إيلاف من أصيلة: ناقش باحثون وخبراء في "ندوة حول البيئة، الجيوسياسية الجديدة للصحراء الكبرى ومتطلبات الأمن"، نظمت نهاية الاسبوع ضمن فعاليات منتدى أصيلة الـ44، مجمل التحديات والتهديدات التي تواجه إفريقيا والصحراء، وابرزها انهيار الدولة، وتفكك المؤسسات، والانقلابات،ومشاكل الإرهاب والتحدي المناخي.

وتحدث محمد الضريف، الباحث في مركز الجنوب الجديد، بتشاؤم عن مستقبل الصحراء الكبرى. وقال إن الوقائع والأحداث باتت تهدد المستقبل القريب للصحراء الكبرى، مشيرا إلى غياب الدولة وتهاوي المؤسسات الكلاسيكية، التي تعنى بالتنظيم والحكامة. وأضاف أنه يجب الحفاظ على لحمة المجتمعات والحد من تقويض الوضع في هذه البلدان، ما يساهم في اللا استقرار.

وقال الضريف إن زيادة عدد الانقلابات والتدخلات الأجنبية، يجعل من الصعب التنبؤ، بالمستقبل نظرا للخلافات والنزاعات المستحكمة، وانتشار شبكات الاتجار في البشر، وتجارة السلاح والمخدرات التي تعززت في ظل هشاشة دول.

من جهته، تحدث محمد جويلي أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة تونس، عن جانب يتعلق بالعاطفة والوجدان في التعاطي الجيوسياسي، وقال "نحن إزاء قضايا ذات طبيعة وجدانية، مثل الخوف، الأمل، والغضب وغيره"، وهي ظواهر تحتاج للتتبع والملاحظة في سياق الأحداث الجارية.

وأضاف أن الأمر يتعلق بوحدة للتحليل مرتبطة بصعود الفردانية في النظام دولي والذي يدفع للتركيز على الأفراد حتى تكون لهم ردود فعل على الأوضاع.



محمد الضريف يلقي مداخلته

وقال إن البعد العاطفي مهم جدا لفهم ما يجري، حول العالم. إن مظاهر من قبيل تقدير الذات وإدارة المشاعر، وإخضاعها للملاحظة. ومن هنا يقول الجويلي، فإن التمايزات، يتم التفكير في كتمايزات نرجسية فردية وبالتالي فالجواب سيكون فرديا، داعيا إلى الاهتمام بالشباب وجوانبه العاطفية والوجدانية. تأثير التغيرات المناخية.

من جهتها، تحدثت بثينة بنسالم، أستاذة التاريخ الحديث والقانون العام، بجامعة مولاي سليمان، عن تأثير التغيرات المناخية على الأمن في إفريقيا، حيث لم تعد النزاعات المسلحة فقط التي تهدد الأمن، بل أيضا الجفاف والكوارث. وقالت بنسالم إن الساحل يعرف مناخا شبه جاف، وهو منطقة استراتيجية، كمعبر من شمال افريقيا إلى الجنوب، وغني بالموارد طبيعية، ما جعله مطمعا لعدد من الدول الغربية.

وأشارت إلى أن الأزمة المناخية، باتت تؤثر على مستوى عيش السكان، حيث تؤدي الفيضانات والعواصف والكوارث إلى سقوط ضحايا. وتؤدي الكوارث الطبيعية لنقص المواد الغذائية، ونضوب الموارد، فضلا عن تداعيات أخرى، منها نزوح السكان، وخلق مناطق نزاعات في هذه المناطق.

مشكل الحدود
من جهته، تحدث رحال بوبريك، أستاذ باحث بمعهد الدراسات الافريقية عن موضوع الحدود في أفريقيا مقدما مثالا بموضوع الصحراء المغربية التي أصبحت ملفا مطروحا لدى الأمم المتحدة. وقال إن الاستعمار هو الذي خلق الحدود وخلف تشرذما بين القبائل. وحسب بوبريك، فإن اسم الصحراء "الغربية" المغربية لم يكن اسم قائما بل كان اسمها "صحراء"، فقط. مشيرا الى أن هذا مسمى وجد بإيعاز من فرنسا وإسبانيا، فقد سعت القوتين الاستعماريتين، قبل الحماية لخلق صحراء غربية وحدود وهمية، لا تراعي أي اعتبارات عرقية قبلية، فتم عزل مناطق منها واد نون عن الساقية الحمراء، وتندوف ألحقت بالجزائر. وذكر انه في عقد الستينات خلقت إسبانيا حزبا في الصحراء يطالب باستقلالها، واستمر الحزب سنوات من الستينات إلى 1975، وبعدها تم اختلاق مسألة شعب الصحراء الذي يطالب بتقرير المصير، ووصل الملف إلى الأمم المتحدة.

