يواجه السوريون الذين نزحوا إلى لبنان بعد تفجر الصراع في سوريا الآن تحديات مضاعفة للعثور على مأوى والحصول على المساعدات اللازمة، بعد اضطرارهم للنزوح مرة أخرى بسبب الحرب في لبنان.
فحتى قبل بدء الحرب بين إسرائيل وحزب الله، كان لبنان يعاني بالفعل واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم، والآن يواجه أكبر موجة نزوح عرفها في تاريخه؛ إذ اضطر أكثر من مليون شخص للنزوح من أماكنهم جرّاء الضربات الإسرائيلية على جنوبي البلاد والبقاع شرقا والعاصمة بيروت.
حلم بسيط: "بيت يؤويني"
في قلب العاصمة بيروت، التقيت بـ محمد ذي الـ 23 عاما، وقال لي إنه يعيش الآن مع عائلته في الشارع بعدما رفضت عدة مراكز نزوح استقبالهم بسبب جنسيتهم السورية.
"خرجنا من بيوتنا والآن نحن في الشارع، حين نذهب لمركز نزوح، يسألوننا عن جنسيتنا، وحين نقول لهم إننا سوريون يطردوننا، لا يعطوننا حتى طعام".
يقول محمد بصوت غاضب: "أقل متطلبات الحياة من حليب وحفاضات للأطفال لا نحصل عليها".
لم يكد محمد ينهي حديثه حتى سمعنا صوت غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، فنظر إلى السماء في فزع وهو يقول: "قصف قصف. أصبحنا نخاف من كل شيء. صرنا نفزع إذا انفجر إطار سيارة على الطريق".
ويخشى محمد من العودة إلى سوريا خوفا من تجنيده إجباريا، ويقول "أنا إنسان حلمي بسيط، كل ما أحلم به بيت يؤويني أنا وعائلتي، وعالم يحمينا".
ومنذ بدء الحرب في لبنان، عاد الآلاف من السوريين إلى بلادهم، لكن يبدو أن هذا الخيار غير متاح للجميع؛ إذ يخشى الكثيرون من الملاحقات الأمنية أو التجنيد الإجباري في حال عودتهم إلى بلادهم، كما أن العديد من السوريين في لبنان نزحوا من مناطق مازالت تمزقها الصراعات إلى الآن.
ولا يوجد إحصاء دقيق بعدد اللاجئين السوريين في لبنان، لكن التقديرات الحكومية تشير إلى أن لبنان يستضيف نحو مليون ونصف المليون سوري، ما يجعله البلد المضيف لأكبر نسبة من اللاجئين في العالم مقارنة بعدد سكانه.
"لا شيء لي في سوريا أعود إليه"
أمام مسجد الأمين وسط العاصمة بيروت، التقيت بـ شريف الذي كان يحمل رضيعا ويركض خلف طفليه الصغيرين محاولا الإمساك بهما حتى لا يبتعدا عنه، وقال لي إن كل محاولاته للعثور على مكان لعائلته في مراكز الإيواء التي فتحتها الدولة اللبنانية فشلت، فانضم إلى جموع النازحين الذين افترشوا ساحة مسجد الشهداء وسط بيروت.
"لا مكان في مراكز النزوح للسوريين، كلها تمتلئ باللبنانيين"، قال شريف بصوت يائس، مضيفا "نحن الكبار يمكننا التحمّل، لكن هؤلاء الأطفال، ما ذنبهم؟".
ويعيش شريف في لبنان منذ 12 عاما، ويقول إنه لم يعد له في سوريا ما يعود إليه؛ فكل عائلته غادرت حلب خلال الأعوام الماضية بسبب النزاع في المنطقة، كما أن بيته هناك دُمّر "لا بيت لي ولا عائلة في سوريا، سأبقى هنا، وما يجري على الناس يجري علي".
نزح شريف قبل ستة أيام من ضاحية بيروت الجنوبية، بعد تكثيف القصف الإسرائيلي. ويقول إنه يعيش هو وعائلته على مساعدات قليلة، يأتي بها بعض المتطوعين من حين لآخر، "بعض الناس يأتون لنا بوجبات طعام خلال النهار وأحيانا أدوية قليلة للأطفال".
