يعتبر إسماعيل زامبادا غارسيا أحد أشهر الأسماء المرتبطة بالحرب على المخدرات والجريمة المنظمة في العالم، إذ إنه مدرج على قائمة أبرز المطلوبين أمنيا في المكسيك ودول أخرى.
كما يرد اسمه أيضا عند الحديث عما حققته واحدة من أخطر وأقوى منظمات تهريب المخدرات التي تنشط على المستوى الدولي.
يُنظر إلى زامبادا غارسيا، المعروف باسم "إل مايو"، على أنه يمثل نهاية قادة الجيل القديم والصف الأول وأولى المجموعات الضالعة في عالم المخدرات وأحد ملوكها المتبقيين.
كما يعتبر العقل المدبر الذي قام بتشكيل كارتل (عصابة) "سينالوا"، وهي عصابة جريمة منظمة مقرها في سينالوا شمالي المكسيك.
وقاد "إل مايو" عمليات "سينالوا"، مع ورثة "إل تشابو"، بارون المخدرات والشريك المؤسس السابق له.
لكن ذلك الشريك واجه مصيرا أسوء إذ سُجن مرتين وهرب، بينما جرى تعقب زامبادا فترة امتدت إلى 35 عامل تقريبا لكن لم يتم قبل الآن الإيقاع به لأنه كان ناجحا باستمرار في الإفلات من القبض عليه واستكمال مسيرته الإجرامية.
إلا أن ذلك المطارد طويلا أعتقل أخيرا بمعرفة السلطات الأمريكية في منطقة إل باسو بولاية تكساس.
وهو يواجه الآن تهما متعددة في الولايات المتحدة مرتبطة بالسجل الإجرامي التابع لـ كارتل "سينالوا" وقد دفع بالفعل ببراءته منها لدى استجوابه أمام محكمة فيدرالية في تكساس.
ووفق ما ورد في التقارير فقد تم ترحيله إلى الولايات المتحدة عن طريق استخدام الحيلة معه بعد إعداد خطة جريئة ومعقدة بالتنسيق مع نجل شريكه السابق.
إذ تم القبض على "إل مايو" مع أحد أبناء "إل تشابو" الذي قام باستدراجه كي يستقل الطائرة معه، واقنعه بمرافقته في رحلة جوية بحثاً عن أراضٍ قد تُستخدم كمهابط سرية في شمال المكسيك للطائرات المستخدمة في نشاط العصابة السري، إلا أنه استسلم وسلمه وظهر أن الطائرة التي كانت يفترض بها التوجه شمالا قد هبطت في إل باسو بالولايات المتحدة.
"هل أنت قلق من فكرة السجن؟" هذا السؤال تلقاه “إل مايو” عندما أجرى معه الصحفي المكسيكي الراحل، خوليو شيرير غارسيا، مقابلة غير مسبوقة معه دفعته إلى أن يسافر إلى أعماق الجبال لإجرائها. أجاب تاجر المخدرات حينها بأن: "فكرة السجن تجعلني أشعر بالذعر. لست متأكدًا من أنني أملك ما يتطلبه قيامي بإنهاء حياتي. أود أن أعتقد أنني أملكه وأنني سأقدم على خطوة الانتحار".
بالنسبة لشخص مارس مثل هذا الحذر لسنوات طويلة، فإن عملية خداعه وهو في السادسة والسبعين من عمره ستبدو مشهدا من قصص خيالية.
ويقول مايك فيجيل، وكيل إدارة مكافحة المخدرات السابق: "لا يفاجئني أن زامبادا لم يسلم نفسه طواعية". "إنه في السبعينيات من عمره، ويعاني من سوء الصحة وقد قال بالفعل أن السجن كان أعظم مخاوفه".
وبعد الإعلان عن توقيف الرجلين وعن والصفقة المحتملة التي قد تكون عقدتها الحكومة الأمريكية مع أبناء إل تشابو الذين تولوا مهام والدهم في العصابة، ، إن هناك سؤالا يفرض نفسه بشأن الشخصية التي سوف تتولى زمام قيادة التشكيل العصابي مستقبلا.
يذكر أنه ومن بعد اعتقال "إل تشابو" وتسليمه إلى الولايات المتحدة في عام 2016، وقعت أعمال عنف واسعة وتصارعت العناصر الداخلية المتنافسة من أجل الاستيلاء على أراض ومناطق زارعة النباتات المخدرة كما واشتبكت العصابة مع خصومها من عصابات المخدرات الأخرى الذين أدركوا نقاط ضعف.
