وسط تصاعد التوتر بين إسرائيل وحزب الله، نفذ الجيش الإسرائيلي سلسلة غارات جوية هي الأعنف منذ سنوات، مستهدفًا مئات المواقع جنوب لبنان، فيما يستعد الجميع لمواجهة مفتوحة قد تشعل المنطقة بأكملها.


قصف الجيش الإسرائيلي، مساء الخميس، مئات الأهداف التابعة لحزب الله، عبر سلسلة غارات جوية مكثفة على عدة بلدات جنوبي لبنان. وقال الجيش في بيان إن الغارات الجوية أصابت "المئات من منصات إطلاق الصواريخ التي كانت مجهزة للإطلاق باتجاه إسرائيل"، بالإضافة إلى "نحو 100 قاذفة ومواقع بنى تحتية إضافية للإرهاب".
وأضاف الجيش الإسرائيلي أنه سيقوم "بنشاطات في مناطق التدريب" في شمال إسرائيل خلال عطلة نهاية الأسبوع، وأنه قد تُسمع "طلقات نارية وانفجارات" في المناطق القريبة.

في المقابل، أعلن حزب الله في بيان تنفيذ عمليات منها استهداف "نقطة تموضع لجنود العدو الإسرائيلي في موقع المرج". كما شنّ، بحسب البيان، "هجوماً جوياً بسرب من المسيرات الانقضاضية على المقر المستحدث لقيادة اللواء الغربي في يعرا، وعلى مدفعية العدو في بيت هلل".

وقالت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية الرسمية إن الجيش الإسرائيلي نفذ 52 غارة على الأقل في جنوب البلاد مساء الخميس. وأوضحت الوكالة الوطنية أن هذه الغارات استهدفت المناطق الحرجية في بلدة المحمودية وأطراف بلدة العيشية ومرتفعات الريحان ومحيط نهر برغز، ولم ترد تقارير بعد عن وقوع قتلى أو جرحى.

ووصفت مصادر أمنية لبنانية لوكالة الأنباء رويترز الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان بأنها "الأعنف". ونقلت وكالة الأنباء رويترز وصحيفة "نيويورك تايمز" عن مصادر أمنية لبنانية قولها إن الغارات الإسرائيلية على جنوب كانت من بين "الأعنف" منذ قرابة عام من الاشتباكات بين إسرائيل وحزب الله.

وصباح الجمعة، قال الجيش الإسرائيلي إنه ألغى أوامر تقييد الحركة والتجمعات الكبيرة التي صدرت مساء الخميس، لعدد من التجمعات السكنية في شمال إسرائيل وهضبة الجولان.

أعمدة الدخان تتصاعد من موقع الغارة الإسرائيلية على قرية المحمودية الحدودية الجنوبية اللبنانية في 19 سبتمبر/أيلول 2024.
أعمدة الدخان تتصاعد من موقع الغارة الإسرائيلية على قرية المحمودية الحدودية الجنوبية اللبنانية في 19 أيلول (سبتمبر) 2024

وتأتي حملة القصف المكثف عقب هجمات يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، التي طالت عناصر في حزب الله.

وانفجرت، الثلاثاء، مئات أجهزة النداء "البيجر" التي كان عدد كبير منها في حوزة عناصر من حزب الله بشكل متزامن في جميع أنحاء لبنان.
تلاها الأربعاء موجة ثانية من الانفجارات طالت أجهزة اتصال لاسلكية من نوع "ووكي توكي آيكوم"، كانت تستهدف عناصر حزب الله.
وأعلن وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض، الخميس، ارتفاع حصيلة ضحايا الانفجارات خلال اليومين الماضيين، إلى 37 قتيلاً و2931 جريحاً.
وتُتهم إسرائيل بالوقوف وراء الهجمات، على الرغم من أنها لم تؤكد ذلك. وبحسب وكالة رويترز، قالت عدة مصادر أمنية إن جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد" ربما نفذها، إذ يحظى بتاريخ طويل في شن هجمات معقدة على أراض أجنبية.

"نصرالله يتوعد بحساب عسير"
والخميس، قال الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، إن انفجارات البيجر واللاسلكي "تجاوزت كل الخطوط الحمراء"، متهماً إسرائيل بما قال إنه إعلان حرب.
وتحدى نصرالله في كلمة متلفزة إسرائيل بتحقيق هدفها المتمثل في عودة سكان الشمال إلى بيوتهم، مؤكداً أن القادة الإسرائيليين "لن يستطيعوا" تحقيق ذلك.
وقال نصر الله إن إسرائيل لم تنجح في تحقيق هدفها بتفجيرات الثلاثاء والأربعاء التي وصفها بأنها "إبادة جماعية" و "مجزرة".

