إسرائيل تصعّد من عملياتها ضد حزب الله في لبنان، مشيدة بتدمير الآلاف من الصواريخ، وسط مقتل مئات المدنيين. فهل ستؤدي هذه التطورات إلى تغيير ميزان القوى في المنطقة؟
تشعر القيادة الإسرائيلية بالتفاؤل بعد التقدم الذي حققه الهجوم ضد حزب الله، والذي بدأ بتفجير أجهزة البيجر وأجهزة الاتصال اللاسلكي، ثم توسع إلى غارات جوية مكثفة.
وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، أشاد بفعالية العمليات، مشيراً إلى أن هذا الأسبوع كان الأسوأ لحزب الله منذ تأسيسه.
وأثنى غالانت على الغارات الجوية يوم الاثنين، وقال: "كانت عملية اليوم متقنة، كان هذا أسوأ أسبوع يمر على حزب الله منذ تأسيسه، والنتائج تتحدث عن نفسها".
وأضاف أن الغارات دمرت آلاف الصواريخ التي كانت تهدد حياة المواطنين الإسرائيليين، في حين يقدر لبنان عدد القتلى بأكثر من 550، بينهم 50 طفلاً، وهو رقم يعادل نصف عدد الضحايا في حرب عام 2006.
وتعتقد إسرائيل أن الهجوم الشرس سوف يجبر حزب الله على التنازل، ويجبر زعيم الحزب حسن نصرالله وحلفائه وداعميه في إيران، على دفع الثمن الباهظ للحرب، وأن يعترفوا بأن للمقاومة تبعات جسيمة للغاية.
يحتاج الساسة والجنرالات في إسرائيل إلى النصر، فبعد ما يقرب من عام من الحرب أصبحت غزة مكاناً يصعب الخلاص منه، ولا يزال مقاتلو حماس يخرجون من الأنفاق ومن تحت الأنقاض لاستهداف الجنود الإسرائيليين، ولا يزالون يحتجزون رهائن إسرائيليين.
فاجأت حماس إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكن لم ير الإسرائيليون حماس تهديداً كبيراً، وكان لهذا عواقب وخيمة، أما في لبنان، فالأمر مختلف، فقد كان الجيش الإسرائيلي وجهاز الاستخبارات، الموساد، يخططان للحرب ضد حزب الله منذ أن انتهت الحرب الأخيرة إلى طريق مسدود في عام 2006.
ويعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن الهجوم الحالي يحرز تقدماً كبيراً نحو هدفه المعلن المتمثل في تغيير ميزان القوى، بحيث لا ترجح الكفة لحزب الله.
ويريد نتنياهو منع حزب الله من إطلاق الصواريخ عبر الحدود نحو إسرائيل، وفي الوقت نفسه، يقول الجيش الإسرائيلي إن الخطة تهدف إلى إجبار حزب الله على التراجع عن الحدود وتدمير المنشآت العسكرية التي تهدد إسرائيل.
غزة أخرى
يعيد الأسبوع الأخير في لبنان إلى الأذهان أصداء العام الماضي من الحرب في غزة، فقد أصدرت إسرائيل تحذيرات للمدنيين - كما فعلت في غزة - بالخروج من المناطق التي على وشك أن تتعرض للهجوم، وتلقي باللوم على حزب الله - كما تلوم حماس - على استخدام المدنيين كدروع بشرية.
وقال بعض المعارضين وكذلك أعداء إسرائيل إن التحذيرات كانت غامضة للغاية ولم تمنح الأسر الوقت الكافي لإخلاء منازلهم، وتطالب قوانين الحرب بحماية المدنيين، وتحظر الاستخدام العشوائي وغير المتناسب للقوة.
وأصابت بعض هجمات حزب الله على إسرائيل مناطق مدنية - مخالفة بذلك قوانين حماية المدنيين - بالإضافة إلى القوة العسكرية الإسرائيلية.
وتصنف إسرائيل وحلفاؤها الغربيون الرئيسيون، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا، حزب الله منظمة إرهابية.
وتصر إسرائيل على أن جيشها يراعي أخلاقيات الحرب ويحترم القواعد، ولكن حكومات كثيرة حول العالم أدانت سلوكها في غزة، ومن شأن اندلاع حرب حدودية جديدة وأوسع نطاقاً، أن تعمق الفجوة في الجدل القائم حول سلوك إسرائيل.
إذا نظرنا إلى تفجيرات أجهزة البيجر، فإن إسرائيل تقول إن الهجوم كان يستهدف عناصر حزب الله الذين تم تزويدهم بالأجهزة ، ولكنها لم تكن قادرة على معرفة مكان وجودهم عندما فعلت تفجيرات الأجهزة، وهو ما أدى إلى إصابة وقتل مدنيين وأطفالاً في المنازل والمحال التجارية وغيرها من الأماكن العامة، ويقول محامون بارزون إن هذا يثبت أن إسرائيل كانت تستخدم القوة المميتة دون التمييز بين المقاتلين والمدنيين، وهو انتهاك لقواعد الحرب.
