صحف أمريكية وإسرائيلية وغربية توجه انتقادات لممارسات حكومة نتنياهو في غزة.
نبدأ من واشنطن بوست الأمريكية، حيث دعا كريس فان هولين، عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الديمقراطي لولاية ميريلاند، في مقال كتبه للصحيفة إلى عدم الانسياق وراء العواطف في التعامل مع مجريات الحرب على غزة، محذراً من تكرار هذا الخطأ عندما انساق الأمريكيون وراء الحزن والمعاناة والغضب بعد أحداث الحادي والعشرين من سبتمبر/ أيلول 2001، وتحكم تلك المشاعر في الخطوات التي اتخذت على الأرض والتي انطوت على "تجاوزات استراتيجية".
وحث السياسي الأمريكي الولايات المتحدة على مساعدة إسرائيل على تحقيق الهدف من الحرب الدائرة في المنطقة، والذي يتمثل في "تأمين عودة الرهائن إلى إسرائيل والقضاء على الخطر العسكري الذي تشكله حماس" في المنطقة، لكنه شدد على ضرورة أن يتم ذلك بما يتفق مع المصالح والقيم الأمريكية والقانون الأمريكي والقانون الإنساني الدولي.
وأكد على أنه حتى يتم التأكد من كل ما سبق، ينبغي ألا تدعم الولايات المتحدة استئناف الهجمات الإسرائيلية على غزة. وقال فان هولين: "طلب الرئيس من الكونغرس مخصصات مالية لصالح الأمن الوطني، بما في ذلك مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وبعض الحلفاء في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادي. وتزامنا مع نظر مجلس الشيوخ في طلب الرئيس، أعكف أنا ومجموعة من الزملاء على دراسة تعديل ينص على أن أسلحة تحصل عليها أي دولة بموجب مشروع القانون هذا لا بد أن يستخدم بما يتفق مع القانون الأمريكي والقانون الإنساني الدولي قانون الصراعات المسلحة".
وأضاف أن رئيس الولايات المتحدة – في ضوء التعديل المقترح لمشروع قانون مخصصات الأمن الوطني الأمريكي – "مطالب بتحديد ما إذا كانت الدول التي تحصل على معدات عسكرية من أموال دافعي الضرائب الأمريكية قد اجتازت هذا الاختبار، وأن السلاح الأمريكي الذي تحصل عليه يتفق مع توجهات الرئاسة الأمريكية فيما يتعلق بإمدادات الأسلحة، وسياسات وزارة الدفاع الأمريكية فيما يتعلق بتقليل الأضرار المحتملة التي قد تلحق بالمدنيين جراء استخدام تلك الأسلحة، مع انصياع تلك الدول للقانون الأمريكي الحالي الذي يحظر تقديم مساعدات أمنية لأي دولة تمنع وصول أو تضع قيودا على وصول المساعدات الإنسانية الأمريكية لمن يحتاجها".
كما طالب عضو مجلس الشيوخ الأمريكي الرئيس بايدن بإخضاع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لقدر أكبر من المسائلة ودفعه في اتجاه تقديم خطة واضحة الملامح "للتقليل من المستويات غير المقبولة لأعداد الضحايا من المدنيين والتعاون الكامل مع الجهود الأمريكية لتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة".
وأشار إلى أنه على مدار "الأسابيع الثمانية الماضية من هذه الحرب، شاهدنا معدلات هائلة للقتل والدمار وتشريد المدنيين، فقد قتل أكثر من 16000 فلسطينيا في غزة، أكثر من ثلثيهم من النساء والأطفال – وهو ما يقدر بعشرة أضعاف الأطفال الذين قتلوا في أوكرانيا في حوالي عامين – كما أصبح حوالي 1.8 مليون شخصا في غزة – حوالي 80 في المئة من سكان القطاع – بلا مأوى".
"حرب حضارات"
ننتقل إلى صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية التي نشرت مقالا تناول الصراع بين الثقافات الذي أثاره هجوم حماس المباغت على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي الذي أودى بحياة المئات من الإسرائيليين وإصابة المئات أيضا، والذي جاء الرد الإسرائيلي عليه في شكل قصف متواصل بكافة أنواع الأسلحة لغزة خلف ما يقرب من 17000 قتيلا، بينهم آلاف النساء والأطفال.
