إيلاف من بيروت: يعد حزب الله اللبناني الذي أعلن الأحد شن هجوم كبير على إسرائيل ردا على اغتيال فؤاد شكر أحد كبار قادته العسكريين، أحد أكثر الجماعات غير الحكومية تسليحا في العالم.

ومنذ حربه في 2006 ضد الدولة العبرية، طور الحزب ترسانته التي باتت تضم صواريخ موجهة وأخرى دقيقة، واكتسب دورا إقليميا متناميا. فكيف تأسست هذه القوة العسكرية المدعومة من إيران وما الأسلحة التي تملكها؟ موقع "فرانس 24" يقدم تقريراً شاملاً يتضمن هذه الجوانب.

يعول حزب الله اللبناني على ترسانة كبيرة من الأسلحة خلال العمليات القتالية التي يخوضها عبر الحدود مع إسرائيل منذ أكثر من 10 أشهر التي يقول إنه يستهدف بها مواقع عسكرية، ويرد الجيش الإسرائيلي بقصف ما يصفه بـ"بنى عسكرية" تابعة للحزب ويستهدف قيادييه.

الترسانة العسكرية.. كيف هي الآن؟
طور حزب الله الذي أعلن الأحد شن هجوم كبير على إسرائيل، ترسانته العسكرية منذ الحرب المدمرة التي خاضها صيف 2006 ضد الدولة العبرية، واكتسب دورا إقليميا متناميا. ويؤكد الحزب الله أنه لم تستخدم سوى جزء صغير من أسلحته حتى الآن.

وكان حسن نصر الله قد توعد بالرد على ضربة إسرائيلية قتلت فؤاد شكر، أحد كبار قادة الحزب العسكريين في 30 تموز (يوليو) في غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت. وأعلن الأحد أنه "أنجز" المرحلة الأولى من الرد بـ"نجاح"، مؤكدا استهداف ثكنات ومواقع عسكرية. فيما قال الجيش الإسرائيلي إنه أحبط هجوما أكبر بكثير عندما شن ضربات استباقية.

يعتبر حزب الله ، وهو القوة اللبنانية الوحيدة غير القوات الأمنية الرسمية التي تملك ترسانة سلاح ضخمة، المكون الأكثر نفوذا بين تشكيلات "محور المقاومة" الذي تقوده طهران ويضم إلى جانب الحزب، حركة حماس الفلسطينية، والحوثيين في اليمن، وفصائل عراقية وأخرى سورية.

مرحلة التأسيس
تأسس حزب الله بمبادرة إيرانية بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982. وعرف انطلاقته الأولى في منطقة البقاع قبل أن يتوسع إلى مناطق لبنانية أخرى، وخصوصا جنوب البلاد والضاحية الجنوبية لبيروت. لكن لم يُعلن عن تأسيسه حتى عام 1985.

وبنى الحزب الذي يؤكد أن مرجعيته هي "ولاية الفقيه"، عقيدته السياسية على أساس مقاومة إسرائيل. ويعتبر حزب الله رأس الحربة في انسحاب إسرائيل من لبنان العام 2000 بعد 22 عاما من الاحتلال.

وخاض الحزب الذي يتلقى المال والسلاح من طهران وتسهل سوريا نقل أسلحته وذخائره، حربا ضد إسرائيل في العام 2006 اندلعت إثر خطفه جنديين بالقرب من الحدود مع لبنان.

وردت إسرائيل بهجوم مدمر، إلا أنها لم تنجح في تحقيق هدفها المعلن في القضاء على حزب الله، ما أظهره في نهاية الحرب داخليا بموقع المنتصر.

وتسببت الحرب على مدى 33 يوما بمقتل 1200 شخص في لبنان معظمهم مدنيون و160 إسرائيليا غالبيتهم عسكريون.

وانتهت الحرب بصدور القرار الدولي 1701 الذي أرسى وقفا للأعمال الحربية بين إسرائيل وحزب الله وعزز انتشار قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان. وبموجبه، انتشر الجيش اللبناني للمرة الأولى منذ عقود على الحدود مع إسرائيل بهدف منع أي وجود عسكري "غير شرعي" عليها.

ترسانة حزب الله العسكرية
لدى حزب الله ما يصل إلى 150 ألف صاروخ وقذيفة، وفقا لكتاب حقائق العالم الصادر عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.

