باريس: يبدو أن ما يحدث في غزة خرج عن حدوده الجغرافية والإقليمية، وأصبح له تبعات عالمية، تتعلق بالنظرة لليهود واليهودية حول العالم، ومن بين المؤشرات التي تقول ذلك ما حدث في فرنسا، فبعد ستة أيام من عثور الشرطة الفرنسية على وسم نجمة داوود على جدران بيوت بعض المواطنين الفرنسيين اليهود بالعاصمة باريس وضواحيها، أعلنت السلطات الأمنية أنها ألقت القبض على مواطنين اثنين يتحدران من مولدافيا، ويقيمان بشكل غير قانوني، للاشتباه في تورطهما بالحادث.

إذ ذكرت وسائل إعلام فرنسية نقلا عن مصادر أمنية فرنسية أن القضاء يشتبه بضلوع جهات أجنبية مقيمة خارج فرنسا، وذلك وفقاً لتقرير "مونت كالو الدولية".

وزير الداخلية يمتنع

وفي مقابل امتناع وزير الداخلية جيرالد دارمانان عن إعطاء أي معلومات بشأن الموضوع، ذكرت النيابة العامة أن الموقوفين اللذين يبلغ أحدهما، وهو رجل، 33 عامًا، ورفيقته 29 عامًا، تم استجوابهما وأقرا أنهما تصرفا "بناء على طلب طرف ثالث".

اتخذ قرار بطرد الزوجين، وتم إيداعهما أحد مراكز الاحتجاز. حسب المدعي العام في باريس، فإن الإجراءات القانونية قد أوقفت وتم حفظ الملف بسبب "عقوبة ذات طبيعة أخرى".

حرب ضد أعداء السامية

أثار الحادث الذي يأتي في سياق ارتفاع السلوكات المعادية للسامية بفرنسا وسط استمرار الحرب بين إسرائيل وحماس، انتقادات وتنديدا واسعين من قبل المسؤولين السياسيين، على رأسهم رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن التي تعهدت بشن "حرب لا هوادة فيها" ضد تصاعد مشاعر معاداة السامية، وقالت بورن أمام الجمعية الوطنية خلال جلسة استجواب عادية إن "الوضع في الشرق الأوسط لا يبرر معاداة السامية.. ولا شيء يبرر معاداة السامية على الإطلاق، حكومتي عازمة على شن حرب لا هوادة فيها ضدها".

وسارعت بعض القنوات الإخبارية الخاصة بتوجيه أصابع الاتهام إلى اليسار المتطرف والإسلاميين والعرب، بإشعال نيران حملة معادية للسامية

حسب مصادر أمنية، فقد تعرف المحققون على رجل آخر برفقة زوجته، شوهدا على كاميرات المراقبة يطبعان وسم نجمة داوود على جدران منازل اليهود بباريس، لكنهما سرعان ما غادرا فرنسا، لقد كانت بمثابة "عملية كوماندو"، كما يقول أحد ضباط الشرطة.

تم اعتبار المحادثة التي جرت باللغة الروسية على هاتف الزوجين المحمول دليلاً على وجود دافع محتمل وجهة خارجية متورطة.

بالنسبة للمحققين، فإن العلاقة بين القضيتين أمر لا جدال فيه. وسواء كان الوسم علامة معاداة للسامية أم لا، فقد تم إعلام أجهزة الاستخبارات بما يبدو أنها "محاولة قادمة من موسكو لزعزعة الاستقرار".

في المقابل، يرى خبراء أمنيون أن التكتم الشديد حول مسار استجواب المعتقلين وما أسفر عنه، والغموض الذي يحيط بمصيرهما يطرح تساؤلات بشأن تفاصيل مهمة قد تقود إلى تحديد دوافع الحادث وغاياته والجهة التي تقف خلفه.

نجمة زرقاء وليست صفراء
في بيان صدر بتاريخ 31 تشرين الأول (أكتوبر)، قال ممثلو الادعاء إنهم لا يعرفون "ما إذا كانت هذه العلامات تهدف إلى إهانة الشعب اليهودي أو دعم الانتماء اليهودي، خاصة أنها تتعلق بالنجمة الزرقاء" وليس الصفراء، لكنهم شعروا أنه من الضروري التحقيق "في ضوء السياق الجيوسياسي وتأثيره على السكان".

