كثرت في مصر، في السنوات الأخيرة، الإشارة لدور رجال القبائل في سيناء عند الحديث عن جهود الدولة للقضاء على الأنشطة المسلحة التي تفشت في شمال شبه الجزيرة، المحاذية لغزة وإسرائيل، على مدار أكثر من عقد من الزمان.
وقدم بعض رجال القبائل في سيناء أنفسهم باعتبارهم عونا للجيش المصري، في مواجهة هجمات المسلحين التي استهدفت الكثير من العسكريين ورجال الأمن المصريين وكذلك المدنيين.
وفي مطلع الشهر الجاري، عقد ما يعرف بـ"اتحاد القبائل العربية" في سيناء مؤتمره التأسيسي الأول. وأعلن حينها عن تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئاسته الشرفية. وأقيم المؤتمر في مدينة سكنية جديدة سميت "بمدينة السيسي" في رفح بشمال سيناء.
وفي حسابه الرسمي على تويتر، يقدم الاتحاد نفسه بأنه "جبهة قبلية موحدة تضم الغالبية العظمى من قبائل سيناء، لمساندة الدولة المصرية في مواجهة التنظيمات المتطرفة، ودعم عملية التنمية".
- مدينة السيسي في سيناء.. ما دور إبراهيم العرجاني؟
- اتحاد القبائل العربية في سيناء.. بيان الاتحاد حول رفح يثير جدلاً.. لماذا؟
إبراهيم العرجاني
منذ إطلاق هذا المؤتمر، لم تتوقف التساؤلات وكذلك الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، بشأن ماهية هذا الكيان، الذي يرأسه رجل ثار بشأنه جدل واسع، خاصة بعد اندلاع الحرب في غزة - ألا وهو إبراهيم العرجاني، أحد أهم رجال قبيلة الترابين البارزة في سيناء.
والتقطت صور للعرجاني إلى جانب الرئيس السيسي، عام 2014، حين كان السيسي وزيرا للدفاع، وقبيل صعوده للرئاسة. وقال العرجاني، في تصريحات لإحدى القنوات المصرية حينها، إنه ناقش مع "المشير السيسي" الكثير من مشروعات التنمية في سيناء بهدف الإسهام في القضاء على "الفكر التكفيري"، موضحا أن مواجهة "التكفيريين تحتاج إلى مسارين، تنموي وأمني".
وبعد نحو عام من تولي السيسي الرئاسة في مصر، تحدث العرجاني في لقاء تلفزيوني آخر مع إحدى القنوات المصرية عام 2015، موضحا أن "نهاية التكفيريين ستكون على يد رجال القبائل" نظرا لمعرفتهم بجغرافيا سيناء الوعرة.
وأضاف "نستطيع الوصول للتكفيريين حتى لو كانوا نياما. نحن من القوات المسلحة والقوات المسلحة منا، إننا نحارب جنبا إلى جنب مع رجال الجيش".
ولم يعلق الجيش المصري، في أي وقت، على تصريحات العرجاني بشأن "محاربتهم جنبا إلى جنب" مع الجيش.
الثروة والنفوذ
أُطلق سراح العرجاني، المنحدر من مدينة الشيخ زويد بشمال سيناء، في عام 2010 بعد احتجازه لنحو عامين إثر اشتباكات نشبت، عام 2008، بين مجموعات من الشرطة وأبناء القبائل في سيناء، واتُهم بدو سيناء حينها باحتجاز العشرات من رجال الأمن.
أما الآن فبات اسم العرجاني مرادفا للثروة والنفوذ الواسع في مصر. ودخلت أنشطة العرجاني إلى بؤرة الضوء، بعد تأسيس شركة "أبناء سيناء"، في مدينة العريش بشمال سيناء عام 2010، وفق موقع الشركة. وتولت شركة "أبناء سيناء" إدخال المواد اللازمة لإعادة إعمار قطاع غزة بعد تعرضه لهجوم إسرائيلي واسع النطاق في عام 2014.
وسرعان ما تحولت الشركة إلى "مجموعة العرجاني" التي تنضوي تحتها عدة شركات، وفقا للموقع الإلكتروني للمجموعة. وتشير الصفحة الرئيسية للموقع إلى أن شركات المجموعة تعمل في مجالات الإنشاءات والعقارات والتجارة والنقل وكذلك السياحة.
وتفتح المجالات، سالفة الذكر، بابا واسعا من التساؤلات، إذ يمتلك العرجاني شركة سياحة باتت متهمة بتقاضي مبالغ باهظة من سكان غزة، الراغبين في الفرار من أتون الحرب المشتعلة في القطاع، ليدخلوا إلى مصر من خلال معبر رفح البري، وهو المنفذ الحدودي الوحيد الذي يربط غزة بالعالم الخارجي، بعيدا عن سيطرة إسرائيل.
معبر رفح
وفي تقرير مطول لصحيفة التايمز البريطانية نُشر مؤخرا للحديث عن شركة "هلا للسياحة" المملوكة للعرجاني، كُشف عن أن "هلا" ربما تكون حققت أرباحا تقارب 90 مليون دولار خلال بضعة أسابيع، نظير فرضها رسوما تصل لخمسة آلاف دولار للفرد على سكان غزة الراغبين في الدخول إلى مصر.
