إيلاف من تل أبيب: في 16 سبتمبر الماضي، وبينما كان رؤساء أجهزة الأمن في إسرائيل يناقشون خطة لتفجير أجهزة الاتصال "البيجر" التي يستخدمها أعضاء جماعة "حزب الله اللبنانية"، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منشغلاً أيضاً بإعداد خطة مُوازية لتعزيز سلطته، من خلال إقالة وزير دفاعه يوآف جالانت، الذي كان يجلس إلى جانبه في نفس قاعة الاجتماع، وفق "وول ستريت جورنال".
وفي وقت لاحق، عرض مستشارو نتنياهو خطة إقالة جالانت على رؤساء أجهزة الاستخبارات وعدد من المسؤولين العسكريين، وفق ما نقلته الصحيفة الأميركية عن أشخاص مطلعين على سير المناقشات.
وتساعد خطوة الإطاحة بجالانت في تحقيق عدة مكاسب لنتنياهو من بينها؛ الحفاظ على إعفاء اليهود المتشددين من الخدمة العسكرية، وإرضاء الأحزاب الدينية المتشددة وإطالة أمد ائتلافه الهش. ولكن إقالته قد تؤدي أيضاً إلى تعميق التوترات بين نتنياهو والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وتنشيط الاحتجاجات في الشوارع وتفاقم الاحتكاك مع واشنطن. وقرر نتنياهو تأجيل إقالة جالانت في حين صعدت إسرائيل من حربها على لبنان، وفق "وول ستريت جورنال".
وبالنسبة للعديد من الأشخاص الذين شاركوا في الحرب الإسرائيلية متعددة الجبهات في العام الذي انقضى منذ السابع من أكتوبر، كان الحادث مجرد مثال آخر على ميل نتنياهو إلى الجمع بين الحنكة والحسابات السياسية، وهو النهج الذي ساعده في الحفاظ على قبضته على السلطة حتى مع انزلاق بلاده إلى عمق الأزمة الأكثر تعقيداً في تاريخها.
وذكرت الصحيفة أن الحملة السياسية لنتنياهو تسير بشكل أفضل حالياً، عكس الأشهر الأولى من الحرب، حيث كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يعاني من تراجع كبير في شعبيته، وكان المشرعون في حزبه اليميني الليكود يناقشون استبداله. والآن يعمل نتنياهو على إصلاح وضعه بشكل مطرد، ويتفوق على منافسيه، ويستعيد أغلبية أصوات الناخبين في استطلاعات الرأي الأخيرة.
وأضافت "وول ستريت جورنال"، أن استرجاع نتنياهو لشعبيته تظهر أن "بيبي"، كما يُعرف على نطاق واسع، لم يفقد مهاراته السياسية. وقال أحد زملائه في الليكود: "إن استراتيجيته في اللعب على الوقت ناجحة"، فيما يخشى المقربون منه أن يكون ذلك على حساب القرارات المتأخرة، وخطر التورط في جبهات قتال جديدة، والأعباء المتزايدة على المجتمع الإسرائيلي، وتعميق العزلة الدولية.
وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الجمعة، رفض نتنياهو الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل، بما في ذلك اتهامات بارتكاب جرائم حرب في غزة، ووصفها بأنها مدفوعة بـ"معاداة السامية". كما تعهد نتنياهو بالقتال من أجل "النصر الكامل" على "حماس"، وحذر إيران من أنه "إذا ضربتمونا، فسوف نضربكم"، وأضاف: "ستفوز إسرائيل في هذه المعركة، لأننا لا نملك خياراً".
وبعد وقت قصير من الخطاب، اغتالت إسرائيل زعيم "حزب الله" حسن نصر الله، بغارة جوية ضخمة في ضاحية بيروت الجنوبية، مما أدى إلى مساحات واسعة من حارة حريك.
"ضد اليسار"
هزّ هجوم السابع من أكتوبر 2023، ثقة إسرائيل، في قدرتها على احتواء الصراع مع الفلسطينيين.
وتجاوز نتنياهو، الذي سيبلغ الخامسة والسبعين من عمره في أكتوبر المقبل، مؤسس إسرائيل ديفيد بن جوريون، كأكثر زعيم استمراراً في السلطة، بإجمالي 17 عاماً في المنصب. يعتقد ضابط القوات الخاصة السابق، الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، والمعروف بخطابه العدواني وذكائه الحاد، أنه الزعيم الوحيد القادر على ضمان أمن إسرائيل، كما يقول زملاؤه الحاليون والسابقون لصحيفة "وول ستريت جورنال".
وقال نتنياهو في وقت مبكر من هذا العام، رافضاً الجهود الأميركية لإحياء عملية السلام: "يعلم الجميع أنني الشخص الذي عرقل لعقود من الزمان إنشاء دولة فلسطينية من شأنها أن تعرض وجودنا للخطر". إن أساليب الحملة على الطريقة الأميركية التي جلبها نتنياهو إلى إسرائيل، من أبحاث السوق المكثفة إلى الإعلانات الهجومية، غالباً ما تثير الجدل، ففي عام 2015، أظهر أحد إعلانات حملته سيارة جيب مليئة بمقاتلي تنظيم "داعش" يسألون إسرائيلياً عن الطريق إلى القدس. فيرد عليهم: "انعطف يساراً". ويختتم الإعلان: "اليسار يستسلم للإرهاب".
وعلى الرغم من تحذيراته بشأن الإرهاب، سعى نتنياهو لسنوات إلى السيطرة على "حماس" في غزة من خلال الحوافز الاقتصادية، بما في ذلك التمويل القطري. وكانت النظرية هي أن المال والغارات الجوية العرضية من شأنها أن تروض "حماس" وتردعها. وقد ثبت أن هذا خطأً كارثياً في التقدير، وفق "وول ستريت جورنال".
وبحلول عام 2019، كان نتنياهو، الذي يواجه اتهامات في ثلاث قضايا فساد، يروج لنفسه باعتباره الرجل القوي في إسرائيل، ويقف جنباً إلى جنب مع فلاديمير بوتين ودونالد ترمب على ملصقات الحملة تحت شعار يوحي بأنه ينتمي إلى "عمالقة وسادة المسرح العالمي". لكن سلسلة من الانتخابات التي وصلت إلى طريق مسدود أظهرت ضعف قوته.
في أواخر عام 2022، استعاد نتنياهو أغلبيته البرلمانية من خلال التحالف مع حزبين قوميين متطرفين صغيرين. وأطلق خطة مثيرة للجدل لتقليص صلاحيات المحكمة العليا في إسرائيل، مما أثار مظاهرات حاشدة من قبل الإسرائيليين الذين يخشون أن يحاول نتنياهو تفكيك الضوابط والتوازنات الدستورية في البلاد.
وحذر رؤساء الأمن نتنياهو من أن الاضطرابات تزيد من خطر شن هجوم كبير على إسرائيل من قبل جماعات مسلحة مثل "حزب الله". ودعا وزير الدفاع جالانت إلى تأجيل الإصلاح القضائي باسم الأمن القومي. في مارس 2023، أعلن نتنياهو الغاضب أنه سيطرد جالانت، مما أثار احتجاجا عاما ضخما، ثم تراجع عن الطرد.
التعليقات