من جهته، ركز فرج نجم من ليبيا، مدير مركز السلام في بنغازي، عن الوشائج الدينية والعرقية التي تربط شمال أفريقيا بالصحراء، وقال إن ليبيا مثلا مرتبطة بإفريقيا، مقدما مثالا، بكون المقاوم الليبي المعروف عمر المختار تزوج في تشاد وحارب فيها.

وقال نجم إن إفريقيا هي همزة وصل وملتقى الحضارات وأشار إلى عائلات ليبية أصولها أفريقية مثل الغرماوي، والبرناوي، والسوداني.

وبدوره، تحدث عبد الله الطالب أعبيدي، المستشار الموريتاني في الأمن والدفاع، عن عدة تحديات في المنطقة، فهناك تنافس عميق بين روسيا والصين، وتركيا وإيران بحيث أصبحت أفريقيا ساحة مواجهة وظهرت حروب هجينة. وداخليا هناك أيضا انقسام تجاه الموقف الأميركي والفرنسي، ولاحظ بروز اتجاه لدعم حدوث تغييرات غير دستوية بدعم شعبي، وظهور خطاب شعبوي موجه للشباب.

أما عبد الله ولد اباه، المحلل السياسي الموريتاني، فأبدى ملاحظتين، الأولى أن مفهوم الصحراء الكبرى، يساعد على تجاوز مصطلحات تقسم الصحراء مثل الساحل والصحراء والصحراء الغربية. والثانية اقترح ولد اباه إنشاء هيئات متعددة الأطراف في المنطقة أو إحياء إحياء هيئات غير مفعلة مثل تجمع الساحل والصحراء أو المغرب العربي.



من منتدى أصيلة

وقال إنه كان هناك خطأ في تصور اتحاد المغرب العربي وكذا تجمع الساحل والصحراء، ودعا إلى التفكير في إعادة تصور هذا المشروع، استنادا إلى حقائق عميقة.

بدوره قال عبد الله محمدي، الكاتب الصحفي الموريتاني المتخصص في الشؤون الإفريقية، إن "الصحراء ليست جفافا وصمتا وهدوء يغري الحاملين". مشيرا الى أن الصمت إزاء الحروب الصغيرة بالمنطقة، والتنافس الإقليمي، وفشل الدولة الوطنية في أن تفهم الصحراء وأهلها وأن تجعلهم جزء من المشروع المستورد، أصبح تمهيدا لما هو أخطر.

واعطى محمدي مثالا لفشل الدولة الوطنية في فهم الصحراء، بما أقدمت عليه الأنظمة العسكرية المتعاقبة في دولة مالي خلال حقبة الستينات والسبعينات، حين "حولتها إلى منفى للمعارضين والمغضوب عليهم، وأقامت فيها السجون البشعة التي يموت نزلاؤها دون علم أحد".


رحال بوبريك

وذكر محمدي بما قاله موراتينوس في الجلسة الأولى من الندوة، من أن الذين أرادوا علاج مشكل مالي لم يدخلوا العامل الدبلوماسي وغيره.
وأضاف أن الحروب الأخرى يشتعل أوارها، من دون الحاجة إلى سرد خارطة حضور السلاح في الصحراء قبل سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا وبعد سقوطه.

وأشار محمدي إلى أن "الجزائر سلحت جبهة البوليساريو في جنوب الجزائر وعلى الحدود مع موريتانيا، وسلحها القذافي قبل ذلك".

واعتبر أن كل ذلك "يندرج في سياق عدم فهم الصحراء، والاستهانة بالخطر الكامن فيها"، مشددا على أن "ما تحتاجه الصحراء المدارس وليس القنابل". وأضاف محمدي أن تنظيم القاعدة طور، بعد ذلك، آلياته الخاصة للتمويل، فأنعش تجارة الفدية سبيلا إلى شراء صمت السكان وتواطؤهم أحيانا لإرهابهم بعد ذلك.

واشار محمدي إلى أنه لم يعد من خيار أمام شباب المنطقة سوى الهجرة أو الانحراف، وقال إنه "يكفي أن نلقي نظرة سريعة على خارطة الصحراء الكبرى، لنجد أن المدن التي شكلت ثراء الماضي غدت مهملة، وسكانها هاجروا صعودا نحو الشمال، أو هبطوا إلى الجنوب، وبقيت الصحراء فارغة ومرتعا لشبكات الجريمة المنظمة". كما شدد على أن الصحراء الكبرى أفرغت من أهلها، مع أنها تنام على ثروات هائلة من الذهب والمعادن النفيسة والغاز والبترول واليورانيوم.

وخلص إلى القول "إن الإبقاء على تلك الثروة نائمة، يخدم جهة لا تريد لها الخروج، لأنها ستغير معادلة التنافس الإقليمي".