واستند التقرير في ذلك على رواية بعض سكان القطاع. وأورد موقع "مدى مصر"، الإخباري المستقل، تقريرا شبيها تحت اسم "شبه جزيرة العرجاني"، استشهد بروايات مماثلة لعدد من سكان غزة، الذين قالوا إنهم اضطروا لدفع مبالغ مالية مقابل عبورهم من غزة إلى سيناء.
وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش، في تقرير أصدرته قبل عامين، إن عددا من العسكريين السابقين يعملون بشركة هلا التي تربطها "صلات قوية مع المؤسسة الأمنية المصرية" وهو ما يتيح لها "تقليل أوقات الإجراءات والتأخير عند نقاط التفتيش أثناء الرحلة بين رفح والقاهرة".
أما السلطات المصرية فقد نفت نفيا قاطعا تلك الاتهامات. وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، إن بعض وسائل الإعلام، تداولت "ادعاءات كاذبة تتعلق بما يتم تحصيله من رسوم على المسافرين عبر منفذ رفح، معتمدة على مصادر مجهولة".
ونفى رشوان ما وصفه بمزاعم التحصيل الرسمي لأي رسوم إضافية على القادمين من غزة، وكذلك "ادعاءات تقاضي أي جهة غير رسمية لأي مقابل مادي نظير العبور إلى الأراضي المصرية".
"خطر الفوضى"
وإلى جانب الضجة التي أثارها دور شركة "هلا"، تصاعدت الأصوات المنتقدة لتأسيس "اتحاد القبائل العربية" في سيناء. وأعرب منتقدون عن مخاوفهم من وجود كيان أقرب للميليشيا، يحظى بدعم أعلى هرم للسلطة في مصر.
وفي تقرير أصدرته في آذار (مارس) الماضي، وصفت منظمة هيومان رايتس ووتش اتحاد القبائل "بإحدى الميليشيات الرئيسية المتحالفة مع الجيش في شمال سيناء".
ويشدد الدستور المصري، في إحدى مواده، على أنه من المحظور "على أي فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية". كما يحظر، في مادة أخرى، "إنشاء أو استمرار جمعيات أو مؤسسات أهلية يكون نظامها أو نشاطها سرياً أو ذا طابع عسكري أو شبه عسكري".
ويحذر عمرو هاشم ربيع، عضو لجنة الحوار الوطني ومستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، من خطورة وجود السلاح خارج أيدي الدولة. ويقول إن "احتكار القوة يجب أن يكون من جانب الدولة، لكن إذا تمكن أي كيان آخر من التمتع بهذا الحق، وهو احتكار القوة، تتحول المسألة إلى فوضى".
ويرى ربيع أن السلطة الحاكمة "ترغب في تأسيس كيانات موزاية للأحزاب السياسية على ما يبدو، لأنها تدعم هذا الاتحاد في الوقت الذي تهمل فيه عشرات الأحزاب السياسية في البلاد".
"مواجهة الإرهاب"
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي آراء تشبّه اتحاد القبائل بقوة "الدعم السريع" شبه العسكرية في السودان والتي تخوض حربا ضروسا ضد الجيش منذ نيسان (أبريل) العام الماضي. لكن ربيع يستبعد أن يصل النموذج السوداني إلى مصر، بل يراه "أمرا مستحيلا، نظرا لقوة الدولة المصرية القائمة على مركزية السلطة".
وفي حديث لقناة تلفزيونية مصرية، في وقت سابق من الشهر الجاري، قال مصطفى بكري، المتحدث باسم اتحاد القبائل، إن الاتحاد "لن يحمل السلاح فهو ليس ميليشيا". وأوضح أن "الأسلحة جمعت من أبناء الاتحاد قبل ثلاثة أعوام، ولم يعد أحد منهم يحمل سلاحا إلا بشكل مرخص".
وقال إن شركة "مصر سيناء"، وهي إحدى شركات مجموعة العرجاني، بدأت كمجموعة استثمارية عام 2012 برأس مال وفرته قبائل سيناء، موضحا أن الشركة انخرطت في صفقات وشراكات مع دول عربية من بينها الإمارات والبحرين والسعودية والكويت وقطر وليبيا.
وأضاف أن العرجاني لعب دورا مهما في "مواجهة الإرهاب والحفاظ على الأمن القومي". ويستطرد بكري أن العرجاني جمع أبناء أكثر من 30 قبيلة، في عام 2014، للتصدي للنشاط المسلح هناك. ويؤكد أن "نشاط شباب القبائل كان يخضع لإشراف الجيش، وكانت كل الأنشطة الاقتصادية تحت أعين الدولة". وكشف عن أن "الجيش والأمن سلحوا رجال القبائل لأنهم كانوا مستهدفين من جانب الإرهابيين".
في المقابل، يرى عمرو هاشم ربيع أن دور القبائل الداعم للقوات المسلحة في سيناء "يفترض أن يقتصر على الإرشاد أو توفير المعلومات أو لعب أداور الوساطة، لكن حملهم للسلاح مرفوض". ويضيف ربيع أن هناك نقاطا غامضة تتعلق بآلية تكوين هذا الاتحاد وكيفية بنائه.
من ناحية أخرى، قال بكري، في تصريحات تلفزيونية، إن دور الاتحاد لن يقتصر على سيناء فحسب، بل سيمتد لمختلف ربوع مصر ومنها محافظات الصعيد. ولاتزال هذه التصريحات محل شك كبير، فمن الصعب الجزم بأن هذا الاتحاد سيلقى قبولا خارج شبه جزيرة سيناء.
التعليقات