مع إغلاق معظم المستشفيات، يكافح الأطباء في غزة لرعاية الأطفال الخدج، غالبًا بدون كهرباء

إيلاف من بيروت: وضع الهجوم الإسرائيلي على غزة القطاع الصحي في القطاع المحاصر في حالة انهيار شبه كامل، بسبب القصف الإسرائيلي المكثف الذي استهدف المستشفيات والمناطق المحيطة بها، وانقطاع التيار الكهربائي، ونقص الوقود والإمدادات الطبية، والزيادة الهائلة في الإصابات.

أعلنت وزارة الصحة في غزة أن أكثر من نصف المستشفيات الثلاثين في غزة أغلقت أبوابها بشكل كامل. وبالنسبة للأخرى، لا تزال نافذة العمل ضيقة ومحفوفة بالمخاطر. دفعت الأزمة العديد من مراكز الرعاية الصحية المتبقية إلى حافة الإغلاق، ما جعلها غير قادرة على تقديم الخدمات الطبية. ويخشى العاملون في مجال الرعاية الصحية وموظفو المستشفيات من إن نظام الرعاية الصحية لن يتمكن قريبا من استيعاب مرضى جدد.

قال الدكتور صبحي سكيك، مدير مستشفى الصداقة التركية في منطقة المغراقة وسط غزة: "منذ أيام نتحدث عن نقص الوقود والكهرباء داخل المستشفى. الآن، حدث ما كنا نخشاه وحذرنا منه مراراً. نفد الوقود وانقطعت الكهرباء. المستشفى خارج الخدمة".

خدج ومرضى سرطان

ليس المصابين بسبب القتال وحدهم المتضررون من تقليص خدمات الرعاية الصحية، فهناك أيضًا المرضى الذين يعانون من أمراض خطيرة مثل السرطان وهناك النساء الحوامل والرضع. تعتمد رعاية الأطفال حديثي الولادة على معدات متخصصة تعمل بالكهرباء، وانقطاع التيار الكهربائي في غزة يعرض الأطفال الرضع، وخصوصًا الخدج، للخطر. تقول الدكتورة شيرين عابد، طبيبة حديثي الولادة في مستشفى الشفاء، والتي تخدم في مستشفى شهداء الأقصى: "انقطاع التيار الكهربائي في الحضانة يخلق العديد من المخاطر، لأن هناك أجهزة وأدوية تحتاج إلى رعاية هامة ودرجة حرارة معينة للغرفة".

لا يصدق سكيك أن جميع الاتصالات مع المرضى في غزة قد انقطعت: "منذ بداية الحرب، لم يتمكن العديد من المرضى من الوصول إلى المستشفى، لكننا لم نتوقف عن خدمتهم.الآن، لا متابعة لمرضى السرطان". المستشفى الذي يعمل فيه متخصص في علاج السرطان، وهو المؤسسة الوحيدة التي تخدم مرضى السرطان البالغين في غزة في الظروف العادية. قال: "مريض السرطان في غزة يموت ثلاث مرات، الأولى بسبب السرطان، والثانية بسبب نقص الأدوية، والثالثة بسبب استهدافه من الطائرات الحربية الإسرائيلية أثناء علاجه".

بحسب سكيك، هناك أكثر من 10 آلاف مريض بالسرطان في قطاع غزة. قبل الحرب، كان المستشفى يستقبل 550 مريضًا يوميًا، ويقدم العلاج الكيميائي لـ 150 مريضًا، ويقدم علاجات التنويم المغناطيسي لحوالي 130 مريضًا يوميًا. ومستشفى الصداقة التركي واحد من 16 مستشفى أغلقت أبوابها بسبب الحرب، والأخرى هي مستشفى بيت حانون ومستشفى الوفاء ومستشفى العيون الدولي.

حوامل ورضع

منذ بداية الحرب، تضاعفت حالات الإجهاض والولادات المبكرة ووفيات الأجنة ثلاثة أضعاف في قسم أمراض النساء والولادة بمستشفى الشفاء بغزة، بحسب الدكتور عابد أبو حصيرة، وتعيش أكثر من 50,000 حامل في غزة في خوف دائم من فقدان أطفالهن. وقال الدكتور وليد أبو حطب، طبيب النساء والتوليد في مستشفى شهداء الأقصى: "الوضع سيء للغاية. هناك حوامل لا يستطعن الوصول إلى المستشفى بسهولة بسبب القصف". وروى قصة مريضة كانت رحلتها إلى المستشفى تستغرق خمس دقائق، وصارت تستغرق ساعات، وقد تمكن من علاجها ومولودها فور وصولهما، لكن بصعوبة كبيرة. في بعض الحالات، لا يتعين على النساء القيام برحلات عبر المدن فحسب، بل يتعين عليهن أيضًا السفر لمسافات طويلة داخل قطاع غزة لأنهن نزحن من منازلهن. نسمة حجاج هي إحدى النساء اللاتي فررن من الشمال، وكانت حاملاً في شهرها السابع. قالت: "أنا من مدينة غزة. ولأنني حامل، كنت خائفة جداً من أن يستهدف القصف منزلي". سارت وعائلتها باتجاه جنوب غزة، فأتاها المخاض في الطريق. ساهمت ضغوط النزوح والحرب في ولادة طفلها قبل الأوان. وقالت حجاج: "مضى على وجود طفلي في الحضانة 10 أيام تحت المراقبة، ويعاني من مشاكل صحية عديدة".