وجاء في البيان: "لم يثبت أن هذا النجم يحمل دلالة معادية للسامية، لكن لا يمكن استبعاد ذلك تماما".

خلال الحرب العالمية الثانية، أجبرت ألمانيا النازية وبعض الدول الأوروبية التي احتلتها الشعب اليهودي على تعليق نجوم سداسية صفراء على ملابسهم كجزء من برنامج الاضطهاد الذي بلغ ذروته في المحرقة، التي قُتل فيها ستة ملايين يهودي في عمل من أعمال الإبادة الجماعية الجماعية. وغاية ذلك تمييز اليهود عن باقي أطياف المجتمع.

ارتفاع حوادث "معاداة السامية"
يقدر عدد اليهود في فرنسا بأكثر من 500 ألف نسمة، وهو الأكبر في أوروبا وثالث أكبر عدد في العالم بعد إسرائيل والولايات المتحدة.

وحسب وزير الداخلية الفرنسي، فقد سجلت السلطات الفرنسية 857 عملا معاديا للسامية، منذ السابع من أكتوبر. موضحا أن "الشرطة والسلطات القضائية فتحت عدة تحقيقات في الرسوم والكتابات المعادية لليهود في جميع أنحاء العاصمة"، وتعهد بحماية المجتمعات اليهودية في جميع أنحاء فرنسا فقال "سنحميكم، بشكل كامل، ليلا ونهارا".

رغم تشديد الرقابة الأمنية وتعهدات المسؤولين الحكوميين، تظل مخاوف استهداف اليهود قائمة مع تصاعد حدة النزاع في غزة، ولعل عدم استبعاد النيابة العامة فرضية "معاداة السامية" في التحقيق بحادث طعن امرأة يهودية بمدينة ليون وسط البلاد يعزز ذلك.

تجريم "إنكار إسرائيل"
في سياق الدعم المتواصل لإسرائيل، يستعد مجلس الشيوخ الفرنسي لدراسة مشروع قانون جديد، اقترحه 16 عضوا، أغلبيتهم من اليمين التقليدي (حزب الجمهوريين)، يجرم ويدين كل أشكال التعبير عن إنكار وجود إسرائيل، أو يهين بأي شكل إسرائيل ويثير الكراهية ضدها.

وتقدم بنص المشروع عضو مجلس الشيوخ ستيفان لو رودولييه، ومعه برونو بيلان، وماكس بريسون، وبيار جان روشيت، و12 عضواً آخرين في الشيوخ الفرنسي، حيث أصبح النص في لجنة القوانين الدستورية والتشريع والاقتراع العام والتنظيم والإدارة العام، على أن يحدد المجلس موعداً لقراءة أولى للمشروع الذي، بحسب المجلس، يعتبر تكميلياً للإطار الجنائي لمعاداة الصهيونية.

قبل ذلك، وافق مجلس الشيوخ في 5 أكتوبر الماضي، أي قبل يومين فقط من هجوم حماس، على اقتراح قانون قدّمه اليمين، ودعمه فريق الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته، يستعيد تعريف "معاداة السامية" الذي تبناه "التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكست"، والذي كانت منظمات دولية وحقوقية حول العالم حذّرت منه ونبهت إلى أنه يمكن أن "يشجع أو يصادق عن غير قصد على السياسات والقوانين التي تقوّض انتقاد سياسات الحكومة الإسرائيلية".

وجاء ذلك لأن التعريف يقول إن "أي معاملة غير عادلة لدولة إسرائيل، ومطالبتها بسلوك لا تطالب فيه أي دولة ديمقراطية، هو أمر غير مقبول". ويذكر أن الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي) كانت صوّتت في عام 2019، على قانون مشابه، قدّمه حزب "النهضة" (حزب ماكرون). لكن القانونين السابقين، لم يكونا يحملان صفة الإلزامية، أو العقاب الجنائي، وأكد المصوتون للقانونين أنهما لا يتعارضان مع حقّ انتقاد سياسة الحكومات الإسرائيلية.