كانت بريطانيا من داعمي إسرائيل منذ بدأت الحرب في 7 أكتوبر بهجوم شنته حماس على جنوب إسرائيل، ويبدو أن ديفيد كاميرون العائد إلأى وزارة الخارجية لن ينحرف عن ذلك

إيلاف من دبي: عاد رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون بشكل مفاجئ إلى الساحة السياسية بعد تعيينه وزيرا للخارجية خلال تعديل وزاري الاثنين الماضي، إذ عينه رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك كاميرون بعد خلاف حظي بتغطية إعلامية كبيرة بين داونينغ ستريت وسويلا برافرمان، وزيرة الداخلية السابقة التي أقيلت بعد انتقادها قمع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين. شهدت هذه الخطوة تولي وزير الخارجية السابق جيمس كليفرلي منصب برافرمان القديم، وإعادة سوناك كاميرون ليصبح كبير الدبلوماسيين في المملكة المتحدة.

يُعتقد أن كاميرون ظل عالقا في غموض سياسي دائم بعد التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016، والذي أشرف عليه وخسره، فاستقال من منصبه رئيسًا للوزراء فور إعلان نتيجة الاستفتاء. وسيتولى زعيم المحافظين السابق، الذي سيتم تعيينه في مجلس اللوردات - المجلس الأعلى غير المنتخب في البرلمان البريطاني - للعمل وزيرا للخارجية، هذا المنصب وسط واحدة من أسوأ الأزمات الدبلوماسية في الذاكرة الحديثة، بعدما أدى القصف الإسرائيلي المستمر لغزة إلى كارثة إنسانية تهدد سكان المنطقة المحاصرة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، وتهدد أيضاً بالامتداد إلى حرب إقليمية أوسع نطاقاً.

كانت بريطانيا من داعمي إسرائيل منذ بدأت الحرب في 7 أكتوبر بهجوم شنته حماس على جنوب إسرائيل، أسفر عن مقتل حوالي 1200 إسرائيلي، وفقا لأحدث التقديرات. رداً على ذلك، قتلت إسرائيل أكثر من 11 ألف فلسطيني في غزة، غالبيتهم العظمى من المدنيين، بينهم نساء وأطفال.

لن ينحرف

من غير المرجح أن ينحرف كاميرون كثيراً عن السابقة التي أرساها سلفه كليفرلي. ففي داخل المؤسسة السياسية البريطانية في الوقت الحاضر، هناك إجماع قوي بين الأحزاب على دعم إسرائيل من دون قيد أو شرط. ولم يدعو المحافظون بزعامة سوناك ولا حزب العمال المعارض إلى وقف إطلاق النار. لذلك فمن غير المرجح أن تكون لتعليقات كاميرون السابقة بشأن فلسطين وإسرائيل أهمية كبيرة بالنسبة للوضع الحالي.

لم يكد كاميرون يصل إلى السلطة في مايو 2010 حتى وجد نفسه في خضم أزمة السياسة الخارجية التي تشمل إسرائيل. في 31 مايو من ذلك العام، هاجمت إسرائيل أسطولاً من القوارب التي كانت تحاول كسر حصارها لغزة وتقديم إمدادات المساعدات، حيث قتلت القوات الإسرائيلية 10 مواطنين أتراك على متن السفينة الرئيسية "مافي مرمرة". أكد كاميرون حينها "التزام المملكة المتحدة القوي أمن إسرائيل" لكنه حث تل أبيب على الرد بشكل بناء على الانتقادات "المشروعة" لأفعالها، واصفا الوضع بأنه "غير مقبول". وبينما ألقى باللوم على حماس في الحصار، ضاعف انتقاداته لإسرائيل في يوليو من ذلك العام خلال زيارة إلى تركيا، حيث قال إن تصرفات إسرائيل "غير مقبولة على الإطلاق" وقارن الظروف في غزة بمعسكر اعتقال.

في الأشهر والسنوات التي تلت ذلك، قلت انتقادات كاميرون لإسرائيل، حتى انه تراجع عن بعض تعليقاته السابقة. بحلول ديسمبر من عامه الأول في منصبه، كان كاميرون يقول لمؤيدي إسرائيل إن العلاقات بين لندن وتل أبيب "غير قابلة للكسر"، وأن لإسرائيل "الحق في الدفاع عن نفسها"، وأنه يعارض حملة المقاطعة الناشئة آنذاك ضدها. بحلول مارس 2011، كان يخبر مجموعات الجالية اليهودية في المملكة المتحدة أن لإسرائيل الحق في تفتيش سفينة مافي مرمرة. وجاء أحد أكبر الاختبارات لدعم كاميرون لإسرائيل في صيف عام 2014، عندما شنت إسرائيل حملة قصف واسعة النطاق وغزوًا بريًا محدودًا على غزة. حينها، أعرب كاميرون عن "قلقه البالغ" إزاء الخسائر في صفوف المدنيين التي تسببها إسرائيل أثناء دفاعه عن "حقها في الدفاع عن النفس"، ثم اتخذ في ما بعد موقفاً أكثر صرامة بسبب ضغوط من حزب العمال المعارض. وبعد عدد من الغارات الجوية الإسرائيلية على مباني الأمم المتحدة، قال كاميرون إن الهجمات الإسرائيلية على المدنيين "خاطئة وغير قانونية". ووعدت الحكومة البريطانية في ذلك الوقت أيضًا بمنع صادرات أسلحة معينة إلى إسرائيل إذا اعتبرت أنه من المحتمل أن تلعب دورًا في القصف.

تأييد مطلق

كان لزعيم حزب العمال السابق إد ميليباند تأثير كبير في تخفيف دعم الحكومة البريطانية لإسرائيل، والذي جعل من رد كاميرون على حرب غزة خط هجومه الرئيسي لأسابيع. في الانتخابات العامة لعام 2015، تغلب كاميرون على ميليباند بشكل مريح، لكنه رحل بعد أكثر قليلًا من عام بسبب التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. منذ ذلك الحين، قضى وقته في العمل من أجل المصالح التجارية الصينية في المملكة المتحدة، وكانت تعليقاته حول السياسة الدولية، بما في ذلك القضية الإسرائيلية - الفلسطينية، نادرة. وكان آخر تعليق له على الصراع المستمر هو بيان دعم إسرائيل في أعقاب هجوم 7 أكتوبر. وكتب كاميرون على موقع "أكس" (تويتر سابقًا): "أقف في تضامن كامل مع إسرائيل في هذا الوقت الأكثر تحديًا وأدعم بشكل كامل رئيس الوزراء وحكومة المملكة المتحدة في دعمهما الثابت لتل أبيب".

لم يتضمن البيان أي معنى يذكر بأنه كان يخطط للعودة إلى السياسة، ناهيك عن توليه منصب وزير الخارجية. لكن بعد عودته، ربما تكون وجهات نظر كاميرون السابقة أقل أهمية من الحالة الراهنة للمناخ السياسي البريطاني في ما يتصل بإسرائيل.

يعمل حزب العمال المعارض على خنق المشاعر المعادية لإسرائيل داخل صفوفه، ما يعني أن أي موقف حكومي مؤيد لإسرائيل سيقابل بدعم كامل من مقاعد المعارضة. وفي غياب الأصوات الناقدة اللازمة لمحاسبة الحكومة، من غير المرجح أن يؤدي تعيين كاميرون إلى تغيير دعم بريطانيا المطلق للهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة.


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "ميدل إيست آي"