ركزت العديد من الصحف اهتمامها في تحليلاتها وافتتاحياتها، على الهجوم الموسع لحزب الله على إسرائيل، في رد "أولي" على مقتل القيادي فؤاد شكر الذي اغتيل الشهر الماضي.

ونبدأ عرض الصحف من صفحة الرأي في صحيفة الغارديان البريطانية ومقال لسايمون تيسدال بعنوان "مع الهجوم الإسرائيلي على لبنان، أصبح احتمال السلام بعيد المنال".

ويقول الكاتب إن التصعيد المفاجئ والمثير للقلق في القتال بين إسرائيل وحزب الله في لبنان هذا الأسبوع، هو بالضبط ما كانت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا تعمل جاهدة لمنعه منذ اغتيال إسرائيل لزعيم حماس، إسماعيل هنية، في طهران منذ نحو شهر.

ويصف كاتب المقال العنف المتجدد بأنه "انتكاسة خطيرة" محتملة لجهود السلام الدولية، ويمثل ضربة للرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي تبددت آماله في التوصل إلى تسوية أوسع في الشرق الأوسط قبل مغادرته منصبه.

ويرجح الكاتب أن يؤثر القتال سلباً على محادثات وقف إطلاق النار غير المباشرة بين إسرائيل وحماس، وإطلاق سراح الرهائن، موضحاً أن حزب الله متحالف بشكل وثيق مع حماس، وأن كلا المنظمتين يرعاهما ويديرهما إلى حد ما النظام الديني في إيران.

وسلط تيسدال الضوء على أن الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة في غزة في الأيام الأخيرة أسفرت عن مقتل العشرات من الفلسطينيين، موضحاً أن حصيلة القتلى منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول تجاوزت 40 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين. كما تتسارع وتيرة عنف المستوطنين اليهود والاستيلاء على الأراضي في الأراضي المحتلة.

وأعرب الكاتب عن مخاوفه من أن تندمج كل هذه الصراعات في حرب إقليمية ضخمة تجتذب وكلاء إيرانيين آخرين في اليمن وسوريا والعراق، ما يفرض بدوره رداً عسكرياً من الولايات المتحدة وحلفائها، الذين عززوا وجودهم العسكري في الأسابيع الأخيرة.

واستخدم الكاتب تعبير "الكابوس النهائي" في وصف مخاوفه بشأن مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل.

وعلى الرغم من أن المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، قد أعلن بعد اغتيال هنية أن إيران ملزمة بمعاقبة إسرائيل، فيما بدا وكأنه تهديد بحرب شاملة، إلا أن هذا حتى الآن لم يتحقق.

وربما كان ما تسميه إسرائيل "العمل الاستباقي" ضد حزب الله مدفوعاً جزئياً بالمخاوف من أن الرد الإيراني الموعود قد بدأ، بحسب المقال.

ولا يرجح الكاتب الشكوك في أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد اغتنم الفرصة عمداً من خلال هجومه على حزب الله، لتصعيد المواجهة الحدودية مع الجماعة اللبنانية، والتي كانت مشتعلة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

ويقول إن معارضي نتنياهو يتهمونه، "مع بعض الحق"، بعرقلة اتفاق غزة في سعيه غير الواقعي إلى "النصر الكامل"، وتأجيج صراع موسع عمداً لمساعدته على البقاء السياسي.

ويرى الكاتب أن استراتيجية نتنياهو أدت إلى تعميق الانقسامات الاجتماعية والسياسية داخل إسرائيل، وإثارة غضب أسر الرهائن في غزة وإرباك حلفاء إسرائيل، مضيفاً أن العلاقات بين الحكومة والولايات المتحدة، الحليف الرئيس لإسرائيل ومورد الأسلحة لها، قد وصلت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق.

وذكر الكاتب مزاعم بأن نتنياهو ويحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، تجمعهما مصلحة مشتركة في إبقاء نيران الحرب والكراهية والانقسام مشتعلة، لأنهما إذا فشلا، فإن ذلك سيهدد مستقبلهم كأفراد.

ومع ذلك، فإن "الانفجار الشامل المخيف" لم يحدث حتى الآن، بحسب الكاتب، الذي أشار إلى أن القتال الأخير بين إسرائيل وحزب الله كان مذهلاً، إلا أنه محدود النطاق، حيث أن الطرفين تجنبا "إلى حد كبير" استهداف المدنيين.

ويحث الكاتب حلفاء إسرائيل على أن يفكروا ملياً قبل أن يهبوا للنجدة مرة أخرى، إذا حاول نتنياهو استخدام هذه المواجهة ليثبت للأميركيين والغرب أن إسرائيل تتعرض لتهديد مباشر أو إذا أقدم على التصعيد مرة أخرى.

