يحظى عيران عتصيون بثقة لدى أعلى مستويات إسرائيل، بصفته شخصاً أدى خدمته مع أربعة رؤساء وزراء وكان نائباً لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي.

يعد عتصيون منتقداً لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، منذ فترة طويلة، واكسبته سنوات خدمته العامة احتراماً واسع النطاق.

يحذر عتصيون الجندي السابق الجيش الإسرائيلي، من أنه ربما يرتكب جرائم حرب في شمال غزة، ويقترح أن يرفض الضباط والجنود الأوامر غير القانونية.

"يجب أن يرفضوا. إذا توقع الجندي أو الضابط ارتكاب فعل قد يُشتبه في أنه جريمة حرب، يجب عليهم الرفض. هذا ما كنت سأفعله لو كنت جندياً. هذا ما أعتقد أنه يجب على أي جندي إسرائيلي فعله"، يقول عتصيون.

تقع منطقة جباليا في غزة على بعد أقل من 40 ميلاً، من شرفة منزل عتصيون حيث نجلس في شوريش بوسط إسرائيل تحت أشعة شمس هادئة في صباح خريفي، في حي هادئ فيما يعمل بعض البنائين على تحسين المنزل.

نقل لإحدى الجثث إلى المستشفى المعمداني الأهلي بعد هجوم للجيش الإسرائيلي على جباليا في قطاع غزة، في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2024
Getty Images
نقل لإحدى الجثث إلى المستشفى المعمداني الأهلي بعد هجوم للجيش الإسرائيلي على جباليا في قطاع غزة، في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2024

وأثناء الحديث مع عتصيون، يرسل الأطباء والطاقم الطبي في المستشفى الإندونيسي في جباليا ملاحظات صوتية يائسة إلى المجتمع الدولي يناشدون فيها الحصول على المساعدة.

وسمعت بي بي سي ممرضاً مسؤولاً تحدث بصوت منهك عن الحرمان المستمر الذي يُزعم أن الإسرائيليين فرضوه خلال حصار جباليا.

"صديقي، أنا متعب جداً … لا أستطيع أن أشرح كم أنا متعب. ليس لدينا ماء. اتصلنا بالقوة الإسرائيلية للسماح لنا بتعبئة المياه في الخزان، لكنهم لا يقبلون ذلك ... ولا نعرف ماذا سيحدث غداً. الوضع سيء للغاية"، يقول الممرض.

ويروي ممرض آخر: "أنا آسف على لغتي، لا أستطيع التحدث بشكل جيد. أنا متعب للغاية وأشعر بالدوار. لم أتناول أي طعام منذ يوم أمس. نحاول تقديم الطعام الذي نجده للمرضى وأسرهم، لكننا لا نطعم أنفسنا".

يفر عشرات الآلاف الآن من جباليا بينما يواصل الجيش الإسرائيلي هجومه على ما يقول إنه محاولة من حركة حماس لإعادة تجميع الصفوف.

يبدي عتصيون قلقه على المدنيين في جباليا وعلى بلاده. ويقول: "هناك تآكل خطير للغاية للمعايير. وهناك شعور واسع النطاق بالانتقام والغضب".

ويُرجع عتصيون الأمر إلى أن إسرائيل ما تزال تعيش في حالة الصدمة بعد هجمات حماس في السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023، التي قُتل فيها حوالي 1200 إسرائيلي واحتُجز أكثر من 200 كرهائن في غزة.

"يمكن فهم الرغبة في الانتقام. إنهم بشر، لكننا لسنا عصابة، لسنا منظمة إرهابية، ولسنا ميليشيا. نحن دولة ذات سيادة. ولدينا تاريخنا، ولدينا أخلاقنا، ولدينا قيمنا، ويجب أن نعمل بموجب القانون الدولي وبموجب المعايير الدولية إذا أردنا أن نظل أعضاءً في المجتمع الدولي، وهو ما نقوم به"، وفق عتصيون.

يتحدث عتصيون علانية كجندي سابق، كشخص خدم أولاده في الجيش الإسرائيلي، وما تزال عائلته وأصدقاؤه يخدمون.

"أنا مجرد مواطن قلق أحاول رفع صوتي. لذلك هذا ما أفعله. أريد أن أتأكد من عدم تورط أي جندي في أي شيء يمكن أن يشكل جريمة حرب"، وفق قول عتصيون.

وواجهت إسرائيل انتقادات دولية متزايدة بسبب سلوكها خلال الحرب، وهددت الولايات المتحدة بقطع شحنات أسلحة إذا لم تسمح إسرائيل بتدفق المساعدات إلى غزة.

