إيلاف من الرباط: "بالنسبة للجزائر، الحرب جارية بالفعل"، هكذا عنونت مجلة "تل كيل" المغربية في نسختها الفرنسية، لملف تناول في جانب كبير منه العلاقات المغربية - الجزائرية، من خلال عرض مضامين مجموعة صفحات من آخر كتاب للمفكر المغربي عبد العروي، "دفاتر كوفيد" الصادر حديثا باللغة الفرنسية عن المركز الثقافي للكتاب بالدار البيضاء.

وقدمت المجلة العروي بالعارف الجيد بالعلاقات بين المغرب والجزائر، مشددة على أن هذا المفكر لم يعد يؤمن بحل دبلوماسي بين البلدين حول الصحراء، مادام أن كل جهد من الرباط في هذا الاتجاه يذهب سدى، لأن الجارة الشرقية لم ترد يوما التفاوض.

العلاقات لن تتطور في المدى القريب
مما جاء على لسان العروي، في كتابه الجديد، والذي جاء في شكل يوميات استعرضت بعضها المجلة، وتخص الفترة ما بين 3 أغسطس 2021 والثلاثاء 13 ديسمبر 2022، أن العلاقات بين المغرب والجزائر، يبدو أنها لن تتطور في المدى القريب. وأوضح أنه ليس من المعقول الاعتقاد بأن هذا التطور ممكن، وأنه يتعلق بمبادرة من شخص، حتى وإن كان على رأس الدولة. وأضاف أننا نواصل القول إننا شعب واحد، ولكن الحقيقة أننا في مواجهة شعب آخر. وزاد: "لا نعرف ماذا يَدرس الشباب الجزائري في أقسام الدراسة حول ماضيهم، وماضي الجيران. لا نعرف ماذا يُدرس بمدارس الإدارة والثانويات العسكرية. ما يتعلمه الموظفون والدبلوماسيون والضباط، وغيرهم، طوال سنوات، ويواصلون قراءته في المنشورات الرسمية، لن يمحى من عقولهم بين ليلة وضحاها".

لا نتكلم نفس اللغة
بالنسبة للعروي، فـ"على الرغم من المظاهر، فنحن لا نتكلم نفس اللغة، حتى وإن كنا نستعمل نفس اللهجة". وتساءل: "ما هي إيديولوجيا النخبة الجزائرية، سواء كانت في السلطة، اليوم أو لا؟". ورأى أنهم ينظرون إلى المغرب باعتباره "الإمبراطورية الشريفة التي ترغب في استرجاع كامل التراب الذي فقدته (...) على مدى القرون الاربعة الأربعة الماضية". واستدرك: "علينا أن نقول إننا لا نفعل شيئا لثنيهم عن ذلك".

ورأى العروي أننا حين نتحدث عن الدولة التاريخية، والحدود الأصلية، والولاء، وغيرها، يكفيهم أن يأخذوا هذه التصريحات الرسمية وعرضها أمام حلفائهم في إفريقيا وأميركا اللاتينية، وحتى العرب، لتبرير تحليلهم.

ثلاثة أرباع الجزائر الحالية لم تكن جزءاً من الجزائر
وزاد العروي قائلاً: "هم يعرفون أن ثلاثة أرباع الجزائر الحالية لم تكن جزءا من الجزائر التركية، وأن هذه الأراضي تم إلحاقها شيئا فشيئا بالمستعمرة الفرنسية". وخلال كل هذا التاريخ، يتساءل العروي، "لمن كانت تتبع هذه الأراضي؟".

وأضاف: "علينا أن نعرف أن هذه الأراضي كانت بها ساكنة مسلمة، لم يكن لها أن تبقى من دون بيعة، وإلا بإسم من كان يرفع الدعاء خلال خطبة صلاة الجمعة؟ البيعة لا يمكن أن تكون إلا للسلطان المسلم الأقرب.وهذا السلطان المسلم كان ملك المغرب".

وأضاف العروي أن المغرب لا يطالب بأراضي كانت تابعة له في الماضي البعيد، ولكن تلك التي كانت تابعة له عن طواعية، عن طريق البيعة، قبل أن تسقط في يد الهيمنة الاستعمارية، قبل 60 سنة، كما هو حال تندوف.

وأضاف العروي، ضبطاً للمفاهيم وسياقات استعمالها: "توسعي، هو الذي يريد أخذ أرض ليست له، بالقوة. وحْدوي هو الذي يواصل المطالبة بحق شرعي في تراب انتزع منه بالقوة".

وشدد العروي على أن "الجزائريين لا ينفون هذه الحقائق، وليس بإمكانهم ذلك". لكنهم، "يقولون إن كل ذلك عفى عنه الزمن، مع النظام العالمي الجديد حيث أغلبية الدول شبيهة بالجزائر لا المغرب". أي أنه، "بالنسبة للجزائريين، فما دام أن المغرب لم يصرح بشكل رسمي بتخليه عن كل شكل من أشكال المطالب الترابية، فسيبقى يُنظر إليه كبلد توسعي، وبالتالي خطرا على الوحدة الترابية للجزائر كما تم تحديدها خلال اتفاقية إيفيان".

