عاود الجيش الاسرائيلي الخميس دخول مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، غداة عملية اقتحام وتفتيش لأكبر مستشفى في القطاع أثارت قلقا وانتقادات دولية بشأن مصير المرضى وآلاف المدنيين المحاصرين.

وتتهم إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة حركة حماس بإخفاء أسلحة ومنشآت عسكرية في مجمع الشفاء الطبي، وهو ما تنفيه الحركة الفلسطينية.

فنكلمان
وقال قائد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة الجنرال يارون فنكلمان "ننفذ هذه الليلة عملية محددة الهدف في مستشفى الشفاء".
وأضاف "نحن نواصل التقدم".

وبعد أيام من العمليات العسكرية والمعارك في محيطه، اقتحم الجيش الأربعاء مجمع الشفاء حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة الى وجود 2300 شخص على الأقل، بينهم مرضى وطواقم طبية ونازحون لجأوا الى أرجائه.

ودخل عشرات الجنود الإسرائيليين، بعضهم يضع أقنعة، المستشفى فجر الأربعاء بحسب ما أفاد صحافي متعاون مع وكالة فرانس برس من داخل المؤسسة.

وشاهد الصحافي المتعاون الجيش الإسرائيلي في وقت متأخر بعد ظهر الأربعاء يعيد تمركزه حول المنشأة.

تناقض
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن أنه عثر على "ذخائر وأسلحة ومعدات عسكرية" تابعة لحماس في مستشفى الشفاء.

ونشر صور أسلحة وقنابل يدوية ومعدّات أخرى قال إنّه عثر عليها في المجمّع الطبّي. ولم تتمكّن فرانس برس من التحقق بشكل مستقلّ من هذه الصور.

في المقابل، أكّدت وزارة الصحة التابعة لحكومة حماس أنّ الجيش "لم يعثر على أيّ عتاد أو سلاح" في مستشفى الشفاء، موضحة أنّها "لا تسمح بالأساس" بأسلحة في المستشفيات التابعة لها.

الموقف الأميركي
وإضافة الى الاتهامات الاسرائيلية، أكدت واشنطن أن حماس تستخدم الأجزاء السفلية من المجمع لأغراض عسكرية.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن الأربعاء إن الحركة الفلسطينية التي تسيطر على قطاع غزة منذ 2007، ارتكبت جريمة حرب من خلال إقامة "مقراتها و(بنيتها) العسكرية أسفل مستشفى".

وأكد بايدن أنه طالب الدولة العبرية بأن تكون "حذرة للغاية" في تحركاتها في مستشفى الشفاء. وأضاف "دعوني أكون دقيقاً. لقد ناقشنا ضرورة أن يكونوا حذرين للغاية".

وكان الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أكد أن واشنطن "لم تعط الضوء الأخضر للعمليات حول مستشفى الشفاء".

وقال جون كيربي "لقد كنّا دائماً واضحين للغاية مع شركائنا الإسرائيليين بشأن أهمية تقليل الخسائر في صفوف المدنيين".

وكان أكد في اليوم السابق أن حماس تستخدم المستشفيات في غزة لأغراض عسكرية، في ما عدته الحركة بمثابة "ضوء أخضر" لإسرائيل "لارتكاب الاحتلال لمزيد من المجازر الوحشية".

ماكرون
وأثار اقتحام مستشفى الشفاء إدانات دولية ودعوات عاجلة إلى حماية المدنيين.
ودان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "بأشدّ قدر من الحزم" قصف بنى تحتية مدنية.

قطر وتركيا
من جانبها، دعت قطر إلى "تحقيق دولي" في الغارات الإسرائيلية على المستشفيات، ووصفت العملية في الشفاء بـ"جريمة حرب".

وصف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إسرائيل بأنّها "دولة إرهابية".
ويأتي اقتحام مجمع الشفاء في خضم الحرب التي تخوضها إسرائيل وحماس منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، عقب هجوم غير مسبوق شنّته الحركة على أراضي الدولة العبرية.

وأدى الهجوم الى مقتل زهاء 1200 شخص في إسرائيل معظمهم من المدنيين وغالبيتهم قضوا في اليوم الأول من الهجوم، بحسب السلطات الإسرائيلية. كما تعرض حوالى 240 شخصا بينهم أجانب، للاختطاف من إسرائيل وتم نقلهم الى قطاع غزة، بحسب المصدر ذاته.

وردّاً على ذلك، توعدت إسرائيل بـ"القضاء" على حماس التي تصنّفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "إرهابية". ومذاك تقصف إسرائيل قطاع غزة بلا هوادة وتفرض عليه "حصاراً كاملاً"، وبدأت عمليات برية اعتبارا من 27 تشرين الأول/أكتوبر. وأدى القصف الى مقتل أكثر من 11500 شخص، بحسب حصيلة لوزارة الصحة التابعة لحماس.

أزمة إنسانية
وأثارت الحرب أزمة انسانية متصاعدة في القطاع، بعدما شددت إسرائيل حصارها المفروض عليه، وقطعت امدادات المياه والكهرباء والوقود والغذاء. ومنذ اندلاع المعارك، دخلت شحنات محدودة من المواد الغذائية عبر معبر رفح الحدودي مع مصر. كما سجّل الأربعاء دخول أول شاحنة تنقل وقودًا.

