القدس: تزايدت المخاوف من احتمال توسّع رقعة الحرب الجارية منذ ثلاثة أشهر بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة بعدما اغتيل القيادي البارز في الحركة الفلسطينية صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت في هجوم اتهمت حماس والسلطات اللبنانية إسرائيل بتنفيذه.

وفي جنوب إيران أودى انفجاران "إرهابيان" الأربعاء بأكثر من 100 شخص، ما زاد من أجواء التصعيد والتوتر في المنطقة.

وتواصلت العمليات العسكرية الأربعاء في قطاع غزة حيث لا تزال حماس تمتلك "قدرات كبيرة"، وفق البيت الأبيض. وسجّلت معارك بين الجيش الإسرائيلي ومقاتلي حماس، كما تعرضت مناطق عدة في القطاع المحاصر لقصف إسرائيلي عنيف.

وفي الضفة الغربية المحتلة، سجل يوم حداد على القيادي في حماس الذي قتل مساء الثلاثاء مع ستة أشخاص آخرين أثناء عقدهم اجتماعا في مكتب لحماس في منطقة المشرّفية في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله. ويتحدّر العاروري من قرية عارورة في الضفة الغربية.

وجدّد الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله في كلمة ألقاها مساء الأربعاء في ذكرى مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني، التأكيد أن "الجريمة الخطيرة" المتمثلة بقتل العاروري ورفاقه لن "تبقى دون ردّ أو عقاب"، مخاطباً الإسرائيليين بالقول "بيننا الميدان والأيام والليالي".

وكان العاروري (57 عاما) يشغل منصب نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وهو أحد مؤسسي جناحها العسكري (كتائب عز الدين القسام) في الضفة الغربية.

والأربعاء، أعلن مسؤول أميركي أنّ إسرائيل هي التي نفّذت الغارة التي أدّت إلى اغتيال العاروري.

وقال المسؤول لوكالة فرانس برس طالباً عدم ذكر اسمه إنّ "الهجوم كان هجوماً إسرائيلياً".

بدوره، قال مصدر أمني لبناني بارز الأربعاء لوكالة فرانس برس إن الهجوم تمّ ب"صواريخ موجّهة" أطلقتها طائرة حربية إسرائيلية. وكانت المصادر الأمنية تحدّثت أولاً عن طائرة مسيّرة.

واستند المصدر الأمني الى عاملين، الأول "دقة الإصابة لأنّه لا يمكن لمسيّرة أن تصيب بهذه الدقة، والثاني زنة الصواريخ والمقدّرة بنحو مئة كيلوغرام لكلّ منها".

وفي ظلّ الحرب المستمرة منذ ثلاثة أشهر تقريباً في قطاع غزة، يتبادل حزب الله القصف يومياً تقريبا مع إسرائيل عبر الحدود اللبنانية.

وأسفر ذلك عن مقتل 171 شخصاً على الأقلّ في الجانب اللبناني، بينهم 125 عنصراً من الحزب. وقتل 13 شخصاً على الأقلّ في الجانب الإسرائيلي، وفق الجيش الإسرائيلي.

ونعى حزب الله خمسة من مقاتليه الأربعاء، وتبنّى استهداف عشرة مواقع وتجمعات للجنود الإسرائيليين قرب الحدود.

وكان الجيش الإسرائيلي أعلن في بيان أنّ طائراته "قصفت عدداً من الأهداف الإرهابية لحزب الله في لبنان، بما في ذلك بنية تحتية إرهابية ومبنى عسكري".

كما أفاد ب"إطلاق نيران من لبنان استهدفت الأراضي الإسرائيلية خلال الساعات الماضية"، مشيرا إلى أنه ردّ بالمثل.

"تصفية حسابات"
ودان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان اغتيال العاروري في "عملية إرهابية جبانة" تثبت "أنّ الكيان الصهيوني وبعد أسابيع من جرائم الحرب والإبادة الجماعية والدمار في غزة والضفة الغربية الفلسطينية، لم يحقق أيًا من أهدافه رغم الدعم المباشر من البيت الأبيض".