خيار احتواء المغرب وعزله
ورأى العروي أن "الجزائر ليس أمامها من خيار إلا احتواء المغرب،وعزله"،بـ"منعه من إقامة اتصال مباشر مع العمق الإفريقي".ومن هنا، بالنسبة إليهم "ضرورة الحفاظ على التوتر في الصحراء"، لذلك رأى أنه، بالنسبة للجزائر، فـ"الحرب جارية بالفعل، لـ"يبقى من الباعث على السخرية الاعتقاد أن السياسة الحالية للجزائر غير منطقية، أو عمل سياسيين غير متعلمين أو عسكريين مسنين، وأن المسؤولين الأكثر شبابا سيديرون لهم الظهر".

وشدد العروي على أنه ليس صراع جيل، ولكن حقبة تاريخية كاملة، لا يمكن حتى لمواجهة مسلحة أن تزيله.

قضية الصحراء طالت كثيراً
ورأى العروي أن قضية الصحراء طالت كثيرا،إلى درجة أن الأغلبية، بمن فيهم الدبلوماسيون، تبدو كما لو أنها نسيت مقدماتها. لذلك صار من السهل اليوم بالنسبة لدبلوماسي جزائري شاب أن يقول بحسن نية أن القضية تتعلق بشعب مقموع، لا يطالب أكثر من حقه، مطالباً الأمم المتحدة بأن تلزم المغرب بقبول تنظيم استفتاء تقرير المصير. و"لماذا عليه أن يذهب للبحث بعيدا؟"، يتساءل العروي، قبل أن يضيف: "هذه بالنسبة إليه هي الحقيقة التاريخية الوحيدة، إذا كان قد رأى النور قبل أربعين أو خمسين سنة. بالنسبة إليه، فما نقوله نحن هو التلفيق الخالص.ومع ذلك فالحقيقة هي شيء آخر".

نظام ثوري ونظام ملكي محافظ
وأوضح العروي أن، المشكل طرح، منذ بالبداية، في إطار تعارض بين نظام ثوري ونظام ملكي محافظ، وأنه لا هواري بومدين، ولا معمر القذافي كانا يفكران في دولة صحراوية. بكل بساطة، يضيف العروي، كانا يريدان إسقاط الملكية في المغرب.

وقال العروي إنه حين كانت الجزائر تُسير من قبل رجال لديهم معرفة وذكريات حول الماضي المشترك، كان يمكننا الصبر وأن نأمل في العودة إلى روح الانسجام والتوافق. ولكننا، يضيف العروي، أمام عسكر يفتقد الكياسة ومحدود الفكر، وأمام جيل جديد لطالما عاش في عزلة، وتم ملء رأسه بأن الجغرافيا، النمو الديمغرافي والمحروقات هي ما يجعل البلد "القدر المتجلي"، وبالتالي فرض الإرادة على كل الجيران.

متعقلاً إلى ما لا نهاية
ورأى العروي أنه" لا يمكننا أن نطالب المغرب بأن يكون متعقلا إلى ما لا نهاية، هو الذي كان كذلك على مدى نصف قرن".

وذهب العروي إلى أن تصرفات الجزائر الحالية، في ما بعد الحراك، تظهر أن مفاوضات ثنائية مباشرة أو غير مباشرة، لا يمكن أن تتم. لكن، ماذا عن المغرب؟ هنا، يقول العروي إنه يتعين على المملكة أن تتعامل بطول نفس،وسط بيئة عدائية. واعتبر أن الإشكال يبقى في النظر إلى المسألة، إن كانت مربحة للجزائر أم للمغرب. وإلى حدود اللحظة، يرى العروي، وعلى عكس ما كان ينتظره بومدين، فقد أفادت الوضعية المغرب، الذي يبسط سلطته على الأرض. وهذا ليس حال الجزائر التي تجد نفسها مضطرة لصرف أموالها ضعفين، بل ثلاثة (تونس). فضلا عن كل هذا، تتم هذه النفقات، بالضرورة، على حساب المستقبل، ما دام أنه لم يتم تنفيذ أية استثمارات كبرى، في وقت تؤدي فيه السياسة المؤيدة للإنجاب بشكل متعمد إلى تضخم عدد السكان دون ضرورة.

الصمود والتفوق
يخلص العروي قائلا :"إذا استطاع المغرب أن يصمد، فسيتمكن، شيئا فشيئا من التفوق، بما أنه ينفتح على العالم، وينخرط أكثر في التحديث، يصير صناعيا، ويستفيد بشكل أفضل من العولمة".