يقول خبير أميركي في العلاقات الدولية إن التاريخ أكد أن ما يسمى "القوى الثالثة" هي وهم، وأن السلام الحقيقي لا يعقد إلا مع العدو

إيلاف من بيروت: في الأيام القليلة الماضية، أكد تقارير أن الولايات المتحدة تنوي إعادة تنشيط السلطة الفلسطينية كي تتولى أمر غزة بعد انتهاء الحرب الحالية. يقول ديفيد سيلفان، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنموية في جنيف، إن هذه السياسة تشكل جزءاً من مجموعة الأدوات الدبلوماسية القياسية للقوى العظمى، والتي تهدف إلى تمكين قوة ثالثة مفترضة كوسيلة للخروج من المأزق السياسي والعسكري. يضيف: "من المؤسف، التاريخ يُظهِر أن سياسات القوة الثالثة هي في أغلب الأحيان مجرد أوهام وليست حلولاً، وأن الاختيار الأمثل يتلخص في عقد صفقة مع العدو، أو قبول استمرار الحرب إلى أجل غير مسمى".

أخطاء مكررة
بحسب سليفان، في مقالة له نشرها موقع "ريسبونسيبل ستايتكرافت"، حدثت إحدى سياسات القوة الثالثة الأولى قبل ما يزيد قليلاً عن قرن من الزمان، عندما بحثت المملكة المتحدة، التي كانت تقاتل تمرداً في أيرلندا، عن تجمع سياسي وسيط بين نظام الحكم المباشر الذي فقد صدقيته، وحزب الشين فين. يقول: "لعدة سنوات، اتبع لويد جورج إرادة غلادستون، حيث أنشأ ودعم برلمان أيرلندا الجنوبية؛ لكن في النهاية، اضطر للتخلي عن هذه الفكرة ودعوة إيمون دي فاليرا من الشين فين بنفسه إلى لندن للتفاوض بشأن ما يعرف الآن باسم الدولة الحرة".

يضيف سليفان: "ننتقل سريعًا إلى الجزائر، عندما دعا الرئيس الفرنسي شارل ديغول، بعد أن عاد إلى السلطة بسبب التهديد بثورة عسكرية، متمردي جبهة التحرير الوطني إلى الاستسلام بشرف، ثم عاد إلى نسخته من القوة الثالثة: جزائر يحكمها جزائريون في اتحاد وثيق مع فرنسا. وبعد مرور عام ونصف، تم تجاهل هذا البديل لصالح مفاوضات مع جبهة التحرير الوطني".

بوسع المرء أن يروي قصة مماثلة للقوى العظمى التي تحارب حالات التمرد: الروس في أفغانستان، الهولنديون في إندونيسيا، والحكومة القومية في جنوب أفريقيا، "لكن النقطة المهمة هي أنه عندما تلاحق الولايات المتحدة قوة ثالثة، كما فعلت في كوبا في عام 1958 (لا باتيستا ولا كاسترو) وفي إيران في عام 1978 (لا الشاه ولا الخميني)، فإنها تتبع مساراً يؤدي إلى طريق مسدود، لسبب بسيط للغاية: القتال الطويل المد الذي يدفع صناع السياسة إلى البحث عن قوة ثالثة يجعل من المستحيل أيضًا على أي قوة مماثلة أن تتمتع بالمزيد من القوة"، كما يقول سليفان.

مواصلة القتال
قد يقرر صناع القرار السياسي مواصلة القتال بدلاً من التوصل إلى ترتيب سياسي مع أعدائهم. وفي هذا الصدد، "التلويح براية القوة الثالثة قد لا يكون علامة على السذاجة بقدر ما يكون وسيلة لمحاولة صرف انتباه الجمهور عن قرار مواصلة القتال"، وخير مثال على ذلك السياسة الأميركية والإسرائيلية تجاه منظمة التحرير الفلسطينية بعد طردها من لبنان في عام 1982. يتابع سليفان: "كان ممكنًا أن يتصور المرء أنه بعد رحيل ياسر عرفات ورفاقه إلى تونس، فإن القوة الثالثة، وهي في تلك الحالة الأردن في عهد الملك حسين، كانت ستصبح في قلب المحاولات الرامية إلى إيجاد سياسة فلسطينية. لكن تلك المحاولات انتهت، كما كان متوقعا، إلى طريق مسدود. ولجأ الإسرائيليون إلى منظمة التحرير الفلسطينية للتفاوض".

فشلت اتفاقيات أوسلو، لكن المشكلة هي أن الولايات المتحدة وإسرائيل أحرزتا تقدمًا لأنهما تخلصتا من وهم القوة الثالثة، وأزالتا لعنة منظمة التحرير الفلسطينية.

وفقًا لسليفان، النقطة بسيطة: السلام يتم بين الأعداء، وليس بين الأصدقاء، البديل الوحيد اليوم هو مواصلة القتال لجعل غزة خالية من حماس، تديرها السلطة الفلسطينية بعد تنشيطها. يمكن للإسرائيليين القتال لأسابيع، أو أشهر، أو حتى سنوات أكثر، مع استمرار الولايات المتحدة في توفير الغطاء لهم؛ يمكنهم قتل أو أسر أو نفي كل عضو في حماس، "لكن ذلك لن يجعل السلطة الفلسطينية أقوى أو أكثر قدرة على إدارة غزة. حان الوقت ليواجه الجميع الحقائق ويسقطوا القوة الثالثة".

المصدر: موقع "ريسبونسيبل ستايتكرافت"