إيلاف من الرباط: قال مشاركون في جلسة افتتاح ندوة منتدى أصيلة الثالثة حول موضوع "الحركات الدينية والحقل السياسي: أي مصير؟"،مساء الاثنين ، إن مشاركة التيارات الإسلامية في الحكم بعدد من البلدان العربية أظهرت أن مشاكل الواقع شيء والشعارات شيء آخر. وشددوا على أن التجربة أظهرت أن الأحزاب ذات المرجعية الدينية لديها نوع من التضخم والفائض النظري.

وجرى خلال الجلسة الأولى، التي سيرها سليمان الهتلان الرئيس التنفيذي لشركة "هتلان ميديا" بدبي، وتمحورت حول صعود وانحسار أحزاب الإسلام السياسي، التطرق إلى ظاهرة "الإسلام الشيعي"، التي لا تتطور مع نظام الحكم، وإنما تمشي بالفتوى.

ودعا متدخلون إلى تجاوز الأزمات لضمان الاستقرار وتحقيق التنمية. وشددوا على أنه كلما ازدادت الدولة نجاحا كلما قل خطر الإسلام السياسي، الذي ينمو في الأزمات.

تراجع وانفجار
قال محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة "منتدى أصيلة"، إن حركات الإسلام السياسي والتيارات المتشددة المؤدلجة استطاعت الاستفادة من حركية التغيير الجارف التي عرفها العالم العربي في العقد الماضي.
ورأى بن عيسى، في سياق استعراضه لأرضية الندوة، أنه في الوقت الذي يشكل فيه الدين محورا للشرعية والنشاط الأهلي والمدني في العديد من المجتمعات العربية والإسلامية، وبرز دوره بقوة في دينامية العنف الراديكالي والتطرف الدموي في الكثير من البلدان، فإننا نلمس الحضور المحوري للمسألة الدينية في الأحداث الجارية، رغم التراجع الظاهر للأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية وانفجار الصراع الفكري والعقدي داخل الحقل الديني بين الاتجاهات المحافظة والتجديدية والراديكالية المتشددة.


محمد بن عيسى يلقي الكلمة الافتتاحية للندوة

التجربة المغربية
تحدث محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية والوزير المغربي السابق، عن مشاركة حزبه في تجربة حكومية قادها حزب العدالة والتنمية (مرجعية إسلامية).كما تحدث عن تيار إسلامي آخر رافض لمسألة الانصهار في النظام المؤسساتي، يتعلق بجماعة "العدل والإحسان" التي ترفض كل تجليات الأنظمة الديمقراطية.

وقال بنعبد الله إنه ،وخلافا لما حصل في عدد آخر من الدول العربية، فقد تم،في المغرب، تشكيل حكومة يقودها إسلاميون، قبل الاحتكام، مرة أخرى، إلى انتخابات أدت، في نهاية المطاف،إلى خروج هذا التيار وإلى استمرار الحياة.

ورأى بنعبد الله أن الخلاصة الأساس هي أن هذا الأمر ممكن، وأنه يتعين إيجاد الصيغ الكفيلة بأن يتم الجمع في حضن الدولة، بمقومات الديمقراطية والتعددية والحريات، بين تيارات سياسية، والدليل، يضيف بنعبد الله، "أننا تعاملنا في إطار الحكومة مع تيار إسلامي".
وأشار بنعبد الله الى وجود فرق كبير بين هذا التيار قبل أن يدخل إلى التجربة الحكومية، وبعد أن عاش هذه التجربة الحكومية وعرف محن التدبير المباشر. وأوضح أن هذا الحزب "أصبح يقبل بالعمل الديمقراطي وبالتعددية والاختلاف، ولو نسبيا".

وتحدث بنعبد الله عن التجربة المغربية، في التعاطي مع التيارات الإسلامية، وقال "إننا يمكن أن نعتبر أنها كانت تجربة متفردة، يتعين الوقوف عند أهم إيجابياتها، لتوسيعها، ربما، إلى فضاءات عربية أخرى".

الجهل لا يبني
توقف عبد الرحمن شلقم، وزير الخارجية الليبي الأسبق ، عند مجموعة من التجارب مع المسألة الدينية في العالم، في الماضي كما في الحاضر، داعيا إلى تكريس الدولة الوطنية الديمقراطية، التي يسود فيها القانون ويتم فيها الاهتمام بالتعليم، مع إيلاء البحث العلمي المكانة اللائقة.
وشدد شلقم على أن الجهل لا يبني، وأن الأمر يتطلب تبني الحرية بشكل عام، وحرية الفكر بشكل خاص.


الوزيران السابقان نبيل بن عبد الله وعبد الرحمن شلقم خلال مشاركتهما في الندوة

واستحضر شلقم عددا من التجارب الحديثة، ليبرز مكانة العلم في بناء وتطور الدول والمجتمعات، وقال إن "ألمانيا تطورت بالعلم وليس بهتلر".

التجربة الأردنية
توقف مهند مبيضين، مدير عام مركز التوثيق الملكي الأردني الهامشي ووزير الاتصال الحكومي سابقا، عن تجربة بلاده في التعاطي مع حركات الإسلام السياسي، ومستوى التنظيم الذي تتمتع به، والتطور الحاصل على مستوى المشاركة السياسية في الانتخابات. وقال إنهم تخلوا عن شعار "الإسلام هو الحل"، وأن هذا الأمر كان مهما، مشيرا إلى أن رفعه كان يعني أقصى حالات التوتر في علاقتهم بالدولة الوطنية.

