدا إلا أنه يواجه موقفا رافضا لقناعته تلك في كثير من التجمعات الانتخابية التي حضرها منذ أن أعلن ترشحه. لم يحقق بنس تقدما كبيرا في استطلاعات الرأي رغم كونه سياسيا محافظا متدينا ورغم إخلاصه لترامب على مدى أربع سنوات عمل فيها نائبا له حتى افترقا في النهاية.
مملكة ترامب داخل الجمهوريين
ومن المهم هنا الانتباه إلى أن غالبية ساحقة من الجمهوريين ما تزال تعتقد بصحة قول ترامب بأنه فاز في الانتخابات ولم يخسر، إذ يعتقد سبعة من كل عشرة جمهوريين بذلك.
وقد يكون هذا سببا لأن يركز المرشح الجمهوري الشاب فيفيك راماسوامي على قضايا مختلفة تركز على المستقبل لكن مع الاستناد بقوة إلى مبادرات تاريخية جمهورية عزيزة على قلوب أنصار الحزب. وقد اكتسب هذا المرشح النشط إعلاميا زخما ملحوظا مؤخرا ليحتل المركز الثالث في الاستطلاعات خلف ترامب ودي سانتيس.
يتحدث راماسوامي بقوة عن نيته اتخاذ إجراءات شديدة في التعامل مع الجهاز الحكومي. ومن المعروف أن ناخبي الحزب الجمهوري في العموم ناقمون على فكرة وجود جهاز حكومي كبير تموله الضرائب المتزايدة وقد ازدادت نقمتهم في السنوات الماضية مع انتقادات ترامب للأجهزة الأمنية وسطوتها. لذلك يقدم راماسوامي وعودا كبرى مثل إلغاء مكتب التحقيقات الفيدرالي و تقليص الجهاز الحكومي الفيدرالي بنسبة الثلث. إلا أن نقطة قوته الأساسية تتركز في حديثه عن مستقبل مشرق للولايات المتحدة يرتكز إلى قدرات أبناءها بعيدا عن التركيز على قضايا وهموم الجماعات المدافعة والمنتمية لقضايا العرق واللون والميل الجنسي والهويات حتى إذا كان ذلك التركيز يهدف الى تصحيح أوضاع تاريخية غير عادلة. يقول راماسوامي الذي ينشط على مواقع الإعلام الجديد اذ يظهر في أي فرصة لاجراء المقابلات والحديث عن أفكاره كما ويقدم هو شخصيا برنامجا للمقابلات.
لم يحقق المرشحون الآخرون تقدما حتى الآن. المرأة الوحيدة بين المرشحين هي نيكي هيلي الحاكمة السابقة لولاية كارولينا الجنوبية التي عينها ترامب مندوبة لواشنطن في الأمم المتحدة وعُرفت بمواقفها المتشددة على المسرح الدولي. تقدم نفسها على أنها ذات سجل يجمع بين النجاح في إدارة ولاية بالإضافة إلى خبرة في مجال السياسية الخارجية. ومن الولاية نفسها يقدم المرشح تيم سكوت وهو العضو الجمهوري الوحيد من أصل أفريقي في مجلس الشيوخ. يطرح سكوت قصته الشخصية وكفاحه وتقدمه نموذجا لما يمكن أن يبحث عنه الناخب الأمريكي المحافظ.
سيقدم المرشحون أنفسهم في المناظرة التي قد تتضمن أيضا هجمات على بعضهم البعض لأن ذلك كان في الماضي هو ما يجلب انتباه الإعلام والناخبين. وسيبدأ عددهم بعد ذلك بالتضاؤل مع انسحاب من ييأسون من قدرتهم على الاستمرار. لكن ظل ترامب سيكون مخيما على كل تلك الأحداث.
التعليقات