وبدأ القتال بين إسرائيل وحزب الله في ثمانينيات القرن العشرين، ولكن الحرب الحدودية الحالية بدأت في اليوم التالي لهجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، عندما أمر حسن نصر الله رجاله ببدء قصف محدود، وشبه يومي تقريبا، عبر الحدود لدعم حماس، وأدى ذلك إلى محاصرة القوات الإسرائيلية وإجبار حوالي 60 ألف شخص في المدن الحدودية على مغادرة منازلهم في الجانب الإسرائيلي.
حروب سابقة
قارنت بعض الأصوات في وسائل الإعلام الإسرائيلية بين تأثير الضربات الجوية على قدرات حزب الله، وبين الحرب المفاجئة التي شنتها إسرائيل على مصر في يونيو/حزيران 1967، حين نفذت إسرائيل الغارة الشهيرة التي دمرت القوات الجوية المصرية عندما كانت طائراتها مصطفة على الأرض، وفي الأيام الستة التي تلت ذلك هزمت إسرائيل مصر وسوريا والأردن، ورسم ذلك الانتصار شكل الصراع الحالي حيث استولت إسرائيل على الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة ومرتفعات الجولان.
ولكن هذه ليست مقارنة جيدة، فلبنان والحرب مع حزب الله، أمران مختلفان، لقد وجهت إسرائيل ضربات ثقيلة، ولكنها حتى الآن لم توقف قدرة حزب الله عزيمته على استهداف إسرائيل.
كانت حروب إسرائيل السابقة مع حزب الله طاحنة واستنزافية ولم تسفر قط عن نصر حاسم لأي من الجانبين، وقد تسير هذه الحرب على نفس المنوال، مهما كانت نتائج الأسبوع الأخير مرضية لإسرائيل وأجهزة استخباراتها وجيشها.
ويرتكز الهجوم الإسرائيلي على افتراض، مفاده أن حزب الله سوف ينهار في لحظة ما وينسحب من الحدود ويتوقف عن إطلاق النار على إسرائيل، ويعتقد أغلب المراقبين لحزب الله أنه لن يتوقف، باعتبار أن قتال إسرائيل هو السبب الرئيسي لوجود حزب الله.
وهذا يعني أن إسرائيل، التي لا تعترف بالهزيمة، سوف تضطر إلى تصعيد الحرب إلى ما هو أبعد من ذلك، وإذا استمر حزب الله في تهديد شمال إسرائيل، وجعله منطقة شديدة الخطورة على المدنيين الإسرائيليين الذين قد لا يتمكنون من العودة إلى ديارهم، فسوف تضطر إسرائيل إلى اتخاذ قرار بشأن شن هجوم بري، ربما للسيطرة على الشريط الحدودي ليكون بمثابة منطقة عازلة.
وسبق لإسرائيل أن غزت لبنان، ففي عام 1982 اجتاحت قواتها بيروت في محاولة لوقف الغارات الفلسطينية على إسرائيل، ولكنها اضطرت إلى التراجع بسبب الغضب الداخلي والخارجي، فبعد أن سيطرت القوات الإسرائيلية على محيط بيروت ارتكب حلفاؤها مذبحة ضد المدنيين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين في بيروت.
وحتى تسعينيات القرن العشرين كانت إسرائيل لا تزال تحتل شريطاً واسعاً من الأراضي اللبنانية على طول الحدود، وكان الجنرالات الإسرائيليون اليوم ضباطاً شباباً حينها، خاضوا معارك دامية ضد حزب الله، الذي كان يزداد قوة، وفي عام 2000 انسحب إيهود باراك، رئيس وزراء إسرائيل آنذاك ورئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي السابق، مما يسمى "المنطقة الأمنية"، واعتبر أن المواجهة لن تجعل إسرائيل أكثر أمناً، بل تكلفها حياة عدد كبير من جنودها.
وفي عام 2006، أسفرت غارة شنها حزب الله عبر الحدود المتوترة عن مقتل وأسر جنود إسرائيليين، وبعد انتهاء الحرب، قال حسن نصر الله إنه ما كان ليسمح بالغارة لو أدرك ما قد تفعله إسرائيل في المقابل.
وقرر إيهود أولمرت، الذي كان آنذاك رئيساً لوزراء إسرائيل، شن الحرب، في البداية كانت إسرائيل تأمل أن تعمل القوة الجوية على وقف الهجمات الصاروخية على إسرائيل، لكن عندما لم يحدث ذلك، انسحبت القوات البرية والدبابات، وخلفت وراءها كارثة بالنسبة للمدنيين اللبنانيين، ولكن حزب الله استمرّ في إطلاق صواريخه على إسرائيل.