وقال مسؤولون إسرائيليون مرارا إنهم سيستهدفون قادة حماس، وسبق أن أعلنوا استهداف وقتل عدد من قياديي الحركة داخل قطاع غزة. وأقرت حركة حماس بمقتل عدد من قادتها العسكريين.

وتعهّد رئيس الموساد الإسرائيلي الأربعاء أن يصل جهاز الاستخبارات إلى جميع قادة حماس.

وقال ديفيد برنيع إن جهاز الاستخبارات "ملتزم تصفية الحسابات مع القتلة الذين وصلوا إلى غلاف غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر" ومع قيادة حماس.

وتوعدت إسرائيل بـ"القضاء" على حماس بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنته الحركة على جنوب الدولة العبرية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

وأودى الهجوم بنحو 1140 شخصا في إسرائيل معظمهم مدنيّون، وفق حصيلة لفرانس برس تستند الى بيانات رسميّة. كما أخذ نحو 250 شخصا رهائن، لا يزال 129 منهم محتجزين في قطاع غزة، بحسب أرقام الجيش الإسرائيلي.

وترد إسرائيل بقصف عنيف يترافق منذ 27 تشرين الأول/أكتوبر مع هجوم بري، ما أدى الى مقتل 22313 شخصا معظمهم من النساء والأطفال، إضافة الى إصابة أكثر من 57 ألفا بجروح، وفق آخر أرقام وزارة الصحة التابعة لحركة حماس.

في الضفة الغربية التي تحتلّها إسرائيل منذ 1967 وتشهد تصاعداً في وتيرة أعمال العنف منذ اندلاع الحرب في غزة، دعت السلطة الفلسطينية إلى إضراب عام الأربعاء حدادا على العاروري ورفاقه، بينهم قياديان في كتائب القسام.

في قرية عارورة في شمال الضفة الغربية، تجمّع معزّون في منزل تقطنه عائلة صالح العاروري ارتفعت فيه رايات حركة حماس الخضراء، بينما أحاطت النسوة بوالدته.

وقالت الوالدة الثمانينية وهي تحمل صورة له وضعت في إطار ذهبي "نعم أنا فخورة بابني لأنه مهجة قلبي وهو طلب الشهادة والحمدلله نالها".

"حرب وحشية"
على الأرض في قطاع غزة، نفذت إسرائيل غارات جوية استهدفت خلال الساعات الماضية مناطق مخيم المغازي ومخيم جباليا ومدينة رفح ومدينة خان يونس وغيرها.

وأعلن البيت الأبيض الأربعاء أن حماس ما زالت تملك "قدرات كبيرة" داخل غزة بعد حوالى ثلاثة أشهر من الحرب.

وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي إن القضاء على التهديد العسكري الذي تشكّله حماس "هدف يمكن تحقيقه" بالنسبة إلى إسرائيل، لكنها قد لا تتمكّن من "محو المجموعة من الوجود".

ويعاني سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2,4 مليون والذين نزح أكثر من 85 % منهم، وفق الأمم المتحدة، ظروفا صعبة جدا، وبات معظمهم على شفير المجاعة، وفق الوكالات الدولية.

ودعا وزير الخارجية البريطاني ديفيد كامرون الأربعاء الى "بذل مزيد من الجهود لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة"، معتبرا أن على إسرائيل "أن تسمح بدخول مزيد من الإمدادات بشكل ملحوظ للحد من مخاطر الجوع والمرض".

وتواصل وكالات تابعة للأمم المتحدة التحذير من الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة. ولم تنجح الجهود الرامية للتوصل إلى وقف جديد لإطلاق النار على غرار الهدنة التي استمرت أسبوعا أواخر تشرين الثاني/نوفمبر وسمحت بإطلاق سراح أكثر من مئة رهينة.

وكتب المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني على منصة إكس "غزة: ثلاثة أشهر طويلة من الحرب الوحشية: نزوح أعداد كبيرة من السكان، وفيات وإصابات جماعية، دمار هائل".

