أظهرت نتائج الدورة الأولى في الانتخابات التشريعية الفرنسية التي أجريت الأحد 6 يونيو/حزيران 2024، تقدم اليمين الفرنسي المتشدد بقيادة "حزب التجمّع الوطني".
وبعد أكثر من خمسين عاماً على تأسيسه، استطاع حزب "الجبهة الوطنية" الذي أسّسه جان ماري لوبان، وغيّرت مارين ابنته اسمه إلى حزب "التجمّع الوطني" عام 2018، أن يحقق تفوقاً لافتاً وأن يحصد 34 في المئة من الأصوات، متفوقاً على تحالف اليسار الذي حلّ ثانياً (28 في المئة) وعلى الرئيس ماكرون وحزبه "النهضة" (20 في المئة) الذي حلّ ثالثاً وخرج من سباق الدورة الثانية.
وكان ماكرون اتخذ قراراً بحلّ الجمعية الوطنية (المجلس التشريعي) في التاسع حزيران/يونيو، بعد خسارة حزبه في انتخابات البرلمان الأوروبي أمام حزب "التجمع الوطني" الذي فاز بالمركز الأول أيضاً.
وقالت مارين لوبان تعقيباً على خطوة ماكرون، "نحن مستعدّون لممارسة السلطة إذا وثق بنا الفرنسيون في الانتخابات التشريعية المقبلة".
- اليمين المتطرف يتصدر بفارق كبير الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية في فرنسا، ومعسكر ماكرون يحلُّ ثالثا
- لماذا تهمّ نتيجة الانتخابات الفرنسيّة المنطقة العربيّة؟ وهل حرب غزّة "ورقة انتخابيّة"؟
وخاضت مارين لوبان رئيسة حزب "التجمّع الوطني" اليميني المتشدد السباق الرئاسي في مواجهة ماكرون، دون تمكنها من الفوز بالمقعد الرئاسي، رغم تأهلها إلى المرحلة الحاسمة مرتين في انتخابات 2017 وانتخابات 2022.
وعُرفت مارين لوبان، أبرز وجوه الحزب اليميني المتشدد بعد والدها المؤسس جان ماري لوبان، بمواقفها المثيرة للجدل في فرنسا حول مسألة الهجرة والزيّ الإسلامي.
وسَلّمت مارين لوبان رئاسة الحزب عام 2021 إلى الشاب جوردان بارديلا، لتتمكن من التفرغ للانتخابات الرئاسية حينها.
فمن هي مارين لوبان؟
النشأة
ولدت مارين لوبان عام 1968 في مدينة نويي الفرنسية، وهي الابنة الصغرى لمؤسس حزب "الجبهة الوطنية"، جان ماري لوبان، من زوجته الأولى، بييرات.
أنشأ والدها مع مجموعات قومية حزب "الجبهة الوطنية" عام 1972، حين كانت في الرابعة من عمرها.
درست القانون في باريس وحصلت على شهادة الكفاءة المهنية في المحاماة، وأصبحت محامية.
ولم تكن مسيرة لوبان في مهنة المحاماة لافتة، ولكن زملاءها يثنون على مثابرتها وجديتها في العمل، وكانت تتطوع ضمن المحامين الذين تعينهم المحكمة، وكثيراً ما وجدت نفسها تدافع عن مهاجرين غير شرعيين.
غادرت مارين لوبان نقابة المحامين عام 1998 لتلتحق بحزب والدها "الجبهة الوطنية"، ضمن الفريق القانوني.
وكانت ترافق زعيم "الجبهة الوطنية"، جان ماري لوبان، في سن مبكرة في تنقلاته وحملاته الانتخابية، وانخرطت في الحزب رسميا عام 1986.
تزوجت مرتين وأنجبت ثلاثة أولاد من زوجها الأول فرانك تشافروي (جيان ولويس وماتيلد). وبعد طلاقها من تشافروي في عام 2000، تزوجت في عام 2002 من إريك لوريو، السكرتير الوطني السابق للجبهة الوطنية، وانفصلا عام 2006.
منذ عام 2009 حتى عام 2019، كانت لوبان على علاقة مع لويس إليوت، الذي شغل منصب الأمين العام لـ"الجبهة الوطنية" من 2005 إلى 2010، ثم نائب الرئيس.
