يتجه اليمين المتطرف في ألمانيا ت نحو كسب أكبر عدد من الأصوات، في الانتخابات المحلية، لأول مرة، منذ الحقبة النازية.

ويعد صعود حزب البديل من أجل ألمانيا، بالنسبة لبعض الألمان، كابوسا حقيقيا.

ولكن آخرين، في الشرق خصوصا، يرون في ذلك فرصة للتغيير.

وظلت الحرارة السياسية تتصاعد طوال العام، وربما تصل إلى درجة الغليان الأحد في انتخابات تورينجيا وساكسونيا.

وعندما صعد المستشار أولف شولتز على المنصة في مدينة تورينجيا، هذا الأسبوع، صرخت في وجهه مجموعة الناس: "كذاب".

وردد آخرون شعارات "خائن الشعب"، التي يرى فيها الكثيرون إيحاء إلى النازية.

فشعبية الحزب الديمقراطي الاجتماعي وشريكاه البيئة واللبيرالي تدنت كثيرا في تورينحيا. وقد لا تحصل هذا الأحزاب مجتمعة على صوت واحد، في الانتخابات المحلية. بينما يتصدر حزب البديل من أجل ألمانيا استطلاعات الرأي.

وفي مقاطعة ساكسونيا المجاورة يتساوى البديل من أجل ألمانيا مع حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي "سي دي يو"، في الشعبية.

وجاءت حادثة الأسبوع الماضي، التي يتهم فيه لاجئ سوري بقتل ثلاثة أشخاص طعنا، لتؤجج الانتقادات الموجهة للحكومات المتتالية بسبب تعاملها مع الهجرة.

وسارع الوزراء إلى الإعلان عن تشديد القوانين المتعلقة باللجوء وجراء الطعن. ولكن من المستعبد أن يخفف هذا الإعلان الغضب الواسع، لدى أنصار حزب البديل من أجل ألمانيا، من الهجرة الجماعية.

ويتحدث الناس أيضا عن مواجهة السياسات البيئية التي يرونها متشددة، وتدخل الدولة، ودعمها العسكري لأوكرانيا.

وفي الشرق يضاف إلى كل هذا التذمر الذي يعتمل منذ سنين بل عقود من نتيجة الوحدة الألمانية.

ويقول كونستنتي البالغ من العمر 16 عاما: "يمكنك أن ترى بوضوح أين يبدأ الشرق وأين يبدأ الغرب".

"الشرق والغرب. صحيح أنهما متصلان الآن. ألمانيا واحدة. ولكننا نرى الفارق. أنه كبير".

ويعكس رأي هذا الميكانيكي المتدرب آراء الشارع في البلدات والمدن والقرى، التي كانت تشكل جمهورية ألمانيا الديمقراطية الشيوعية.

فالناس يشعرون انهم يعاملون بالتعالي، فضلا عن القاعدة الصناعية القوية والمرتبات العالية وفوارق المعاشات تاريخيا.

أولاف شولتز
Reuters
أولاف شولتز كان في حملته الانتخابية في تورينجيا

ويقول كونستنتي الذي يدعم حزب البديل مثله مثل الكثيرين من الشباب، حسب استطلاعات الرأي: "نحن في طريق النسيان".

ويتهرب، مثل جميع من تحدثت معهم من أنصار البديل، من الرد على مزاعم التطرف، التي تتزايد حول الحزب.

فقد كشف تحقيق أجرته بي بي سي العام الماضي ارتباطات واضحة بين قياديين في الحزب وشبكات تصنفها السلطات بأنها متطرفة.

ففي تورينجيا، يصنف الحزب رسميا مع اليمين المتطرف. وتعرض زعيمه في المقاطعة، بيورن هوك، لغرامة مالية بسبب استعماله شعارا نازيا، ولكنه ينفي أنه استخدمه عن دراية.

ولكن داعمي الحزب يعتقدون أن المخابرات ووسائل الإعلام الكبرى تسعى للتشنيع على حركتهم.

وقد يرى البعض أن هذا وهم وخداع، ولكن في الشرق هناك ريبة متجذرة بين بعض الناس الذي عايشوا عصر جهاز ستازي، أو الشرطة السرية الشيوعية في ألمانيا الشرقية سابقا.

وتقول المحامية فيفيان روتسيت البالغة من العمر 31 عاما، ومرشحة حزب البديل في تورينجيا: "الناس الذين يعيشون هنا، جربوا ماذا سيحدث عندما يتزايد تدخل الحكومة".

ويبدو أن قيود كوفيد خلال الجائحة، واعتقاد الناس بأنهم مجبرون على الالتزام بآراء "اللياقة السياسية" هي التي عززت عدم الثقة في المجتمع.

وتقول وهي تحتمي يمظلة عليها شعار حملتها من حرارة الشمس التي فاقت 30 درجة في مينينغن: "الناس في شرق ألمانيا يعرفون جيدا عندما لا يسمح لك بالتعبير عن رأيك".

كما صعد حزب "بي إس دبليو" المتطرف أيضا وأخذ المركز الثالث في استطلاعات الرأي في الولاية.

ونجح زعيمه، وهو شيوعي سابق، في المزج بين التيار المحافظ ثقافيا والسياسات الاقتصادية اليسارية.

ولكن يبدو أن حزب البديل من أجل ألمانيا هو الأوفر حظا لكسب أكبر عدد من الأصوات، وهو مرشح لتحقيق نتائج قوية في ساكسونيا، وفي ولاية براندنبورغ شرق ألمانيا والتي ستشهد الانتخابات في وقت لاحق هذا الشهر.

ويتوقع أن تزلزل مثل هذه النتائج المشهد السياسي في ألمانيا، ولكنه لا يعني أن حزب البديل سيأخذ السلطة، لأن الأحزاب الاخرى ستتحالف لتشكيل حاجز أمام اليمين المتطرف.

ومع ذلك فإن الأيام المقبلة تحمل معها مشاكل للمستشار شولتز وائتلافه الذي يشهد خلافات مستمرة.

ويقول الناشط في أس بي دي ليفي شليغتيندل: "لم نعهد في ألمانيا ائتلافا حكوميا من ثلاث أحزاب. والمحزن أن هناك الكثير من المشاجرات".

فهو بائع في جينا ويذكر كيف كانت الأشياء مختلفة، عندما تولى شولتز الحكم منذ ثلاث سنوات.

"قيل حينها في 2021 نحن بحاجة إلى شخصية مثل أنغيلا ميركل وكان هو". ويتذكر لفي الرغبة في مرشح "هادئ"، وضد الشعبوية.

"وتغيرت الظروف الآن، بفيروس كورونا وأزمة أوكرانيا، ويبدو أن وقته انتهى".

متظاهر يحمل لافتة تشير إلى حادثة الطعن الأخيرة، أمام المستشار الألماني في حملته
Reuters
متظاهر يحمل لافتة تشير إلى حادثة الطعن الأخيرة، أمام المستشار الألماني في حملته

ونتائج هذه الانتخابات ليست مهمة فقط بالنسبة لتورينجيا وساكسونيا وبراندنبورغ. بل ستكون اختبارا للرأي العام، قبل عام من الانتخابات الاتحادية، التي يعتقد القليلون أن يعود فيها الائتلاف الثلاثي إلى الحكم.

ويبدو أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي "سي دي يو" هو الذي سيأخذ رئاسة الحكومة بزعامة فريديريش ميرز، ولكن لهجته أصبحت تميل إلى اليمين، لأن الأحزاب الرئيسية تسعى إلى قطع الطريق أمام حزب البديل من أجل ألمانيا.