في إسرائيل، تخشى عائلات الرهائن الذين لا يزالون محتجزين في قطاع غزة منذ هجوم حماس، على مصير أحبائهم.

وأكد الجيش الإسرائيلي الأربعاء أنّ الاسرائيلي ساعر باروخ الذي اقتادته حركة حماس إلى غزة رهينة خلال هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر قُتل أثناء عملية لانقاذه في القطاع في كانون الأول/ديسمبر، مشيرا الى أنه لا يستطيع أن يحدد كيف قتل.

واستذكرت رهينة سابقة تدعى روتي مندر (78 عاما) من كيبوتس نير عوز الذي دمّره هجوم حماس 50 يوما أمضتها قيد الاحتجاز.

وروت عبر صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية كيف قتل عناصر حماس ابنها وخطفوها مع ابنتها وحفيدها وزوجها الذين ما زالوا مفقودين.

انفجارا ايران
في إيران، قُتل 103 أشخاص جرّاء انفجارين وقعا بفارق دقائق قرب مرقد رئيس فيلق القدس الإيراني اللواء قاسم سليماني في محافظة كرمان (جنوب)، وجرح 141 شخصا، وفق وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية.

ووقع الانفجاران بالتزامن مع إحياء الذكرى الرابعة لمقتل سليمان في ضربة أميركية في بغداد وقتل معه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس وآخرون.

ولم تتبن أي جهة حتى الآن التفجيرين. لكنّ التلفزيون الحكومي صنّفهما ب"الهجوم الإرهابي".

وردّاً على سؤال خلال مؤتمر صحافي حول الهجوم الذي وقع في إيران، كرر دانيال هاغاري مساء الأربعاء أن الجيش الإسرائيلي "مستعد على كل الجبهات" وقال "سأكتفي بالقول إننا نركز على القتال ضد حماس (...) لكننا نواجه أيضا منذ بداية الحرب تحديات في شمال (إسرائيل) حيث يواصل حزب الله تنفيذ هجمات".

وتوعد المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي الأربعاء بـ"رد قاس". وقال في بيان إن "الاعداء الأشرار والمجرمين للأمة الإيرانية تسببوا مجددا بكارثة وأسقطوا عددا كبيرا من السكان الأعزاء في كرمان شهداء"، مؤكدا أن "هذه الكارثة ستلقى ردا قاسيا بإذن الله".

ودانت حركة حماس "الهجوم الإجرامي في مدينة كرمان، جنوب شرق إيران، والذي استهدف المدنيين وأوقع فيهم أكثر من مئة شهيد"، مؤكدة في بيان رفضها "كافة الأعمال الإرهابية التي تستهدف المدنيين وتسعى لزعزعة الاستقرار والأمن في الجمهورية الإسلامية، خدمةً لأجندة الكيان الصهيوني ومخططاته الخبيثة التي تستهدف أمن ومصالح شعوب المنطقة".

ولم تقدّم السلطات الإيرانية بعد تفاصيل بشأن التفجيرين، لكنّ وكالة أنباء "تسنيم" نقلت عن مصادر مطّلعة لم تسمّها، قولها إنّ "حقيبتين تحملان متفجرات انفجرتا" على الطريق المؤدي الى مسجد صاحب الزمان حيث مقبرة سليماني.

ورفضت الولايات المتحدة الاربعاء أي مزاعم عن ضلوعها او ضلوع حليفتها اسرائيل في التفجيرين بجنوب ايران.

وقال الناطق باسم الخارجية الاميركية ماثيو ميلر للصحافيين إن "الولايات المتحدة ليست ضالعة في أي حال من الاحوال (في التفجيرين)، وأي قول يعاكس ذلك هو أمر سخيف"، مضيفا "لا سبب لدينا للاعتقاد أن اسرائيل ضالعة في هذا الانفجار".

وكان سليماني قائدا لفيلق القدس الموكل العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني، وأحد أبرز القادة العسكريين للجمهورية الإسلامية، وصاحب دور محوري في رسم استراتيجيتها في الشرق الأوسط على مدى أعوام طويلة.