البداية السياسية
في عام 1998، حصلت مارين لوبان لأول مرة على مقعد مجلس مقاطعة نوربادكالي، ثم أصبحت في عام 2000 عضوة في المكتب السياسي للحزب.
وفي العام نفسه، ترأست جمعية "أجيال لوبان" التي أسسها زوج أختها، صامويل ماريشال، من أجل "تحسين" صورة الحزب في الإعلام والمجتمع.
وقد بدأت فكرة "تحسين" صورة الحزب تترسخ بين الأعضاء والأنصار، وتمكنت مارين لوبان في انتخابات المقاطعات عام 2002 من الحصول على نسبة 24.24 في المئة من الأصوات بمدينة لانس، في الدور الأول، وحصلت على 32.30 في المئة من الأصوات في الدور الثاني.
وعلى الرغم من خسارتها في الانتخابات، فإن مارين لوبان اكتسبت شهرة كبيرة في انتخابات 2002، وأصبحت "شخصية سياسية صاعدة".
وبدأ خط مارين لوبان داخل حزب "الجبهة الوطنية" يتميز عن مواقف والدها منذ 2003، عندما تحدثت لأول مرة عن "ضرورة إيجاد إسلام فرنسي، لأن إسلام فرنسا، له مفهوم إقليمي".
وفي عام 2004 انتخبت في البرلمان الأوروبي، وصوتت على 42 في المئة من القوانين مع أغلبية النواب الفرنسيين.
وجمّدت مارين لوبان عضويتها في هيئات الحزب عام 2005 بعد تصريح أدلى به والدها يقول فيه إن "الاحتلال الألماني لفرنسا لم يكن بالبشاعة التي يتصورها الناس، على الرغم من الأخطاء التي يستحيل تفاديها في بلد كبير مثل فرنسا".
ومنذ ذلك التاريخ، يقول المؤرخون إنها سعت جاهدة لخلافة والدها، والترويج لرؤيتها الجديدة داخل الحزب وفي وسائل الإعلام.
الخلاف مع الزعيم الوالد
تذمرت مارين من تصريحات والدها المثيرة للجدل في وسائل الإعلام، خاصة تلك المتعلقة بالحرب العالمية الثانية، فدعت إلى تصويت أعضاء الحزب بالمراسلة من أجل تغيير قوانين الحزب وإلغاء منصب الرئيس الشرفي الذي كان يشغله والدها.
واعتبر جان ماري لوبان أن ابنته دبرت مؤامرة ضده، ولجأ إلى القضاء، فألغت المحكمة قرار تغيير قوانين الحزب والانتخابات.
ولكن المكتب التنفيذي أعلن فصل جان ماري لوبان من الحزب نهائياً يوم 20 أغسطس/ آب 2015 لتنفرد ابنته بزعامة "الجبهة الوطنية".
قيادة الحزب
بعد إعلان والدها التنحي عن قيادة الحزب عام 2010، أصبح الباب مفتوحاً أمام مارين لتزعُّم "الجبهة الوطنية"، وهو ما حصل عام 2011.
وترشحت مارين لوبان للانتخابات الرئاسية عام 2012، وحصلت على 17.90 في المئة من الأصوات وهي نتيجة كانت تعدّ خطوة مهمة للحزب، إذ إن أفضل نتيجة حققها والدها هي 16.86 في المئة من الأصوات، في انتخابات الرئاسة عام 2002.
وعادت مارين لوبان وحزبها لتحقيق نتائج متميزة في الانتخابات الأوروبية عام 2014، لتحصد قائمتها 33.61 في المئة من الأصوات، بينما حصلت قوائم الحزب الأخرى 24.90 في المئة من الأصوات.
عام 2015، شكلت كتلة برلمانية في البرلمان الأوروبي باسم "أوروبا الأمم والحريات" وانضمت إليها أحزاب رابطة الشمال الإيطالي، وحزب الحرية النمساوي، وحزب الحرية الهولندي، وفلامز بيلانغ البلجيكي، والنائبة جانيس أتكينسون المبعدة من حزب يوكيب البريطاني.
كما عادت لوبان الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2017 وتنافست في الجولة الثانية مع إيمانويل ماكرون.
وبعد الهزيمة التي تلقّتها أمام ماكرون في انتخابات 2017، غيرت لوبان اسم جبهتها الوطنية إلى "التجمّع الوطني"، إلا أن الكثير من سياساتها لم تشهد أي تغيير واضح.
