إيلاف من دبي: نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالة بقلم ملك الأردن عبد الله الثاني، تناول فيها المستجدات في غزة، وداعيًا إلى التعاضد لوقف الحرب والعودة إلى حل الدولتين، هذا نصها:

لأكثر من شهر الآن، قسمت الحرب في غزة العالم، مع تفاقم الانقسام العميق بسبب المشاعر المتأججة. ثمة روايتين، فلسطينية وإسرائيلية، تؤلبان المتظاهرين ووسائل الإعلام والأديان والشعوب والمناطق بعضها ضد بعض. في هذه العملية، تحول الوضوح الأخلاقي الذي ينبغي علينا أن نتقاسمه بشأن القيم الإنسانية الأساسية إلى ارتباك أخلاقي.

لذلك، دعونا نبدأ بسرد بعض الحقائق الأساسية. الحقيقة هي أن آلاف الضحايا في جميع أنحاء إسرائيل وغزة والضفة الغربية كانوا في أغلبيتهم الساحقة من المدنيين. في السابع من أكتوبر، أصيبت إسرائيل بصدمة عميقة بسبب مقتل أكثر من 1000 إسرائيلي، بينهم نساء وأطفال، على يد حماس. منذ ذلك الحين، قُتل أكثر من 11 ألف فلسطيني بسبب القصف الإسرائيلي العشوائي على غزة، ويلقى آلاف الأطفال حتفهم تحت أنقاض المنازل والمدارس والمستشفيات المدمرة في القطاع. باسم إنسانيتنا المشتركة، كيف يمكن قبول مثل هذه الأعمال الوحشية؟

تحثنا المعاناة الإنسانية والتوترات العالمية التي نعيشها اليوم على التزام معايير الإنسانية قبل أن نصل إلى نقطة الانهيار الأخلاقي. ويتحمل الزعماء في كل مكان مسؤولية مواجهة هذه الأزمة، رغم قبحها. ولن نتمكن من تغيير المخاطر التي يتجه نحوها عالمنا إلا بالتمسك بالحقائق الملموسة التي أوصلتنا إلى هذه النقطة.

يبدأ الأمر بالاعتراف بواجبنا، ليس في فرض التدخل الإنساني ووضع حد لهذه الحرب الفظيعة فحسب، لكن أيضًا بالاعتراف بأن المسار الحالي ليس طريقًا إلى النصر لأي شخص، وبالتأكيد ليس طريقًا يسترشد بالوضوح الأخلاقي.

لا أستطيع إلا أن أصدق أن الفلسطينيين والإسرائيليين يريدون نفس الأشياء. إنهم ليسوا وحوشًا. إنهم لا يعشقون البؤس والموت. للفلسطينيين، كما للإسرائيليين، الحق في حياة كريمة وآمنة ومحترمة، في دولة مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة.

مع ذلك، أدت الإجراءات الأحادية الجانب التي اتخذتها إسرائيل على مدى عشرين عاماً تقريباً إلى تقويض عملية السلام واستهزاء باتفاقات أوسلو، التي وعدت بحل الدولتين الذي يحقق السلام والأمن لطرفي النزاع. بدلاً من ذلك، تم تقسيم الأراضي الفلسطينية، خطوة بخطوة، وخلافاً للقانون الدولي، إلى جيوب صغيرة منفصلة. وضاعفت إسرائيل عدد مستوطناتها ثلاثة اضعاف على الأراضي التي اعترفت الاتفاقات بأنها جزء من الدولة الفلسطينية. طُرد المقدسيون من منازلهم ، وتعرضت الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية للهجوم ومضايقة المصلين. الآن، تم تهجير 60 في المئة من سكان غزة المحاصرين البالغ عددهم 2.3 مليون فلسطيني.

إن العائلات الغزية التي تُقصف وتُخرج من منازلها هي ضحايا هذا العقاب الجماعي، ولا مكان لها تلجأ إليه. لم يعد هناك مستشفى ولا مدرسة ولا مبنى للأمم المتحدة آمنًا بعد الآن. ولا يخطئن أحد، فإن سكان غزة لن يتركوا منازلهم لأن منشورًا أو رسالة نصية تأمرهم بذلك. إنهم يعرفون أن المغادرة تعني فقدان الأمل والكرامة وفرصة العودة إلى أرضهم، فقد رأوا ذلك يحدث لمواطنيهم الفلسطينيين ولأسلافهم طوال العقود السبعة الماضية من هذا الصراع.

الحقيقة أن "خروج" إسرائيل من غزة قبل ثمانية عشر عاماً لم يكن مساهمة في حل الدولتين، بل كان استباقًا لأي حل من هذا القبيل. وقد أنتج الانقسام الدائم حرمانًا من الدولة الفلسطينية.

القيادة الإسرائيلية التي لا ترغب في سلوك طريق السلام على أساس حل الدولتين لن تكون قادرة على توفير الأمن الذي يحتاج إليه شعبها. ولا يستطيع الإسرائيليون أن يستمروا في حياتهم كالمعتاد، متوقعين أن الحلول الأمنية وحدها تضمن سلامتهم، بينما يعيش الفلسطينيون في البؤس والظلم. وفي غياب الأفق السياسي، الوعد بمستقبل سلمي يغيب عن الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.

هل هناك بدائل واقعية لحل الدولتين؟ صعب أن نفكر في ذلك. من شأن حل الدولة الواحدة أن يجبر هوية إسرائيل على التكيف مع الهويات الوطنية المتنافسة، ومن شأن حل اللادولة أن يحرم الفلسطينيين من حقوقهم وكرامتهم.

إذا استمر الوضع الراهن، ستكون الأيام المقبلة مدفوعة بحرب مستمرة من السرديات بشأن من يحق له أن يكره أكثر ويقتل أكثر، وستحاول الأجندات والأيديولوجيات السياسية الشريرة استغلال الدين. لن يتعمق التطرف والانتقام والاضطهاد في هذه المنطقة وحدها، بل سيمتد إلى جميع أنحاء العالم.

ما سيحدث بعد ذلك سيكون نقطة تحول للعالم كله. إن بذل جهد دولي متضافر لتطوير بنية إقليمية للسلام والأمن والازدهار، مبنية على السلام الفلسطيني - الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، يشكل أولوية.

الأمر متروك للقادة لتحقيق النتائج، ابتداءً من الآن. لن يكون هذا العمل سهلًا، لكنه ضروري. لا نصر في المذبحة التي تتكشف، ولا نصر لأحد إلا إذا حصل الفلسطينيون على حقوقهم ودولتهم. وهذا وحده سيكون نصرًا حقيقيًا للسلام، للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. وسيكون، أكثر من أي شيء آخر، انتصارًا للإنسانية جمعاء.

إقرأوا النص الأصلي لمقالة الملك الأردني عبد الله الثاني هنا