ما زالت الحرب في قطاع غزة وتباعاتها في تصدر عناوين الموضوعات التي تنشرها الصحف، ونستعرض في عرض الصحف لهذا اليوم، إحدى القضايا التي أفردت لها صحف عالمية وعربية وإسرائيلية مساحة على صفحاتها.

ونبدأ جولتنا من صحيفة الغارديان البريطانية التي تناولت قضية زيادة الكراهية بين العرب واليهود في جميع أنحاء العالم، وهو ما تناوله الكاتب كنان مالك في مقاله الذي طرح فيه الفارق الدقيق بين النقد والتعصب في إطار تعامله مع قضية زيادة الكراهية منذ بدء حرب غزة.

وتساءل الكاتب: "أين يمكننا أن نرسم حداً فاصلاً بين النقد والتعصب؟"، إذ أن هذه القضية تقع في قلب الجدل الدائر في الوقت الراهن عن العلاقة بين "المسلمين واليهود، والإسلام وإسرائيل".

وأكد كنان أن التفريق والتمييز بين الأمرين سهل للغاية، فالنقد يكون عند مناقشة الأفكار، والممارسات الاجتماعية، والسياسات العامة، لكنه حذّر من أن "تجاوز الخطوط الحمراء" قد يحدث عندما يُلقى اللوم على الإسلام ويتم التنديد بالمهاجرين المسلمين، أو عندما تحتشد مظاهرة للتنديد بما يحدث في غزة أمام متجر يهودي، في إشارة إلى أن ما يتجاوز حدود المناقشة، يمكن أن يندرج في سياق التعصب.

وأشار الكاتب إلى أنه "من الناحية العملية، قد يفتقر هذا الحد الفاصل إلى الوضوح، وهو غالباً ما يحدث عن عمد، كأن تستخدم الادعاءات حول "كراهية الإسلام" أو "معاداة السامية" بطريقة ما، لمحو التمييز بين النقد والتعصب، إما لقمع المعارضة أو الترويج للكراهية. ومثل هذا الخلط قد يمكِّن البعض من تصوير انتقاد الإسلام أو إسرائيل على أنه غير شرعي لأنه "معادٍ للإسلام" أو "معادٍ للسامية"، كما قد يسمح لأولئك الذين يروجون لكراهية المسلمين أو اليهود بتجاهل إدانة تلك الكراهية باعتبارها نابعة من الرغبة في تجنب "انتقاد الإسلام أو إسرائيل".

وأكد أن استخدام "معاداة السامية" و"كراهية الإسلام" (إسلاموفوبيا)، يُعد من أخطر العوامل التي تدفع بالجميع إلى تجاوز حدود النقد والمناقشة إلى منطقة التعصب التي تزيد من الكراهية، وهو ما قد يخلق صراعاً فكرياً ونفسياً يسير بالتوازي مع الحرب في غزة.

"أسطورة الرجل الأبيض"

ننتقل إلى صحيفة "القدس" التي نشرت مقالا لأحمد صيام الذي تناول قضية زيادة الكراهية من زاوية أخرى، ألا وهي "العنصرية"، إذ رأى الكاتب أن حرب غزة كشفت الكثير من الحقائق عن دعم الغرب لإسرائيل وما ينطوي عليه من "عنصرية" تؤدي حتماً إلى المزيد من الكراهية بين أطراف الصراع من وجهة نظر الكاتب.

وقال صيام: "لا غرابة في الدعم المطلق الذي تتلقاه دولة الكيان من المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، والتاريخ حافل بالشهادات التي ما زالت ماثلة على العنصرية الأميركية والأوروبية في التعاطي مع الآخر، ولعل نشأة أمريكا وكيف قامت على أنقاض سكان أصليين أطلق عليهم الهنود الحمر بعد إبادتهم، وباتت الأقوى في العالم وتتحكم بمصائر البشرية ومقدراتها، دليل دامغ على سياستها الخارجية القائمة على الاحتلال والإحلال وتهجير السكان الأصليين" على حد تعبيره.

وعدد الكاتب أمثلة لبعض ما وصفها بـ"المذابح" والتي يرى أن الغرب ارتكبها في حق شعوب أخرى منذ "بدأت الحروب الأمريكية بالهجوم الأول على الهنود" والذي استمرّ "حتى عام 1900".