وكان رد الفعل على اعتقال أحد أبناء "إل تشابو"، أوفيديو غوزمان لوبيز، في تشرين الأول أكتوبر 2019 أكثر عنفا وسوءا من قبل العناصر المدججة بالسلاح التي كان يترأسها. فبعد اعتقاله، اقتحم حراسه، ومئاتُ المسلحين، مدينة كولياكان بشمال غرب المكسيك وفتحوا النار على أهداف مدنية وشرطية وعسكرية بأسلحة من عيار 50 بوصة (ثقيلة) وقاذفات صواريخ. وفي النهاية، قامت السلطات المكسيكية بإعادة أوفيديو غوزمان إلى رجاله لإنهاء القتال ووضع حد لإراقة الدماء.
لكن ألقي القبض عليه لاحقا من جديد وتم تسليمه للولايات المتحدة وهو قابع في أحد السجون هناك حاليا منتظرا محاكمته
يعتقد مايك فيجيل أن انفجاراً مماثلاً للعنف، والذي أصبح معروفاً باسم كولياكانازو، يمكن تجنبه هذه المرة:
ويقول: "إن عصابة سينالوا لديها مجموعة قوية للغاية من الزعماء المحتملين الذين قد يتولون السلطة بما في ذلك شقيق إل تشابو".
في واقع الأمر، يزعم فيجيل أن الاستراتيجية الأمنية التي تركز على الإطاحة بزعماء العصابات نادراً ما تكون ناجحة.
“تحت حكم الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون، تمخض عن هذا الأسلوب صراعات داخلية داخل الكارتلات والتي تمخض عنها بدورها إراقة واسعة للدماء.”
وإذا عادت تلك المعارك واشتعلت على المنوال نفسه هذه المرة أيضا، كما يرى وكيل إدارة مكافحة المخدرات السابق مايك فيجيل، فإن “الرابح الوحيد هم العصابات المنافسة"
مع ذلك، فإنه لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يحدث خلال فترات شغور أو انتقال السلطة المحتملة في صفوف تلك العصابات والمنافسات التي قد تتولد عنها. ولهذا أرسلت السلطات المكسيكية بالفعل قوات إضافية إلى ولاية سينالوا تحسبا لأي تفجر لأعمال العنف.
والسؤال الآخر الذي يُطرح في سياق اعتقال زامبادا هو: لماذا الآن؟
كان الفخ الذي نُصب للأخير قد جرى الإعداد له قبل أشهر عندما بدت تتجمع خيوط الخطة، وعلى الرغم من الشكوك التي ساورت السلطات الفيدرالية الأميركية أولا بشأن فرص نجاح الإيقاع بزامبادا، إلا أنها وفي نهاية المطاف قررت أنها لن تخسر شيئا إذا أكملت المحاولة.
ولكن السبب الأبرز من وراء هذا التوقيت، كشف عنه كلام المدعي العام الأميركي ميريك غارلاند في رسالة مصورة أكد فيها الاعتقالات وقال إن "مادة الفنتانيل المخدرة هي التهديد الأكثر فتكًا" الذي واجهته بلاده على الإطلاق، ووعد بأن وزارة العدل الأمريكية “لن ترتاح حتى يتم محاسبة كل زعيم أو عضو أو شريك في العصابة المسؤولة عن تسميم مجتمعاتنا".
تتهم الولايات المتحدة عصابة سينالوا بالمسؤولية إلى حد كبير عن تفشي مادة الفنتانيل المخدرة على نطاق واسع على الأراضي الأميركية والتي أضحت الآن من مسببات الوفاة الرئيسية بين الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و45 عامًا بسبب الجرعات الزائدة منها.
إنها ولاشك بيانات صادمة وقد تكون استرعت انتباه المسؤولين في إدارة بايدن على مستوى آخر، خصوصا في عام انتخابي.
لقد جمع كل من الـ "تشابيتوس" و"إل مايو" مليارات الدولارات من وراء الإتجار بمادة الفنتانيل عبر الحدود الأميركية المكسيكية، التي يسهل إنتاجها ونقلها دون الحاجة إلى زرع كميات كبيرة من نبات الكوكا في سلاسل جبال الأنديز كما هو الحال عند تصنيع مخدر الكوكايين.
ويقول الخبراء إن القضاء التام على آفة الفنتانيل وتهريبها من الساحل للساحل هو أمر شبه مستحيل.
ذلك أن عائدتها مربحة جدا بالنسبة لعصابات المخدرات وتدر المال الوفير عليها. كما أنها تتصدر قائمة أسباب الصراعات التي تدور بين تلك العصابات في المكسيك
ومع ذلك، فإن السلطات الفيدرالية في الولايات المتحدة تريد تسديد ضربات قوية للمخدرات التي تتقوم بتصنيع وترويج المخدرات، وتقويض نفوذها، وتفكيك قياداتها حيثما أمكن ذلك.
إن اعتقال "إل مايو" زامبادا ــ حتى بعدما صار طاعناً في السن، ويعاني من سوء الصحة، بالتالي هي غاية أصيلة في إطار إنفاذ هذه الاستراتيجية وبالرغم من الوسيلة المستخدمة للوصول إليه وتعرضه لغدر المقربين.
التعليقات