ورغم تسليم شحنة أولى تزيد قليلاً عن 23 ألف لتر الأربعاء، حذّرت الأمم المتحدة من أن عمليات المساعدات في غزة "على شفا الانهيار".

وخرج مجلس الأمن الدولي الأربعاء عن صمته للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، داعياً إلى "هدنات وممرات إنسانية واسعة النطاق وعاجلة لعدد كاف من الأيام" لتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة.

القرار الذي صاغته مالطا، والذي تم تبنيه بأغلبية 12 صوتًا وامتناع ثلاثة أعضاء عن التصويت (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا)، "يدعو إلى هدنات وممرات إنسانية واسعة النطاق وعاجلة لعدد كاف من الأيام" لتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة.

الفيتو الأميركي
وسبق لإسرائيل والولايات المتحدة التي تملك حق النقض (فيتو) في مجلس الأمن، أن رفضتا الدعوات المتزايدة إلى وقف إطلاق النار في غزة، بذريعة أن ذلك سيصب في صالح حماس. وأعلنت إسرائيل في المقابل أنها تقوم بفتح نوافذ موقتة يوميا للسماح للمدنيين بالنزوح من شمال القطاع حيث تتركز العمليات العسكرية، الى جنوبه.

وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانساني (أوتشا)، نزح جراء الحرب 1,65 مليون من سكان القطاع، من بين إجمالي 2,4 مليون نسمة.
ولم يتطرق قرار مجلس الأمن الى إدانة هجوم حماس الشهر الماضي.

وقالت سفيرة الولايات المتّحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد "أشعر بالفزع من حقيقة أنّ بعض أعضاء هذا المجلس لا يريدون أن يقرّروا إدانة هذه الهجمات الوحشية... ما الذي يمنعهم من إدانة أعمال منظّمة إرهابية مصمّمة على قتل اليهود بشكل لا لبس فيه؟".

بدوره، دعا الناطق باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى إدانة "لا لبس فيها" لحماس، مشيراً إلى أنّه لا مجال "لهدنة إنسانية طويلة الأمد" طالما لم يطلق سراح الرهائن.

الرهائن
ورغم الضغوط الدولية، حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو من أنه "لا يوجد مكان في غزة لن نصل إليه، لا يوجد مكان للاختباء أو ملجأ".

وأضاف خلال تفقّده قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل "سنصل إلى حماس ونقضي عليها وسنعيد الرهائن"، مؤكدا أنّهما "مهمتان رئيسيتان" في الحرب الدائرة.

وأبدى بايدن الأربعاء "تفاؤلاً معتدلاً" بإمكان توصّل إسرائيل وحماس لاتفاق بشأن إطلاق عدد من الرهان.

وقال في مؤتمر صحافي الأربعاء بعد لقاء نظيره الصيني شي جينبينغ ردّاً على سؤال عن مدى قرب التوصل إلى اتفاق بشأن إطلاق سراح الرهائن "لا أريد أن أستبق الأمور لأنّني لا أعرف ما الذي حدث في الساعات الأربع الماضية، لكن كان لدينا تعاون كبير من جانب القطريين".

ضغوط داخلية
وتتزايد الضغوط الداخلية على الحكومة الإسرائيلية خصوصا في ملف الرهائن. وبدأ أقاربهم الثلاثاء مسيرة تستمر خمسة أيام في تل أبيب للمطالبة بالتوصل إلى اتفاق بشأن إطلاق سراحهم.

ودعا زعيم المعارضة يائير لبيد نتانياهو الى الاستقالة "فورا".
وقال في تصريحات تلفزيونية ليل الأربعاء إن على "نتانياهو أن يرحل فورا... نحتاج الى التغيير. لا يمكن نتانياهو أن يبقى رئيسا للوزراء".

وتابع "لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بخوض حملة (عسكرية) طويلة بقيادة رئيس وزراء فقد ثقة شعبه".

"مراوغة"
من جهته، قال المسؤول في حماس طاهر النونو إنّ "نتانياهو يراوغ ويعطّل أيّ تقدّم ويستخدم قضية المحتجزين ذريعة لاستمرار العدوان وغير جاد بالوصول إلى اتفاق".

إلى ذلك، أعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية "بالتل" الأربعاء توقف مولدات المقاسم الرئيسية في قطاع غزة بسبب نفاد الوقود، ما سيؤدي الى توقف خدماتها تماما "خلال الساعات القليلة القادمة".

صدامات
دوليا، أوقفت الشرطة اليابانية الخميس رجلاً بعد اصطدام سيارة بحاجز قرب السفارة الإسرائيلية في طوكيو، بحسب ما أفادت وسائل إعلام محليّة.

وفي واشنطن، وقعت صدامات ليل الأربعاء بين عشرات المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين والشرطة الأميركية خارج المقر الرئيسي للحزب الديموقراطي.

وتعد الإدارة الديموقراطية الداعم الأبرز لإسرائيل في الحرب. وزار بايدن الدولة العبرية بعيد اندلاعها الشهر الماضي، ووفرت واشنطن دعما عسكريا كبيرا لحليفتها في الشرق الأوسط، كما أرسلت حاملتي طائرات وغواصة نووية الى المنطقة بهدف "ردع" أطراف معادية لإسرائيل تتقدمها إيران وحلفاؤها الإقليميون، عن التدخل في الحرب.