في مستشفى شهداء الأقصى هناك 22 طفلًا رضيعًا في جناح الأطفال حديثي الولادة، بعض أسرهم لم تتمكن من الوصول إلى المستشفى. حجاج قررت البقاء في المستشفى لتكون بقرب طفلها. تابعت: "أنا قلقة عليه وأخاف من فقدانه. لا أستطيع التعبير عن شعوري تجاه هذا الوضع. هل ستتوقف المولدات والأجهزة عن العمل في المستشفى؟ ماذا سيحدث لهؤلاء الأطفال وما هو مصيرهم؟ هل هذا يعني أنهم إذا نجوا من القصف، لكنهم لن ينجوا من الحصار والحرمان؟"

حصار ومساعدات قليلة

يقع مستشفى الرنتيسي للأطفال غرب مدينة غزة، وهو مرفق الرعاية الصحية الوحيد في القطاع الذي تم إنشاؤه لتقديم الرعاية لمرضى السرطان من الأطفال. قال مديره الدكتور مصطفى الكحلوت إن هناك 70 طفلاً مسجلين كمرضى، إلى جانب أسرهم النازحة، وهناك حاجة ماسة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتسهيل علاج المرضى في الخارج، "فالتدخل السريع سيعزز بشكل كبير فرص شفاء هؤلاء الأطفال".

اعترفت السلطات الخارجية بهذه الحاجة: حصل المرضى على إحالات طبية لمغادرة القطاع إلى المستشفيات في مصر قبل اندلاع الحرب، لكن السلطات الإسرائيلية ترفض السماح بنقلهم خارج القطاع لتلقي العلاج.

ورسم الكحلوت صورة قاتمة للمرضى الأطفال الذين يعانون من النقص الحاد في خيارات العلاج. ويتفاقم خوفهم بسبب الهجمات المتكررة على محيط المستشفى، آخرها هجوم 6 نوفمبر الذي أصاب الطابق الثالث. الأضرار جسيمة، وأصيب عدد من الأشخاص، وقتل أربعة.

قال الدكتور مروان الهمص، مدير مستشفى يوسف النجار في رفح جنوب غزة، إن الأمور أصبحت سيئة لدرجة أن معظم المستشفيات المفتوحة تعاني من نقص الإمدادات الأساسية مثل خيوط الخياطة القطنية.

في الأجزاء الشمالية من قطاع غزة، الوضع أسوأ كثيرًا. تعرض المستشفى الإندونيسي الواقع في بيت لاهيا لأضرار بالغة جراء الغارات الجوية الإسرائيلية، بعدما قالت إسرائيل إن حماس قامت ببناء المنشأة لإخفاء البنية التحتية العسكرية، وردت الحكومة الإندونيسية بأنها قامت ببناء المستشفى للسكان الفلسطينيين في غزة. وفي الحالتين، أدت الأضرار ونقص الوقود إلى تقليص قدرات المستشفى.

وقال الكحلوت إن نحو 70 في المئة من خدمات المستشفى الإندونيسي توقفت بسبب تعطل المولدات نتيجة نفاد الوقود، وهو يشعر بالقلق من أن نقص الوقود سيوقف استخدام آلات غسيل الكلى، ما سيؤدي إلى وفاة العديد من المرضى. أدى هذا النقص إلى اتخاذ قرارات لا يمكن تصورها في الغرب: المفاضلة بين المرضى. تضطر المستشفيات في قطاع غزة إلى تحديد الحالات التي لديها معدلات نجاة أعلى ومنحها فرصة إجراء عملية جراحية أو توفير مكان لها في أقسام العناية المركزة. ولا يخفي الكحلوت أنه يتعين عليه هو وزملاؤه إجراء هذه المفاضلة، لكنه مستاء: "إنه من أصعب القرارات التي فرضتها علينا الحرب".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "ذا إنترسبت" الأميركي