أخبرتني سحر موسى، شاعرةٌ فلسطينيةٌ مقيمةٌ بالسويد تشارك في إضرابٍ عن الطعام للمطالبة بوقف ما وصفتها "الانتهاكات الإنسانية" في غزة، وبأنها تجاوزت عشرين يوماً من الإضراب عن الطعام، وبإصرارٍ شديد، أكدت أنّها سوف تواصل الإضراب حتى إعلان وقف إطلاق النار في القطاع.
وسحر هي واحدةٌ من مجموعة من الصحفيين والمثقفين الفلسطينيين والعرب حول العالم والذين دخلوا في إضرابٍ عن الطعام احتجاجاً على الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي على غزة، مطالبين بوقف الحرب فوراً.
وكانت هذه المجموعة قد أصدرت - في اليوم الخامس عشر من إضرابهم عن الطعام – بياناً أوضحت فيه طبيعة وأهداف حملتها التي تقوم على أساس إجراءاتٍ احتجاجيةٍ سلمية والهدف الأساسي لتلك الإجراءات دعوة المتضامنين مع سكان غزة للانضمام إلى الإضراب.
وأجرت بي بي سي مقابلاتٍ مع اثنتين من المشاركات في الحملة هما الشاعرة التي تقيم في السويد سحر موسى، والمهندسة المقيمة في المملكة المتحدة هالا الناجي.
وروت لي سحر عن تجربتها في الاحتجاج السلمي – الذي يشارك فيه صحفيون وكتاب وشعراء من أنحاء متفرقة حول العالم – قائلة "منذ بداية الحرب على غزة، المدينة التي قدمت منها وتعيش فيها عائلتي ونحن نرقب الأهوال التي تحل بأهلنا ونسعى بكل الطرق لإعلان احتجاجنا على الجرائم التي ترتكب بحق شعبنا، والتجاوزات الإنسانية التي أحالت الوضع إلى جحيم لكل من يعيش في غزة تحت القصف والتهجير والتجويع، ومع تفاقم حدة العنف وسوء الظروف وفي ظل غياب موقفٍ سياسيٍ دولي يسعى بشكل قاطعٍ لوقف النار لم أعد أشعر بأن صوتنا واعتراضنا كافيان للتأثير".
وأضافت "لذلك حين رأيت دعواتٍ للإضراب عن الطعام حتى وقف إطلاق النار في غزة قررت أن أبدأ فيه على الفور لعل ذلك يدعم صوتي في مكان إقامتي في السويد ويجعله يصل بشكلٍ أفضل. وبدأت إضرابي المفتوح عن الطعام يوم ٢٤ أكتوبر/ تشرين الأول ومن خلاله كنتُ أعلن احتجاجي على ما يحدث وأحاول أن أنقل بهِ صوت الناس في غزة".
"للجسد حضورٌ قوي"
تحدثنا أيضاً إلى هالا الناجي، مهندسةٌ وباحثةُ دكتوراة في جامعة ويستمنستر، والتي ألقت الضوء على أهمية الإضراب عن الطعام كإحدى الممارسات الاحتجاجية الرامية إلى توصيل رسالةٍ إلى العالم تتضمن "رفض الانتهاكات الإنسانية في غزة" وحشد الدعم الشعبي والإعلامي والسياسي من أجل وقف العنف والتأثير على صناع القرار على أن يُضرب كل مشارك عن الطعام في مكان إقامته.
وقالت هالا لبي بي سي "دخلنا إضرابا عن الطعام بشكل رسمي عند منتصف الليل يوم 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وبلغ عدد المشاركين في الإضراب العشرات من الفلسطينيين والعرب والمقيمين في مدنٍ عربية وأوروبية، ونتوقع أن ينضم إلينا عدد أكبر من النشطاء مع مرور الوقت، وسنواصل إضرابنا حتى تتحقق أهدافنا".
وأضافت "إنّ أضعف الإيمان هنا هو استثمار هشاشة هذا الجسد وضعفه لانتزاع قوته، ما قيمة الجسد إذا كانت الروح تعيش البؤس والظلم وعاجزة عن الخلاص منه؟"
وأشار البيان، الذي نُشر على صفحة "جوع من أجل فلسطين strike for Palestine "، إلى أنّ "معنى الإضراب هنا هو الامتناع عن تناول الطعام وتجويع النفس كشكلٍ من أشكال الاحتجاج السلمي والضغط من أجل إحداث أثر، لكنّ هذا الإجراء لا يتضمن الامتناع عن تناول السوائل".