وحذر مقال الغارديان من أن التهديد الأكبر الحالي لوجود إسرائيل ووقف إطلاق النار في غزة "ليس خارجياً، وإنما من الداخل".

"الوحل الاستراتيجي"

طائرة مقاتلة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي تطلق قنابل ضوئية خلال تحليقها لاعتراض طائرة معادية انطلقت من لبنان فوق المنطقة الحدودية في 25 أغسطس/آب 2024
AFP

وننتقل إلى صحيفة هآرتس الإسرائيلية وتحليل للكاتبة نوا لاندو بعنوان "الضربة الاستباقية التي شنتها إسرائيل على لبنان جعلتها تغرق في نفس الوحل الاستراتيجي".

وتقول الكاتبة إنه بالنسبة لمعظم مواطني إسرائيل الذين استيقظوا بعد إحباط هجوم حزب الله الصاروخي من الشمال، كان الصباح به من التوتر الكثير، حيث أصدرت قيادة الجبهة الداخلية للجيش تعليمات طارئة في جميع أنحاء البلاد، لكن الأجواء العامة كانت تنم عن نجاح عسكري.

وعلى الرغم مما وصفتها الكاتبة بـ"النغمة الاحتفالية" للجيش الإسرائيلي، إلا أن حزب الله لا يزال يشكل تهديداً لشمال إسرائيل، تماماً كما كان ليلة السبت، ولا تزال المنطقة خالية تماماً كما كانت طيلة الأشهر العشرة الماضية، في إشارة من الكاتبة إلى عدم عودة سكان الشمال إلى بيوتهم.

وأوضحت الكاتبة أن منطقة تل أبيب عادت إلى العمل كالمعتاد بسرعة كبيرة، وأن بورصة تل أبيب سجلت مكاسب عندما فتحت أبوابها، ومع ذلك، فإن رؤساء البلديات والمجالس المحلية في الشمال كانوا غاضبين من الحكومة، حيث أكد لهم هجوم الأحد أن الدولة "عاجزة" عن إزالة التهديد المستمر لمنطقتهم، وأنها لم تجعل حزب الله "يستسلم" على الإطلاق.

وثمّنت الكاتبة منع الهجوم المخطط له على أهداف في وسط إسرائيل، واصفة إياه بأنه "إنجاز عسكري تكتيكي مثير للإعجاب" لكنه في الوقت ذاته "محدود" بالنسبة لإسرائيل.

وتؤكد الكاتبة على ضرورة أن تعمل إسرائيل على التوصل إلى صفقة دبلوماسية شاملة لإعادة الرهائن وإنهاء الحرب في قطاع غزة، "كي تنتشل نفسها من الوحل الإقليمي الأوسع نطاقاً".

وترى الكاتبة أن المحادثات بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ليست سوى "الخطوة الأولى نحو الحل" الذي يضمن عودة الهدوء على الحدود الشمالية، ما سيفتح الباب أمام الطريق الدبلوماسي المطلوب للتعامل مع حزب الله.

وتستعين الكاتبة بما قاله المعلق في هآرتس في باريل في الأسابيع الأخيرة، عن أن حزب الله لا ينوي حتى بعد التوصل إلى اتفاق في قطاع غزة نزع سلاحه على الفور أو الانسحاب إلى ما وراء نهر الليطاني. وبالتالي، سوف تظل إسرائيل في حاجة إلى اتخاذ خطوة، سواء عملية أو رمزية، للسماح بعودة مواطنيها إلى الشمال الذي يواجه تهديدات، بحسب المقال.

وتقول الكاتبة إن المسؤولين الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي يرون أن الحل الدبلوماسي للتصعيد في الشمال يجتذب اهتماماً إسرائيلياً أقل بكثير من الاتفاق المحتمل بشأن غزة، ومع ذلك فإن هذا التصعيد يسبب قلقا كبيرا للمجتمع الدولي خلف الكواليس.

وتطرح الكاتبة تساؤلات كثيرة ما زالت مفتوحة عن مدى إمكان ردع حزب الله، وعن الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان وجيشه وعن الوضع الإشكالي لقوات اليونيفيل.

وتختتم الكاتبة مقالها مؤكدة على الحل الدبلوماسي، قائلة إنه على الرغم من مزاعم الساسة الشعبويين في الحكومة اليمينية دائماً أن القوة العسكرية "أخضعت" الجانب الآخر، إلا أن أي جولة من التصعيد الإقليمي لم تنته إلا بتفاهمات دبلوماسية، بوساطة لاعبين دوليين.

"و سواء اعترفت حكومة نتنياهو بذلك أم لا، فإن هذا سيكون الحل الوحيد للتصعيد الحالي في الشمال أيضا".