واتهمت الأمم المتحدة الإسرائيليين بتكرار منع أو عرقلة نقل المساعدات، وكان آخرها إلى شمال غزة.

ورفض الجيش الإسرائيلي باستمرار ادعاءات تنفيذه سياسة تجويع متعمدة لإجبار السكان على الفرار من جباليا.

ولطالما اتهمت إسرائيل حماس باستخدام السكان المدنيين كدروع بشرية، وشن هجمات من المدارس والمرافق الطبية.

وقال الجيش الإسرائيلي في مايو/أيار 2024، إن "حماس لا تتردد في الإساءة إلى سكان غزة واستغلالهم وسرقة المساعدات منهم ومنعهم بقوة من الإخلاء عندما يكون من الضروري فعل ذلك".

نازحون فلسطينيون أمرهم الجيش الإسرائيلي بإخلاء الجزء الشمالي من غزة يفرون وسط عملية عسكرية إسرائيلية في جباليا شمال قطاع غزة، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2024
Reuters
نازحون فلسطينيون أمرهم الجيش الإسرائيلي بإخلاء الجزء الشمالي من غزة يفرون وسط عملية عسكرية إسرائيلية في جباليا شمال قطاع غزة، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2024

وقال أحد أبرز محامي جرائم الحرب في بريطانيا، البروفيسور فيليب ساندز في حديث مع بي بي سي، إن إسرائيل كان لها الحق في الدفاع عن النفس بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين أول 2023، لكنها تنتهك الآن القانون الدولي.

"يجب أن تكون متناسبة. وعلى إسرائيل أن تفي بمتطلبات القانون الإنساني الدولي. ويجب أن تميز بين المدنيين والأهداف العسكرية"، وفق ساندز.

يضيف ساندز: "لا يسمح لك باستخدام المجاعة كسلاح حرب. لا يسمح لك بترحيل أو إجلاء أعداد كبيرة من الناس قسراً".

ويرى المحامي الذي قاد قضية الإبادة الجماعية ضد ميانمار، وقضية إقامة دولة فلسطينية في محكمة العدل الدولية في لاهاي، أن "من المستحيل رؤية ما يحدث الآن في غزة، ورؤية ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، دون القول إن الجرائم شديدة الوضوح".

أحد أبرز محامي جرائم الحرب في بريطانيا، البروفيسور فيليب ساندز في في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2022
Getty Images
أحد أبرز محامي جرائم الحرب في بريطانيا، البروفيسور فيليب ساندز في في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2022

وحصل كتاب ساندز الذي يروي بالتفصيل تجربة عائلته اليهودية مع الهولوكوست "شارع الشرق والغرب: حول أصول الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية" بجائزة بيلي جيفورد للأعمال غير الروائية.

وبعد سؤال ساندز عما إذا كانت الأزمة في غزة تجعله قلقاً بشأن بقاء القانون الدولي، أشار إلى حقيقة أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يسعى للحصول على مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيلي.

كما طلب المدعي العام مذكرات توقيف بحق ثلاثة من قادة حماس، والذين ماتوا بمن فيهم زعيم حماس يحيى السنوار.

وقال "إن القانون الدولي لا يعمل على أرض الواقع بشأن روسيا وأوكرانيا. ولا يعمل على أرض الواقع بشأن السودان. ولا يعمل على أرض الواقع فيما يتصل بفلسطين وإسرائيل".

" … يتعين علينا فقط أن ندرك ذلك. ولكن هذا ليس سبباً لتمزيق النظام بأكمله"، وفق ساندز.

"إذا سألت نفسك ما هو البديل، وهو في الأساس عدم وجود قطع من الورق مكتوب عليها عبارة المعاهدات، فقد عدت إلى الثلاثينيات، وعلى الأقل ما لدينا الآن هو نظام قواعد يسمح للناس بالوقوف والقول: هذا انتهاك لمعاهدة"، يقول ساندز".

وطلبت بي بي سي من الجيش الإسرائيلي إجراء مقابلة لكنه قال إنه لا يوجد متحدث رسمي متاح اليوم، وطلب منا العودة إلى بيان سابق جاء فيه: "سيواصل الجيش الإسرائيلي التصرف، كما كان يفعل دائماً، وفقاً للقانون الدولي".

واليوم، قال منسق وحدة تنسيق العمل الحكومي في المناطق (COGAT)، جناح الإغاثة الإنسانية بالجيش الإسرائيلي، إن سياستهم هي تسهيل دخول المساعدات إلى غزة "بلا حدود".

ومع استمرار ظهور مشاهد المعاناة المدنية من جباليا، فهناك تحد على نطاق واسع لرواية إسرائيل.