إيلاف من القاهرة: استقبل الملايين حول العالم ملصقات أولمبياد باريس 2024 بمشاعر البهجة والإعجاب، وقال البعض إنها ملصقات سوف تعيش لأكثر من 100 عام، بالنظر إلى فكرتها العبقرية، حيث تضم أشهر معالم باريس في تناغم رائع بين برج إيفل و"ستاد دو فرانس"، وقوس النصر، والمتاحف والكنائس، وغيرها، وفي الملصق تم نقل حدائق فرساي لتصبح أمام برج إيفل على سبيل المثال، مما يعني أنه عمل فني قبل أن يكون مجرد رسومات تجسد الواقع "حرفياً".

أين الصليب؟

وما هي إلا ساعات، حتى اكتشف البعض أن أحد أشهر المعالم في هذه الملصقات، وهو كاتدرائية سان لويس دي انفاليد، ظهرت قبتها بدون الصليب، الأمر الذي أثار جدلاً، وسط تفسيرات متباينة، خاصة أن مواقع ومنصات السوشيال ميديا تتيح هذه المساحات الواسعة من الجدل، وتتأرجح التفسيرات بين 3 احتمالات لظهور الكاتدرائية بدون صليب.

وهذه التفسيرات أقربها للواقع أتى على لسان الفنان أوغو جاتوني الذي أبدع هذه الملصقات بعد 2000 ساعة من الرسم والعمل، حيث أكد أنه لم يتعمد ذلك، بل كان لديه تصور فني معين، فيما قال البعض أن ذلك حدث مجاملة للمسلمين، في تصرف يؤكد أن الثقافة الإسلامية قد تكون لها سيطرتها على فرنسا، أما ثالث التفسيرات فإنه يتعلق بعلمانية الدولة الفرنسية، وعدم الاهتمام بالرموز الدينية.

ماذا حدث؟

بعد الكشف عن الملصق الرسمي لدورة الألعاب الأولمبية في باريس الاثنين، وفي أقل من 24 ساعة تسبب في جدل حاد في فرنسا، قام الفنان أوغو جاتوني بحذف تفصيل مهم من قبة كاتدرائية القديس لويس دي انفاليد، وهو الصليب.

محو الهوية الكاثوليكية

أثارت هذه التفاصيل، التي لاحظها العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ردود فعل من الجهات السياسية المحافظة في فرنسا، التي زعمت هذا التصرف أقرب ما يكون لتعمد محو الهوية الفرنسية، وخاصة الكاثوليكية.

خائن ومذنب وينكر الهوية

ونقلت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية عن شخصيات قيادية سابقة في عالم الرياضة قولها: "رغم أنه قد يكون خطأ عفوي، إلا أنه خطير". وذهب البرلماني المحافظ جيلبرت كولارد إلى أبعد من ذلك وأكد أن الفنان الذي صمم ورسم هذه الملصقات "خائن ومذنب وينكر هوية فرنسا".

ماذا قال الفنان أوغو جاتوني؟

رداً على الجدل، ردت المنظمة المسؤولة عن الألعاب الأولمبية والفنان أوغو جاتوني بأنه ليس لديه نوايا سيئة فيما يتعلق بهذا النصب التذكاري الذي يضم قبر نابليون من بين أبطال وطنيين آخرين.

وأضاف: "في رسوماتي للملصقات الرسمية، لا أحاول تمثيل الأشياء أو المباني كما ينبغي أن تكون، أستحضرها كما تظهر في ذهني، دون أي دافع خفي. لا أريدها أن تكون وفية تماماً لأصلها.

وتابع أوغو جاتوني: "بدلاً من هذه الطريقة في التفكير، يمكن للناس أن يتخيلوها بنظرة سريالية واحتفالية".

يُظهر الملصق الإعلاني للحدث الرياضي الكبير مدينة خيالية لباريس، بألوانها الوردية والباستيل، والتي تم تحويلها إلى ملعب ضخم، وتظهر المعالم الأثرية الأكثر رمزية في العاصمة الفرنسية، وفي وسطها برج إيفل. ويوجد أيضًا ميناء مرسيليا.

لا سبب أقوى من "فرنسا العلمانية

في فرنسا، الدين مرادف للجدل دائماً، فالدولة علمانية رسمياً، ومنذ ثورتها التي أنهت النظام القديم، أصبحت فرنسا مناهضة لسيطرة الفكر الديني، وقد تم تكريس هذه الحركة في نهاية القرن التاسع عشر، وتم طرد الدين من التعليم والمؤسسات العامة. وذلك على الرغم من ماضي البلاد المسيحي، الذي تأرجح بين الكاثوليكية والبروتستانتية، ولكن الكاثوليكية انتشرت أكثر بالطبع.

المسلمون في قلب المشهد

مع تدفق المهاجرين من شمال إفريقيا، ووجود الملايين من أتباع الإسلام الذي ينتشر بسرعة في معظم أنحاء أوروبا، وفي فرنسا بوتيرة كبيرة كذلك، مع كل ذلك لا يمكن القول إن هناك تعمد لإزالة الصليب من أجل مغازلة الثقافة والفكر الإسلامي.

وعلى الرغم من أن هذا الاحتمال لم يكن وارداً، إلا أن البعض روج له، وتحدث عنه عبر منصات السوشيال ميديا، وفي جميع الأحوال يمكن اعتبار ملصقات أولمبياد باريس عمل فني رائع يخلد معالم عاصمة النور، بعيداً عن جدل أثارة صليب غائب.