وأضاف البيان "يأتي هذا الإجراء كتعبيرٍ عن الإحساس بالظلم واستثمارٍ لهشاشتنا كقوةٍ للمقاومة والاحتجاج السلمي ضد الانتهاكات الإنسانية التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة".
وأشارت هالا: "الحرب الدائرة تستهدف الجسد بشكلٍ واضح ومباشر، وبالرغم من أن الغاية العدوانية لا تقتصر عليه وحسب - فهناك أهداف سياسية أشمل- لكنه هو الجزء المرئي والصريح والأقوى على التعبير في لحظته. ويمكن ملاحظة الطريقة الضارية المروّعة والموحشة التي استخدمها 'جيش الاحتلال الإسرائيلي' في استهداف الجسد الفلسطيني وتجويعه".
وبدأت سحر التواصل مع المؤسسات الحقوقية العاملة في دولة السويد ودولٍ أوروبية أخرى للإعلان عن إضرابها وأسبابه، "آملةً بأنّ ذلك من الممكن على أقل تقدير أن يفتح مجالاً للحديث عن ما يحدث، أهدافنا من الإضراب هو الضغط باتجاه وقف إطلاق النار في غزة وإنهاء الوضع اللاإنسانيّ المفروض على سكان القطاع، ونقل الصورة للعالم بشكلها الحقيقي".
ويرى منظمو الإضراب أنّ تحركهم الاحتجاجي "وسيلة لتوجيه خطابنا للمجتمع الدولي والتفاوض معه بشأن تلبية مطالبنا الإنسانية بوقف الحرب والظلم، والصمت، والإقصاء، والإهمال".
وقالت هالا: "أعتقد أنّ أي مآل ونتائج للإضراب عن الطعام، بما فيها الموت، تبدو هينة أمام شعور العجز القاتل الذي نشعر به تجاه ما يعانيه أهلنا في غزة. نحن نموت بكلتا الحالتين".
ودعا البيان جميع المتضامنين مع سكان غزة و "الأحرار" حول العالم إلى الانضمام إلى الحملة احتجاجاً على الانتهاكات الإنسانية من خلال المطالبة السلمية بوقف الحرب وتحقيق العدالة الإنسانية للفلسطينيين في قطاع غزة.
احتجاجاتٌ أخرى
وخرجت في الفترة الأخيرة مظاهراتٌ ومسيراتٌ في عدة دول عربية تأييداً للفلسطينيين وللتنديد بالضربات الإسرائيلية على قطاع غزة والمطالبة بوقف الحرب، وهي الممارسات الاحتجاجية التي شهدتها الأردن والعراق ومصر وسوريا.
كما خرجت احتجاجات في دول الغرب أيضا، أبرزها المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وأستراليا، وتظاهر أيضاً عمال نقابات ونشطاء حول العالم، أمام مقرات شركات تصنيع الأسلحة ومصانعها بسبب دور هذه الشركات في ما يجري في غزة.
وتظاهر يهود يساريون في الولايات المتحدة للمطالبة بوقف الحرب على القطاع، حيث ألقت السلطات الأمريكية القبض على حوالي 300 متظاهر في محيط مبنى الكابيتول في واشنطن.
ويستمر الهجوم الإسرائيلي على غزة في صورة غاراتٍ جويةٍ واجتياحٍ بريّ وغير ذلك من أنماط الهجوم العسكري منذ أن بدأت إسرائيل التصعيد بعد أن أطلقت حماس عمليتها "طوفان الأقصى" التي أودت بحياة 1200 إسرائيلياً بينما تحتجز الحركة 239 آخرين، وفقا للأرقام الرسمية الإسرائيلية.
وفي المقابل، أدى الهجوم الإسرائيلي المكثف بكل أشكاله على قطاع غزة إلى مقتل أكثر من 11 ألف فلسطيني، وفقاً لوزارة الصحة التابعة لحماس في غزة.
التعليقات