وحمل هذا المقال أيضا حكومة نتنياهو مسؤولية ما آلت إليه الأمور على مستوى الثقافات حول العالم والحرب التي تواجها إسرائيل على هذا الصعيد.
واستعار كاتب المقال مايكل ميلستين مصطلحا ابتكره رئيس الوزراء البريطاني السابق وينستون تشرشيل لوصف الأوضاع التي سادت العالم عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وما كان يعانيه العالم من انقسام فكري وسياسي وأيديولوجي، وهو "الستار الحديدي". وقال ميلستين: "كشفت حرب غزة عن وجود ستار حديدي جديد، لكنه هذه المرة لا يفرق بين معسكرات مكونة من دول، إنما يفصل بين ثقافات مختلفة".
وحمل المقال مسؤولية الصعوبة التي تواجهها إسرائيل في استدرار التعاطف الدولي بعد "جرائم الحرب التي ارتكبت في حق مدنيين إسرائيليين في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي "لحكومة نتنياهو – ممثلة في المسؤولين عن الدبلوماسية الجماهيرية الإسرائيلية – التي من شأنها أن تخاطب الثقافات المختلفة حول العالم – التي وصفها بأنها تعاني من خلل تمتد جذوره لعقود من الزمن". كما شدد على أن هناك حاجة ملحة إلى استحداث آلية للتعامل مع "ثقافة مضادة تستند إلى أساس السخرية والفكر أحادي البعد في تعريف مصطلح ’الحقيقة‘".
وأشار الكاتب إلى أن المعسكر الأول يتضمن أغلبية العالم العربي والإسلامي، وروسيا والصين، وبعض الدول في أفريقيا وآسيا والجاليات الإسلامية في دول الغرب – التي تشكل طليعة الحملة المناهضة لإسرائيل على مستوى العالم – واصفا هذا المعسكر بأنه يتكون من دول ومجتمعات "دكتاتورية أو سلطوية شعوبها عبارة عن مجموعات ضعيفة من السكان تستسلم، وفي بعض الأحيان – تدعم المغامرات الأيدولوجية لأنظمتها الحاكمة".
وانتقد ميلستين "قادة هذا المعسكر الذين أصدروا تصريحات منافية للمنطق إلى حدٍ كبيرٍ منذ اندلاع الحرب في غزة، مثل إدانة روسيا لجرائم الحرب والقلق الذي أبداه رئيسا إيران وسوريا" حيال الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين.
وانتقد الكاتب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بأنه تبنى موقف ينطوي على دعم للعنف في "سياق ملتوي" إضافة إلى توجيهه الاتهام لمنظمة الأمم المتحدة والوكالات والأجهزة التابعة لها بأن مواقفها تظهر "انحطاطا أخلاقيا".
وذكر أيضا أن الحرب على غزة أفرزت عددا قليلا من المثقفين ورجال الدولة الذين أدانوا "مذبحة السابع من أكتوبر دون أن يستغلوا الحقائق التي كشفتها كأسباب لتفسير ما حدث". وأشار إلى أن الإمارات والبحرين كانت من بين الدول التي أصدرت إدانات مشابهة لما أصدرته دول الغرب.
وشدد على أن الغرب لا بد أن يعلم أن إسرائيل على الجبهة وحدها في حرب حضارات عابرة للحدود تشكل خطرا على الهويات على مستوى العالم، محذرا من أنشطة الجاليات الإسلامية في الغرب وما تثيره من جدل وما تفتحه من حوارات أدت في نهاية الأمر إلى التأثير على الأجيال الجديدة التي بدأت تدعم "المنظمة الإرهابية" - في إشارة إلى حركة حماس - لمجرد أن يقفوا في "الجانب الصحيح من التاريخ".