وتقدّم حزب "التجمع الوطني" بطلب إلى مجلس الدولة، لإلغاء صفة المتشدد عنه، لكن مجلس الدولة ردّ الطلب في مارس/آذار 2024، وأبقى على تصنيف "اليمين المتشدد".
سباق الرئاسة 2022
عام 2022، حصد ماكرون نحو 28 في المئة من الأصوات مقابل ما يزيد عن 23 في المئة للوبان. وهذه هي أعلى نسبة حققتها لوبان في الحملات الرئاسية الثلاث التي شاركت فيها.
مثّلت تلك الانتخابات الرئاسية فشلاً جديداً للوبان في مواجهة ماكرون. ولكنّها قرّبت اليمين المتشدد من السلطة بحصوله على 41.5 في المئة من الأصوات في ظلّ الجمهورية الخامسة.
وفي الانتخابات التشريعية التي تلت ذلك، حصل حزب التجمّع الوطني على 89 نائباً، في ما شكّل رقماً قياسياً حتّى ذلك الحين.
أبرز مواقف لوبان الإشكالية
اشتهرت مارين لوبان، بموقفها المعادي للمهاجرين ودعوتها إلى الترحيل الفوري لمن يقيمون في فرنسا بصفة غير قانونية، وإمهال الأجانب الذين لا يجدون عملاً ثلاثة أشهر لإيجاد وظيفة أو الرحيل.
وتطرح لوبان فكرة الأولوية الوطنية والتي مفادها أن يكون لمن يحملون الجنسية الفرنسية الأولوية على غيرهم في السكن والمساعدات الاجتماعية والعمل (إذا كانت الكفاءة متساوية).
تُتهم مارين لوبان في فرنسا بالعنصرية وكراهية الأجانب، ولكنها تنفي ذلك، وتقول إنها تناضل ضد الهجرة وليس ضد المهاجرين كأشخاص، وإنها دافعت عنهم أمام المحاكم، عندما كانت محامية.
كما تعترض لوبان على سياسة التبادل الحر في الاقتصاد، وترى أنها تفرض على فرنسا تنافساً مجحفاً مع الدول النامية، ولذلك تقترح نوعاً من الحماية المعقولة للاقتصاد الوطني، لا تصل إلى الانغلاق تماماً. كما تدعو إلى خروج تدريجي من منطقة اليورو والعودة إلى الفرنك الفرنسي.
- هل تغيرت أراء مارين لوبان عن الانتخابات السابقة؟
- كيف ستبدو فرنسا بقيادة مارين لوبان إذا فازت بالرئاسة الفرنسية؟ - الصنداي تايمز
- مع عودة الجدل حول البوركيني، لم يظل الإسلام محور نقاش في فرنسا؟
لوبان والإسلام
تَعِد مارين لوبان، إذا وصلت إلى سدة الحكم، بتجميد جميع مشاريع بناء المساجد في فرنسا إلى غاية التحقق من مصادر تمويلها، وتوسيع قانون منع ارتداء الرموز الدينية في المدارس ليشمل الأماكن العامة، ولا تَعِد بمنع النقاب أو البرقع فحسب، بل والحجاب أيضاً.
وتدعو كذلك إلى منع ذبح الحيوانات وفق الشريعة الإسلامية، وبيع اللحم أو تقديمه في المطاعم على أنه "حلال"، أو وفق الديانة اليهودية.
وقبل ثلاثة أيام من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2022، أعلنت رغبتها في فرض غرامة مالية لمعاقبة وحظر ارتداء الحجاب، خلال مقابلة على قناة تلفزيونية.
واعتمدت لوبان في تصريحاتها الأخيرة على مبدأ "محاربة أيديولوجية استبدادية تسمى الإسلاموية" لتؤكد أنه، في حال تم انتخابها، سيتم فرض غرامة مالية على المحجبات في الشارع، معتبرة أن الشرطة الفرنسية "بارعة جداً في تطبيق ذلك".
وكانت لوبان قد قدمت في يناير/ كانون الثاني عام 2021، مشروعها لمحاربة "الأيديولوجيات الإسلامية" التي تعتبر "شمولية" وأصبحت في نظرها "في كل مكان"، والتي تنوي إبعادها عن جميع مجالات المجتمع، بدءاً من الحجاب.
التعليقات