إذا كان حرف "Z" (زد) الرمز الذي اتخذته روسيا لغزوها، فإن المثلث يمثل المحاولة الأكثر جرأة التي تبذلها أوكرانيا لصدها.
ويلصق هذا المثلث أو يرسم على جوانب كل شاحنة إمداد، أو دبابة، أو ناقلة أفراد تتجه نحو الحدود الروسية في منطقة سومي.
وأدى الهجوم إلى استيلاء القوات المتوغلة على مئات الكيلومترات المربعة من الأراضي الروسية، وأعاد الزخم والمعنويات بشكل ملموس إلى جهود الحرب الأوكرانية.
وتحدث المسؤول الروسي عن منطقة كورسك الحدودية عن 28 مستوطنة تحت السيطرة الأوكرانية، وفرار نحو 200 ألف روسي من منازلهم.
وقد عاد توماش للتو من مهمة عبر الحدود في أوكرانيا برفقة زميله "أكورد"، الذي قال بلا مبالاة إن الأمر كان "رائعا".
وأمضت وحدة الطائرات المسيرة يومين في تمهيد الطريق للتوغل عبر الحدود.
ويعترف توماش، وهو يتوقف لتناول القهوة في محطة بنزين: "تلقينا أوامر بالمجيء إلى هنا، لكننا لم نكن نعرف ماذا يعني ذلك."
"عطلنا وسائل الاتصال والمراقبة للعدو مسبقا لتمهيد الطريق".
ولا تعرف بالتأكيد مساحة الأراضي الروسية التي استولت عليها القوات المتوغلة، وتوجد شكوك بشأن ادعاء القائد العام أوليكساندر سيرسكي بالاستيلاء على 1000 كيلومتر مربع.
وأصرت وزارة الدفاع الروسية الثلاثاء على أن المحاولات الأوكرانية للتوغل بشكل أعمق أحبطت.
إن ما يبدو، مهما كانت الحقيقة، هو أن كييف ملتزمة بهذه المقامرة العسكرية.
وتقول وزارة الدفاع الروسية إن القوات الأوكرانية فقدت خلال المعارك ما يصل إلى 2030 عسكريا، و35 دبابة، و31 ناقلة جنود مدرعة، و18 مركبة قتالية للمشاة، و179 مركبة قتالية مدرعة أخرى، و78 مركبة، وأربعة أنظمة صواريخ مضادة للطائرات، ومنصتين لإطلاق الصواريخ المتعددة و14 مدفعية ميدانية، بحسب ما ذكرته وكالة تاس الروسية للأنباء.
وتفيد الوزارة بأن تدمير التشكيلات الأوكرانية في منطقة كورسك لا يزال جارياً.
وتقول إن الطائرات الروسية ضربت احتياطيات القوات المسلحة الأوكرانية في مناطق ميروبولي وموجريتسيا وبتروشيفكا في منطقة سومي.
إن مستوى النشاط في منطقة سومي المجاورة شيء لم أره منذ عمليات التحرير في عام 2022، عندما كان هناك زخم وقوة دفع في أوكرانيا.
لا شك أن العملية العسكرية انتقال مرحب به من حرب الاستنزاف الطاحنة التي استمرت 18 شهراً، لكن وصفها بالنجاح أو الفشل أمر سابق لأوانه.
وهدف الهجوم غير واضح، على الرغم من أن الرئيس فولوديمير زيلينسكي تحدث عن استهداف المواقع التي يمكن لروسيا من خلالها شن هجمات على أوكرانيا وإيجاد "سلام عادل".
لكن من الواضح أن كييف تنشر هناك بعضا من أفضل قواتها.
ويتجمع الجنود ذوو المظهر اللائق حول المركبات التي تتناسب مع عضلاتهم. ويرفض معظمهم التحدث بأدب. ويبدو بعضهم مرهقا.
ويخبرنا جندي لا يزال في الأراضي الروسية عبر تطبيق تليغرام بأن أشهرا من التخطيط كانت كافية لإجبار موسكو على نقل القوات من أجزاء أخرى من خط المواجهة في أوكرانيا.