ويقول حزب الله إن لديه صواريخ يمكنها ضرب جميع مناطق إسرائيل. والكثير من تلك الصواريخ غير موجهة، لكن الجماعة لديها أيضا طائرات مسيرة وصواريخ مضادة للدبابات والطائرات والسفن وقذائف دقيقة.

وقال الأمين العام للجماعة حسن نصر الله في 2021 إن لدى الجماعة 100 ألف مقاتل. ويقول كتاب حقائق العالم إن التقديرات في 2022 تشير إلى أن عدد المقاتلين بلغ 45 ألفا وأن 20 ألفا منهم متفرغون.

صواريخ وقذائف الهجمات الأرضية
شكلت القذائف غير الموجهة الجزء الأكبر من ترسانة حزب الله الصاروخية في حربها مع إسرائيل عام 2006، عندما أطلق نحو أربعة آلاف صاروخ على إسرائيل، معظمها كاتيوشا يصل مداها إلى 30 كيلومترا.

وقال نصر الله إن أكبر تغيير في ترسانة الجماعة منذ 2006 هو التوسع في أنظمة التوجيه الدقيق لديها وإن حزب الله لديه القدرة على تزويد الصواريخ بأنظمة توجيه داخل لبنان.

ويمتلك حزب الله أنواعا إيرانية، مثل صواريخ رعد وفجر وزلزال، التي تتميز بحمولة أقوى ومدى أطول من صواريخ كاتيوشا.

وشملت الصواريخ التي أطلقها حزب الله على إسرائيل خلال حرب غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول صواريخ كاتيوشا وبركان بحمولة متفجرة تتراوح بين 300 و500 كيلوغرام.

واستخدمت الجماعة لأول مرة في يونيو/حزيران صواريخ فلق 2 إيرانية الصنع التي يمكنها حمل رأس حربي أكبر من صواريخ فلق 1 المستخدمة في الماضي.

صواريخ مضادة للدبابات
استخدمت الجماعة الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات بشكل مكثف في حرب 2006 ونشرت صواريخ موجهة مجددا، من بينها صواريخ كورنيت روسية الصنع.

وأفاد تقرير بثته قناة الميادين الموالية لإيران بأن حزب الله استخدم أيضا صاروخا موجها إيراني الصنع يُعرف باسم (ألماس).

ووصف تقرير من مركز ألما للأبحاث والتعليم الإسرائيلي صاروخ ألماس بأنه يمكنه ضرب أهداف خارج خط الرؤية متبعا مسارا مقوسا، مما يمكنه من الضرب من أعلى.

وأضاف التقرير أن هذا الصاروخ من عائلة أسلحة صنعتها إيران من خلال الهندسة العكسية اعتمادا على عائلة الصواريخ سبايك الإسرائيلية.

صواريخ مضادة للطائرات
أسقط حزب الله طائرات مسيرة إسرائيلية عدة مرات خلال هذا الصراع باستخدام صواريخ أرض-جو، منها طائرات مسيرة من طرازي هيرميس 450 وهيرميس 900.

وعلى الرغم من الاعتقاد السائد منذ فترة طويلة بأن حزب الله لديه صواريخ مضادة للطائرات، كانت هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها الجماعة هذه الأسلحة.

وفي سابقة أخرى، قال حزب الله إنه أطلق النيران على طائرات حربية إسرائيلية، مما أجبرها على مغادرة المجال الجوي اللبناني دون أن يذكر نوع السلاح الذي استخدمه. ولم تصب النيران أي طائرة.

طائرات مسيرة
شن حزب الله عدة هجمات بطائرات مسيرة ملغومة وقال إنه يستخدم طائرات مسيرة تسقط قنابل وتعود إلى لبنان.

واستخدم حزب الله الطائرات المسيرة في بعض هجماته بهدف إبقاء الدفاعات الجوية الإسرائيلية منشغلة بينما كانت طائرات مسيرة أخرى تحلق صوب أهدافها.

وتتضمن ترسانة حزب الله طائرات مسيرة مجمعة محليا من طرازي أيوب ومرصاد، ويقول محللون إنه من الممكن إنتاج هذه الطائرات بسعر رخيص وبكميات كبيرة.