وأشار الكاتب إلى ما قال إنها "مجازر" أخرى مثل "الحرب في البوسنة والهرسك التي شهدت ارتكاب الصرب جرائم اغتصاب وتجويع وتهجير وقتل نوعي طال علماء دين وأئمة مساجد ومثقفين وأكاديميين ورجال اقتصاد".

ورأى أن هناك تمييز في موقف الغرب من العرب، إذ كشف الغزو الروسي لأوكرانيا عن الوجه الحقيقي لما سمّاه "الرجل الأبيض" في إشارة إلى الغرب. وأشار إلى أن الغرب هب لدعم أوكرانيا بكل قوته وحشد لدعمها على مستوى العالم بينما سكت عن الحرب على غزة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين.

وألقى الكاتب باللوم على الغرب أيضًا في زيادة الكراهية بين اليهود والمسلمين، إذ كان الغرب وراء ما استقر في وجدان العالم من أن "المقاوم الفلسطيني إرهابي، فيما المقاوم في أوكرانيا بطل قومي، ومساعدة المقاومة نوع من أنواع الإرهاب، فيما مساعدة الأوكرانيين حق مشروع للدفاع عن النفس" على حد وصفه.

كراهية على كل المستويات

أما صحيفة هآرتس الإسرائيلية فنشرت مقالاً رجح كاتبه عوزي برعام أن تكون "دوافع الانتقام ورد الاعتبار والدفاع عن السيادة الإسرائيلية" هي الأسباب الحقيقة للحرب في غزة، وهي دون شك دوافع تنطوي على كراهية ومن شأنها أن تزيد منها بين طرفي الصراع.

وقال برعام: "ليس كل الإسرائيليين يؤمنون بوجهة النظر هذه، إذ أن هناك أيضا من يعتبرها حرباً مقدسة برعاية الرب، وتعويضاً عن السابع من أكتوبر/ تشرين الأول"، مشيراً إلى أنه "لا ينبغي تجاهل وجهة النظر هذه أيضاَ: فالكثير من الجنود يضحون بحياتهم لاعتقادهم بأنهم يساعدون في استعادة دولة إسرائيل وسيادتها على كامل أرض إسرائيل".

وذكر الكاتب أن السياسيين يخوضون هذه الحرب "دفاعاً عن التاريخ الوطني اليهودي"، وهي الدوافع التي يرى الكاتب أنها في مجملها تقود إلى "صراع لا ينتهي بين العرب والفلسطينيين، وهو الصراع الذي تُوج بحرب الاستقلال وأُعلنت مبادئه في بيان الاستقلال والمبادئ المعلنة في بيان الاستقلال" على حد قوله.

وأضاف المقال أن زعماء إسرائيل – مثل دايفيد بن غوريون، وليفي أشكول، وغولدامائير، وإسحق رابين – ومعهم اتفاقية أوسلو اعترفوا بوجود الدولتين على نفس الأرض.

وأشار إلى أن مناحم بيغين هو أيضا اعترف بوجود الدولتين بمجرد توقيعه معاهدة السلام مع الرئيس المصري أنور السادات، وهي الاتفاقية التي اعترفت بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، مؤكداً أيضا أن إسحاق شامير اعترف بذلك في مؤتمر مدريد.

وأكد الكاتب أن الانحراف عن هذه الاعترافات، التي تبنتها "الصهيونية التقليدية"، لا يمكن حصره في أقلية صغيرة من الإسرائيليين، إذ يدعم حاخامات يهود وأكاديميون ينتمون لحقبة ما قبل الجيش الفكر الذي لا يعترف بدولة فلسطينية، ويعتبرون الصراع العربي الإسرائيلي – بما في ذلك الحرب الحالية في غزة - ما هو إلى سعي إلى "إعادة أراضي إسرائيل كاملةً إلى أصحابها الحقيقيين" على حد وصفه.

وطالب الكاتب بنبذ الكراهية وما يؤدي إليها برفض صريح للدولة الدينية، قائلاً: "لا للدولة اليهودية، ونعم للدولة التي تطلق صفة يهود صهيونيين على أغلب سكانها وتعترف بحقوقهم وحقوق الآخرين".