الحروب الحالية والقادمة
يدرك قادة إسرائيل أن الحرب في لبنان تشكل تحدياً عسكرياً أشد صعوبة من محاربة حماس في غزة، إذ بدأ حزب الله في وضع خططه منذ نهاية حرب عام 2006، وسيقاتل على أرضه في جنوب لبنان الذي يتمتع بتضاريس وعرة وجبلية تناسب تكتيكات حرب العصابات.
لم تتمكن إسرائيل من تدمير كل الأنفاق التي حفرتها حماس في غزة، وفي المناطق الحدودية في جنوب لبنان، أمضى حزب الله السنوات الثماني عشرة الماضية في إعداد الأنفاق والمواقع في الصخور، وأصبح يمتلك حزب الله ترسانة هائلة من الأسلحة زودته بها إيران، وعلى النقيض من حماس في غزة، يمكن تزويده بالمزيد من السلاح براً عبر سوريا.
ويقدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث في واشنطن العاصمة، أن حزب الله لديه نحو 30 ألف مقاتل نشط وما يصل إلى 20 ألف جندي احتياطي، معظمهم مدربون كوحدات صغيرة متنقلة من المشاة، ويتمتع العديد من رجاله بخبرة قتالية اكتسبها أثناء دعمه لنظام الأسد في سوريا.
وتقول معظم التقديرات أن حزب الله لديه ما بين 120 ألف و200 ألف صاروخ وقذيفة، تتراوح ما بين الأسلحة غير الموجهة إلى الأسلحة الأبعد مدى والتي يمكن أن تضرب المدن الإسرائيلية.
قد تراهن إسرائيل على أن حزب الله لن يستخدم كل هذه الأسلحة، خوفاً من أن تفعل القوات الجوية الإسرائيلية بلبنان ما فعلته بغزة، حيث حولت مدناً بأكملها إلى أنقاض وقتلت آلاف المدنيين، وربما لا تريد إيران أن يكشف حزب الله عن الأسلحة التي ترغب في الاحتفاظ بها كضمان ضد أي هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية، وهذا رهان آخر، إذ أن حزب الله قد يضطر إلى استخدام المزيد من ترسانته قبل أن تدمرها إسرائيل.
ومع استمرار الحرب في غزة، وارتفاع مستويات العنف في الضفة الغربية المحتلة، فسوف تضطر إسرائيل أيضاً إلى التفكير في فتح جبهة ثالثة إذا غزت لبنان، فلدى إسرائيل جنود مدربون ومجهزون جيداً، ولكن وحدات الاحتياط التي توفر القدر الأكبر من القوة القتالية لإسرائيل تشعر بالفعل بالتوتر بعد عام من الحرب.
طريق دبلوماسي مسدود
لا يريد حلفاء إسرائيل، بقيادة الولايات المتحدة، أن تصعد إسرائيل الحرب مع حزب الله ولا يريدون لها أن تغزو لبنان، ويصرون على أن الدبلوماسية وحدها هي القادرة على جعل الحدود آمنة بما يكفي للسماح للمدنيين بالعودة إلى منازلهم، وتوصل مبعوث أميركي إلى اتفاق يستند جزئياً إلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 الذي أنهى حرب عام 2006.
ولكن أيدي الدبلوماسيين مقيدة في غياب وقف إطلاق النار في غزة، إذ يقول نصر الله إن حزب الله لن يتوقف عن مهاجمة إسرائيل إلا عندما تتوقف حرب غزة، وفي الوقت الحالي لا حماس ولا الإسرائيليون على استعداد لتقديم التنازلات اللازمة التي من شأنها أن تؤدي إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الرهائن الإسرائيليين بالسجناء الفلسطينيين.
وفي حين تستمر الغارات الجوية الإسرائيلية في قصف لبنان، يواجه المدنيون الذين يكافحون بالفعل لتوفير احتياجات أسرهم مع وجود اقتصاد متهالك، آلاماً مروعة وعدم يقين من المستقبل، ويعبر الخوف خطوط المواجهة، إذ يدرك الإسرائيليون أن حزب الله قد يلحق بهم أضراراً أشد مما لحقت بهم خلال العام الماضي.
وتعتقد إسرائيل أن الوقت قد حان لكي تكون أكثر جرأة، وأن تُبعد حزب الله عن حدودها، ولكنها تواجه عدواً عنيداً ومسلحاً وغاضباً، وهذه هي الأزمة الأكثر خطورة خلال عام طويل من الحرب، وفي الوقت الحالي لا شيء يمنعها من الانزلاق نحو الأسوأ.
التعليقات