معاناة السوريين مضاعفة
في محافظة البقاع شرقي البلاد، تزداد التحديات أمام الجمعيات الأهلية التي تعمل على توفير المساعدات للنازحين؛ إذ تستضيف هذه المحافظة أعدادا تقدّر بمئات الآلاف من اللاجئين السوريين.
الطبيب فراس الغضبان، المؤسس المشارك لجمعية "إما لبنان" وهي منظمة أهلية تعمل على مساعدة السوريين في محافظة البقاع، يقول لبي بي سي، إن "النازحين السوريين يعانون بشكل أكبر خلال أزمة النزوح هذه".
ويضيف الغضبان "في بداية الأزمة كان النازحون السوريون ينامون في الشوارع وعلى الأرصفة؛ فمراكز النزوح اللبنانية ترفض استقبال السوريين، لكن خلال هذا الأسبوع تمكنّا من فتح 16 مركز لجوء للسوريين".
وأوضح الطبيب السوري أن هذه المراكز صغيرة للغاية، سعة الواحد منها لا تتجاوز الـ50 شخصا في بعض الأحيان، موضحاً أن الجمعيات الأهلية هي التي تتحمل وحدها عبء اللاجئين السوريين، "إحدى العائلات وضعنا لها خيمة أمام البيت كي لا تبيت في العراء".
يقول الغضبان: "السوريون لا يحصلون على أي دعم من الحكومة اللبنانية؛ فالأولوية للدعم الذي تقدمه الحكومة يكون للبنانيين".
وعن أوضاع اللاجئين السوريين في مراكز الإيواء، يقول الغضبان إن "هناك تكدساً كبيرا في هذه الأماكن، وأحيانا يتعايش 36 شخصا في غرفة صغيرة للغاية، كما أن كل ما نستطيع تقديمه هو وجبة واحدة يوميا للنازحين، وفي أيام قليلة نقدم وجبتين".
ويتخوف الغضبان من تزايد أعداد النازحين مع استمرار التصعيد، كما يتخوف من أن يؤدي تكدس النازحين في أماكن صغيرة إلى تفشي الأمراض المعدية.
والبقاع هي محافظة حدودية مع سوريا، بها أبرز معبر يربط لبنان بسوريا وهو معبر المصنع والذي كان يستخدمه السوريون واللبنانيون للفرار من الحرب، لكن الجيش الإسرائيلي قصفه صباح الجمعة.
الأولوية للبنانيين
يعاني لبنان من أزمة اقتصادية حادة، ومع التصعيد العسكري وتزايد موجات النزوح، أطلقت الحكومة اللبنانية نداءات عدة للمجتمع الدولي للمساهمة في تقديم المساعدات وتوفير احتياجات النازحين من الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية.
وفي العاصمة بيروت، يقول تامر الخوري، رئيس جميعة ليبانيز كادتس التي تدير ثمانية مراكز للجوء في بيروت بالتعاون مع غرفة إدارة الكوارث، إن "الأولوية في تقديم المساعدات يكون للبنانيين، لأن اللاجئين السوريين لديهم المفوضية الأممية تعتني بهم، أما اللبناني، فليس له سوى الحكومة اللبنانية".
ويضيف الخوري لبي بي سي: "بعض مراكز النزوح اللبنانية تستقبل سوريين، لكن الأولوية دائما تكون للمواطن اللبناني".
وقالت رولا أمين، المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، خلال مؤتمر صحافي في جنيف الجمعة إن معظم الملاجئ الجماعية التي أنشأتها الحكومة في لبنان، وعددها 900 تقريباً، لم تعد بها أي قدرة استيعابية لاستقبال المزيد من النازحين، وإن المفوضية تبحث مع الحكومة اللبنانية خيارات زيادة عدد مراكز الإيواء.
كلما تجولت في بيروت، شاهدت العديد من الأسر السورية التي تفترش الشوارع وتبيت ليلتها في العراء، بعد أن عجزت عن العثور على مكان آخر، في بلد يئن تحت وطأة تصعيد عسكري مستمر، وأزمة اقتصادية حادة وبالكاد قادر على توفير احتياجات مواطنيه.
التعليقات