وأقرّ الأمين العام لحزب الله بأن حزبه تعرض لضربة "كبيرة وغير مسبوقة" في تاريخه، متوعداً إسرائيل بـ "حساب عسير وقصاص عادل من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون"، دون تحديد زمان أو مكان أو شكل لذلك الرد.
وتخلل كلمة نصرالله خرق الطيران الإسرائيلي جدار الصوت على علو منخفض مرتين على الأقل في أجواء لبنان.

في غضون ذلك، أكدت إسرائيل مواصلة إجراءاتها العسكرية ضد الحزب. وقال وزير الدفاع يوآف غالانت "في المرحلة الجديدة من الحرب هناك فرص مهمة ولكن هناك مخاطر مهمة أيضاً. يشعر حزب الله بأنه ملاحق، إجراءاتنا العسكرية المتتالية ستتواصل".
وأضاف غالانت أن الهدف "هو ضمان العودة الآمنة للسكان في إسرائيل إلى ديارهم. ومع مرور الوقت، سيدفع حزب الله ثمناً متزايداً".

وليس من الواضح كيف تنوي إسرائيل تحقيق هذا الهدف، لكن التقارير التي صدرت، في وقت سابق من هذا الأسبوع، أشارت إلى أن الجنرال المسؤول عن القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي يفضل إنشاء منطقة عازلة تسيطر عليها إسرائيل داخل جنوب لبنان.

ماذا عن التحقيقات المتعلقة بانفجار أجهزة الاتصالات اللاسلكية؟
أظهرت تحقيقات أولية أجرتها السلطات اللبنانية أن أجهزة الاتصال التي انفجرت هذا الأسبوع "تم تفخيخها قبل وصولها إلى لبنان"، حسبما ذكرت بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في رسالة إلى مجلس الأمن.

وجاء في نص الرسالة التي أُرسلت إلى مجلس الأمن أن "التحقيقات الأولية أظهرت أن الأجهزة المستهدفة، قد تم تفخيخها بطريقة احترافية... قبل وصولها إلى لبنان، وتم تفجيرها عبر إرسال رسائل الكترونية إلى تلك الأجهزة".

وانفجرت هذه الأجهزة خلال تسوق مستخدميها في المتاجر وسيرهم في الشوارع وحضورهم جنازات، ما أدى إلى إثارة حالة من الذعر في البلاد.
ووصفت بعثة لبنان التفجيرات بأنها "غير مسبوقة في وحشيتها" وتقوض الجهود الدبلوماسية لوقف القتال في غزة وجنوب لبنان.
ودعت البعثة مجلس الأمن الدولي إلى إدانة الهجمات، قبل جلسة طارئة مقررة الجمعة لمناقشة هذه الهجمات والوضع الخطير في الشرق الأوسط.

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.

"دعوات لضبط النفس"
دعا وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى ضبط النفس من جميع الأطراف، وقال من باريس "لا نريد أن نرى أي إجراءات تصعيدية من قبل أي طرف من شأنها أن تزيد من صعوبة ذلك".

كما دعا وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، "إلى وقف فوري لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله"، وقال "نحن جميعاً واضحون جداً في أننا نريد أن نرى تسوية سياسية عن طريق التفاوض، حتى يتمكن الإسرائيليون من العودة إلى بيوتهم في شمال إسرائيل ويعود اللبنانيون إلى منازلهم".

ومنذ الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، يتبادل الجيش الإسرائيلي وحزب الله إطلاق النار عبر الحدود، ووفقاً لإحصاء لوكالة الأنباء الفرنسية، فإن 623 شخصا على الأقل، قتلوا في لبنان جراء القصف الإسرائيلي، بينما قتل 50 شخصا على الجانب الإسرائيلي جراء عمليات حزب الله.

وقد أدى القصف المتبادل بين الجانبين، إلى نزوح عشرات الآلاف من السكان، على جانبي الحدود الإسرائيلية اللبنانية، في وقت توعدت فيه إسرائيل مراراً، بشن هجوم بري واسع على لبنان، في حال لم يتوقف حزب الله ،عن إطلاق الصواريخ والمسيرات على إسرائيل، ولم تنسحب قواته إلى شمال نهر الليطاني.
ويقول حزب الله إن عمليات القصف المتبادل عبر الحدود هي بمثابة "جبهة إسناد" لغزة وحماس في ظل الحرب مع إسرائيل.