ويقول: "نجح عنصر المفاجأة. دخلنا بسهولة مع القليل من المقاومة، في 6 أغسطس/آب، عبرت المجموعات الأولى ليلا في عدة اتجاهات".
ويضيف: "وصلوا على الفور تقريبا إلى الضواحي الغربية لمدينة سودجا".
في عمليات مثل هذه، لا بد من توفر السرية بين الجنود الذين ينفذونها. لكن لا يمكن قول الشيء نفسه عن المدنيين.
إذ يجلى عشرات الآلاف، على جانبي الحدود، بعد زيادة الضربات الجوية والقتال.
ويشرح الجندي ذلك قائلا: "المدنيون الروس الذين نلتقي بهم لا يقاومون. "نحن لا نمسهم، لكنهم إما يعاملوننا بحدة أو سلبية، وإما لا يعاملوننا على الإطلاق".
ويضيف: "إنهم يخدعوننا أيضا بشأن مواقع القوات الروسية".
ويؤكد الجنود الذين تحدثنا إليهم أن القوات الروسية أعيد نشرها بالفعل من خط الجبهة الشرقي، بما في ذلك مناطق ناحية خاركيف وبوكروفسك وتوريتسك.
ولكن لم يتحدث أي منهم عن تباطؤ في تقدم القوات الروسية، حتى الآن.
لقد وعد فلاديمير بوتن بـ"رد لائق" على أول استيلاء على أراض روسية منذ الحرب العالمية الثانية.
ولكن لم يسر بعد أي شعور بالخوف كان بوتين ينوي نشره بين سكان المستوطنات الحدودية المتربة التي تقصفها قواته عادة.
ويقول ميشا الذي مر بنا هو وصديقه فاليرا في سيارتهما لادا البرتقالية في قرية ستيتسكيفكا: "أريد منهم أن يستولوا على منطقة كورسك كلها، يجب أن يستولوا على كل شيء، حتى موسكو!"
إنها حالة من الغضب المتأصل بين الأوكرانيين هناك لأنهم على الجانب المتلقي للغزو الروسي الشامل الذي بدأ في فبراير/شباط 2022.
ويعلق فاليرا وهو يفتح نافذة السيارة من جهته: "هاجمت روسيا أولا، وليس نحن. الآن استجاب رجالنا وأظهروا ما نحن قادرون عليه. كنا سنسيطر عليها في وقت سابق لو حصلنا على إذن".
يبدو أن أوكرانيا حصلت أخيرا على الضوء الأخضر الذي كانت تتوق إليه من الغرب للضرب عبر الحدود.
ولا تزال المخاطر عالية بشكل مخيف، كما يتضح من الدفاعات الجديدة التي تبنيها السلطات على مشارف مدينة سومي.
كانت المنطقة، حتى الأسبوع الماضي، تخشى هجوما روسيا في شمال أوكرانيا. وإذا فشل غزو أوكرانيا، فقد تتحقق هذه المخاوف بسرعة.
كانت القوات الأوكرانية، ولا تزال، أقل عددا من المعتدين الروس.
وكتب جندي أوكراني: "لكي نحافظ على سيطرتنا على هذه الأراضي الروسية، نحتاج إلى أمرين: وقوع المزيد من المدن مثل سودجا تحت سيطرتنا، والاحتياطيات".
وأضاف: "انفجر خطنا الأمامي بالفعل، وليس من الواضح من أين سنحصل على تلك الاحتياطيات".
وتأمل كييف في أن تجبر روسيا على تحويل التركيز من القتال على الأراضي الأوكرانية إلى القتال على أراضيها.
ويعتقد البعض في أوكرانيا أن هذا الهجوم المضاد قد يعزز موقفها في أي مفاوضات سلام تتم في المستقبل.
كما قد يدفع ذلك المحادثات إلى أبعد من ذلك.
لكن روديون ميروشنيك، السفير الروسي في وزارة الخارجية، يرى أن كييف علقت محادثات السلام مع موسكو لفترة طويلة بشنها هجمات على منطقة كورسك.
التعليقات