صواريخ مضادة للسفن
أثبت حزب الله لأول مرة أن لديه صواريخ مضادة للسفن في 2006 عندما أصاب سفينة حربية إسرائيلية على بعد 16 كيلومترا قبالة الساحل مما أدى إلى مقتل أربعة إسرائيليين وإلحاق أضرار بالسفينة.

وتقول مصادر مطلعة على ترسانة حزب الله إنه حصل منذ حرب 2006 على الصاروخ ياخونت روسي الصنع المضاد للسفن والذي يصل مداه إلى 300 كيلومتر. ولم يؤكد حزب الله قط امتلاكه هذا السلاح.

معترك السياسة
في لبنان، يشكل حزب الله قوة سياسية أساسية. ويتهمه خصومه بأنه يتحكم بـ"قرار السلم والحرب" في البلاد، ويشكل "دولة ضمن الدولة".

بعد انتهاء الحرب اللبنانية (1975-1990)، رفض حزب الله التخلي عن أسلحته كما فعلت الميليشيات اللبنانية الأخرى، بحجة مقاومة إسرائيل.

ويأخذ خصوم الحزب عليه أنه يستخدم السلاح كوسيلة ضغط على الحياة السياسية اللبنانية وللتحكم بالقرارات المصيرية.

وشارك الحزب في الحكومة اللبنانية لأول مرة عام 2005، ولا يزال حاضرا في الحكومة وفي البرلمان حيث لا يحظى أي طرف بغالبية، ما يعيق انتخاب رئيس جديد للجمهورية منذ نحو عامين.

وتصاعدت شعبية الحزب ونفوذه في أوساط الطائفة الشيعية بشكل كبير لا سيما بعد تأسيسه شبكة خدمية واسعة، تضم مستشفيات ومدارس وتعاونيات وجمعيات تابعة له.

"منظمة إرهابية"
وتتهم واشنطن الحزب بتفجير مقري القوات الأمريكية والفرنسية في تشرين الأول (أكتوبر) 1983 في بيروت، ما أسفر عن مقتل 300 عنصر من هذه القوات، وفي وقت لاحق عن انسحاب هذه القوات من لبنان.

وتصنف الولايات المتحدة حزب الله "منظمة إرهابية" منذ العام 1997. في العام 2013، وضع الاتحاد الأوروبي ما وصفه بـ"الجناح العسكري" لحزب الله على لائحته لـ"المنظمات الإرهابية".

وأعلنت وزارة العدل الأمريكية في كانون الثاني (يناير) 2018 إنشاء وحدة خاصة للتحقيق "حول تمويل حزب الله والاتجار بالمخدرات"، وتفرض واشنطن عقوبات على عدد من قادة الحزب.

وأدانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عنصرين من حزب الله بالتورط في مقتل رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في عملية تفجير استهدفت موكبه في بيروت عام 2005. وحكمت عليهما بالسجن غيابيا عام 2022.

"محور المقاومة"
خلال العقد الأخير، تحوّل حزب الله تدريجا إلى لاعب هام على مستوى المنطقة وعنصر أساسي في "محور المقاومة".

ومنذ الثامن من تشرين الأول (أكتوبر)، يتبادل الحزب القصف مع إسرائيل بشكل يومي "دعما" لغزة و"إسنادا" لمقاومتها.

ونزح سكان شمال إسرائيل منذ ذلك الحين. ويهدد مسؤولون إٍسرائيليون باستمرار بأنهم "سيدمرون" لبنان إذا اقتضى الأمر لوقف الخطر الناجم عن وجود حزب الله على حدودهم.

في العراق، وخصوصا بعد سقوط النظام السابق برئاسة صدام حسين، قدم حزب الله على مدى سنوات الدعم والتدريب إلى فصائل مسلحة موالية لإيران تبنت منذ تشرين الأول (أكتوبر) هجمات عدة ضد قوات للتحالف الدولي وقوات أمريكية في سوريا والعراق.

في اليمن، يُتهم حزب الله بدعم الحوثيين الذين ينفذون منذ بدء الحرب، هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إلى موانئها، ما استدعى ضربات من الولايات المتحدة وحلفائها.

في العام 2013، أعلن حزب الله مشاركته بشكل علني في النزاع في سوريا المجاورة، إلى جانب قوات النظام. وهناك، طور مقاتلو الحزب خبرتهم وقدراتهم العسكرية.