من جهته، واصل سمير فهيم سليمان الحباشنة، الأمين العام لمجموعة السلام العربية ووزير الداخلية الأردني السابق، الحديث عن تجربة بلاده، مشيرا إلى أن تجارب عدد من الدول العربية، في سياق ما سمي ب"الربيع العربي"، أظهرت أن التنمية هي الحل وليس الشعارات.


جانب من الجلسة الاولى لندوة منتدى أصيلة الثالثة

وشدد الحباشنة على أن القبول المتبادل يمثل ركيزة أساسية للاستقرار. وأضاف أن التحدي الكبير يتمثل في الخروج من حالة المد والجزر، وترك السلبية والتشدد، وتوسل الإيجابية والاعتدال. ورأى أن الإسلام السياسي سيبقى حاضرا في الحياة العربية، وأن الحل يتمثل في القبول المتبادل ما بين الدولة والحركات الإسلامية.

وتحدث الحباشنة عن التجربتين المغربية والأردنية، وقال إنهما نموذجان قابلان للتطوير في الاتجاه الإيجابي.

إسلام شيعي
قال المفكر اللبناني رضوان السيد إن تجربة الإسلام السياسي في الدولة العربية تجربة سلبية وصراعية ماعدا في المغرب، ولذلك لا يصح استخدام هذا البلد كمقياس. ورأى أننا لا نستطيع أن نتوقع شيئا كثيرا، من منطلق أنه لا الإسلاميون مهيأون ولا الظروف السياسية مواتية في ظل الأزمات التي تمر منها المنطقة، مع تشديده على أن التيار الإسلامي ينمو في الأزمات.

وتطرق السيد إلى ظاهرة جديدة، تحت مسمى "الإسلام الشيعي"، وقال عنها إنها لا تتطور مع نظام الحكم، وإنما تمشي بالفتوى.

وشدد السيد على أن أحسن فرصة لتجاوز الوضع، تتمثل في تجاوز الأزمات لإحداث الاستقرار وتحقيق التنمية. وأضاف أنه كلما ازدادت الدولة، في المشرق، نجاحا كلما قل خطر الإسلام السياسي. ورأى أن الأزمات الداخلية إذا استمرت وتواصلت قضية فلسطين بغير حل، فإن الإسلام السياسي سيظل مكمنا للأزمات، ولا يمكن ضبطه ولا انضباطه.


جانب من الجمهور المتابع للندوة

وُلد ليبقى
قال أحمد المسلماني، الكاتب الصحفي والإعلامي والمستشار السابق لرئيس الجمهورية المصرية، إن الإسلام السياسي ولد ليبقى، وأنه لا يجب أن تكون المعادلة ولد ليحكم. فالبقاء شيء والحكم شيء آخر.

ورأى المسلماني أن الإسلام السياسي في مصر قد فشل في السلطة. ورأى أن ما انتهى لم ينته، وأن الفراغ الفكري في العالم العربي يمكن أن يمهد للعودة.

وتطرق المسلماني إلى أحداث غزة، وقال إن موقف الأزهر الشريف كان عامل تحصين لعدم ركوب جماعات الإسلام السياسي على ما يحدث. وأضاف أن هذه الجماعات لم تصْعد وإنما صعِد أحمد الطيب ومؤسسة الأزهر الشريف.


سمير فهيم سليمان الحباشنة (وسط) متحدثا في الندوة وبدا إلى جانبه سعيد بنسعيد العلوي و مهند مبيضين

وتحدث المسلماني عن الهويات المتعددة، مشددا على أن التعدد أمر مقبول في العالم المعاصر، وأن الأصالة والمعاصرة يجب أن تكون علاقتهما باستمرار عامل تحصين.

وبعد أن تحدث عن الغرب الذي يريد الحداثة لنفسه حصريا، تحدث عن "الشيخ غوغل"، وقال إنه أصبح "شيخ الإسلام في القرن 21".

ورأى المسلماني أن حجم التطرف الموجود على محرك البحث العالمي أكبر من حجم الاعتدال، مشيرا إلى أن للتطرف بريقه، في وقت يفتقد فيه الاعتدال لهذا البريق. كما انتقد الرأسمالية المتطرفة وقال إنها جزء من الأزمة.

وخلص المسلماني إلى أن هناك حالة من الإحباط واليأس والشعور بالهزيمة في العالم العربي. ودعا، في هذا الصدد، إلى تجديد الثقة في النفس، وأضاف: "اليائسون لا ينتصرون، والمهزومون نفسيا لن يصعدوا لا علميا ولا بحثيا ولا اقتصاديا. هذا وقت صناعة الأمل".

حالة تنافي
تساءل سعيد بنسعيد العلوي، الروائي والعميد السابق لكلية الاداب والعلوم الإنسانية في جامعة محمد الخامس بالرباط، إن كانت كل الأحزاب ذات المرجعية الدينية تنتمي إلى الإسلام السياسي. ورأى أن الدين الإسلامي واقع، لذلك تمر كل أنماط الوعي في العالم العربي عبر الوعي الديني.

وتحدث بنسعيد العلوي عن حالة تنافي بين الإسلام السياسي من جهة والحزب السياسي وفكرة الدولة من جهة ثانية. ورأى أنه لا يمكن لحزب سياسي أن يعمل إلا داخل دولة تمارس السيادة ضمن رقعة جغرافية معلومة، ولها مواطنون. وقال إن الإسلام السياسي لا يعترف بالحدود بين الدول ويوظف مفهوم "مسلم"بدل "مواطن"، ولا يعترف بالسيادة كما تتحدد في إطار مفهوم الدولة الحديثة.

وبخصوص تجربة المغرب ، قال إنها أظهرت أن مشاكل الواقع شيء والشعارات شيء آخر. وأضاف أن هذه التجربة أظهرت أن الأحزاب ذات المرجعية الدينية لديها نوع من التضخم والفائض النظري.