اختبار القدرات الأمريكية
كتب رضوان السيد مقالا لصحيفة الشرق الأوسط السعودية رجح فيه أن الحرب على غزة تُعد اختباراً لقدرة الولايات المتحدة على التأثير على إسرائيل وما يتوافر لديها من قدرات يمكن استغلالها في الدفع بإسرائيل في اتجاه البدء في العمل على حل الدولتين الذي تتشدق به واشنطن وغيرها من قوى العرب والدول المعنية بالأزمة في الشرق الأوسط.
وأكد الكاتب على أنه لا يمكن المضي قدما في حل الدولتين، الذي يحتاج إلى وقت طويل وجهود كبيرة وجلسات ممتدة من المفاوضات حتى يتحقق، ولكي يتحقق ،لا بد من وقف الهجوم الإسرائيلي على غزة، وتوصيل المساعدات للمدنيين في القطاع.
ويرى رضوان أن هناك شبه إجماع لدى المراقبين وبعض الدول العربية على أن البيت الأبيض لا يريد وقف الحرب فورا حتى يمنح إسرائيل المزيد من الوقت لقتل قادة حماس وتحرير الرهائن، وهي الأهداف التي رأى أن إسرائيل تصبو إلى تحقيقها من هجومها الحالي على خان يونس.
وقال كاتب المقال: "المشكلة أن أحداً لا يصدق بإمكان تحقيق الهدفين، كما أن الرأي العام العالمي والأمريكي على الخصوص لا يتحمل العنف الإسرائيلي في القطاع ومنع المساعدات لأسابيع مقبلة، فضلاً على أن حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة والعالم محرجون جداً، كما بدا في اجتماع مجلس التعاون الخليجي بالدوحة يوم الثلاثاء في 5/ 11/ 2023، والتصريحات القطرية العالية الوتيرة على أثر الاجتماع".
وأضاف: "العالم يريد من الولايات المتحدة الأمرين: وقف الحرب، وحلّ الدولتين. ولا شك أن مسار حل الدولتين أصعب لأنه يتطلب مفاوضات طويلة، ويتطلب قرارات إسرائيلية استراتيجية لا تستطيعها أو لا تقبلها حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل. وهكذا يصبح (وقف الحرب) اختباراً لقدرات الولايات المتحدة في التأثير، وإن حصل الوقف بقرارٍ من حكومة الحرب في إسرائيل؛ فإنّ ذلك يكون دليلاً على قدرات الولايات المتحدة الاستراتيجية تجاه إسرائيل التي دعمتها بكل سبيلٍ خلال الشهرين الماضيين، بالعتاد، والأموال، والحماية السياسية".
واستشهد رضوان أيضا بما كتبه توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، مقترحا على قيادة الحرب في إسرائيل وقف القتال ومطالبة حماس بإطلاق سراح الرهائن دون عمليات تبادل رهائن وسجناء، "فإذا رفضت حماس، فسوف يكون العالم كله ضدها، وإن رفضت إسرائيل وقف الحرب، فسوف يتأكد العالم أنها عاجزة عن تحقيق الهدفين الذين حددتهما لنفسها".
ووجه الكاتب الاتهام للحكومة الإسرائيلية – حكومة اليمين المتشدد – بأنها قد تكون السبب وراء عدم البدء في السعي نحو أي من الحلول للأزمة على مدار تاريخها، بدء من محاولات "إحياء كيسنجر الذي توفي منذ عدة أيام عن مئة عام الذي ربما لو كان حيا لما أوقف الحرب – لكنه كان ليعد خطة تفصيلية للتفاوض بعد توقفها".
وأشار أيضا إلى أن حكومة نتنياهو وتوجهاتها المتشددة قد تكون وراء إفشال محاولات "إحياء أوسلو" التي تقوم بها قطر، أو إحباط مقترح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي تضمن دعوة المجتمع الدولي إلى دعم وجود دولة فلسطينية، ثم الاتجاه إلى حل باقي المشكلات في وقت لاحق.
وأرجع رضوان عدم تقدم المجتمع الدولي نحو أي من هذه الحلول إلى ما وصفه بـ "صعود اليمين الإسرائيلي الذي لم يتوقف حتى اليوم"، و"ارتفاع أسهم الراديكاليين الإسرائيليين".
التعليقات