إيلاف من واشنطن: اتبعت الولايات المتحدة منذ مجيء جو بايدن إلى البيت الأبيض سياسة "مركّبة" تجاه العراق، فهي تصرّ على أن حضور القوات الأميركية على الأراضي العراقية أمر ضروري، وتشدّد على أنه مخصص لمواجهة داعش ومنعه من العودة إلى تنظيم نفسه، كما ولمساعدة القوات العسكرية والأمنية العراقية في هذه المهمة. ومن ضمن هذه السياسة "المركّبة"، قالت إدارة بايدن إن العراق مهمّ للولايات المتحدة.

العراق والرؤساء
من الواضح أن العراق انحدر في أهميته لدى الأميركيين خلال السنوات العشرين الماضية، فالرئيس الأميركي جورج دبليو بوش أسقط النظام لإنشاء عالم عربي جديد، فيما قرر الرئيس التالي باراك أوباما أن حرب إسقاط النظام في العراق هي تشتيت للقدرات عن المشكلة الرئيسية وهي أفغانستان.

من جهته دونالد ترامب كان متردداً، وذكّر الأميركيين أنه كان يعارض حرب العراق، وشعر بالإهانة عندما زار الجنود الأميركيين قرب بغداد العام 2018 وأطفأت الطائرة الرئاسية الأضواء خوفاً من هجوم مسلّح عليها. كانت ردّة فعل ترامب أن الولايات المتحدة ضحّت بالكثير وفشلت في جعل العراق بلداً صديقاً، وكان ترامب أقرب إلى الانسحاب من هناك بشكل كامل، لكن مساعديه أقنعوه بأن الانسحاب سيعني تمدّداً إيرانياً، وهذا ما لا يريده. كانت آخر سياساته في العراق مفادها أن "الأميركيين باقون إلى أن يخرج الإيرانيون".

بايدن "الهجين"
أكثر ما يعبّر عن سياسة بايدن تجاه العراق هو قبوله بمطلب الحكومة العراقية بإنهاء دور القوات الأميركية في العراق، وكذلك دور التحالف الدولي بحلول شهر أيلول/سبتمبر من العام 2025 على أن تبقى بعض القوات، على الأرجح في منطقة كردستان العراق، حتى أواخر أيلول/سبتمبر 2026 لمساندة القوات الأميركية في مهمة مكافحة داعش في سوريا.

الفارق الأساسي في سياسة بايدن، التي تقع بين ولايتين لترامب، هو أن الرئيس الديمقراطي كان يريد المحافظة على الحضور الأميركي العسكري والثقافي والاقتصادي، لكنّه لم يعتبر في أي وقت من الأوقات أنه في منافسة مع الإيرانيين والحرس الثوري الإيراني، ولم يرَ أن الفصائل الموالية لإيران هي تهديد بعيد المدى للأميركيين.

استعمل بايدن الشدّة مع بعض الفصائل عندما تعرّضت القوات الأميركية لهجمات، وقتل الأميركيون بعض قادة الفصائل، لكن الكثيرين من منتقدي سياسات بايدن في الشرق الأوسط والعراق يعتبرون أنه سمح لإيران والحرس الثوري الإيراني بجعل العراق رئة تتنفّس من خلالها طهران، وتتخطّى عن طريقها العقوبات المالية والنفطية المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة، وقد أصبحت هذه العقوبات عديمة الجدوى ضد إيران بسبب تهاون إدارة بايدن في الساحة العراقية.

"ترامب راجع"
دونالد ترامب على مسافة أسابيع من العودة إلى البيت الأبيض، والشخصيات المكلّفة بانتقال السلطة من قبل الرئيس المنتخب تستطلع آراء الكثيرين بشأن الشرق الأوسط، ومن بينهم من يهتمّ بشؤون العراق.

وتحدث موقع العربية عبر مصادر عن بعض الخطوط العريضة لمقاربة ترامب، وهي لا تتعلّق بالعراق أولاً، بل بإيران، وقالت العربية إن ترامب ومساعديه مصرّون على التصدّي لإيران، والخطوة الأولى ستكون منع إيران من استعمال العراق لتهريب النفط، ومنع إيران من استغلال النظام المصرفي والمالي العراقي لتهريب الدولار الأميركي، كما سيكون تسرّب الأسلحة الإيرانية إلى العراق وسوريا ولبنان هدفاً مباشراً للأميركيين، وإن لم يفعلوا شيئاً مباشراً في بند الأسلحة، فإن ترامب ربما يفتح الباب واسعاً أمام اسرائيل لتوسيع هجماتها على الإيرانيين والفصائل الموالية لهم على الأراضي العراقية.

صعوبات العراق
تكمن الصعوبة الأكبر عند رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، فهو يحاول أن يكون رئيس وزراء العراق بأجمعه، لكنه يواجه تيارات حزبية وعرقية ودينية داخل بلاده تهتم إما بمصالحها المباشرة، أو أنها تأخذ في عين الاعتبار علاقاتها الخارجية أكثر من كونها تتبنّى فكرة الدولة العراقية الجامعة.

مجيء ترامب ومحاولة الأميركيين مواجهة الإيرانيين بدءاً من العراق، سيزيد من تحدّيات السوداني، وربما يجد تشجيعاً من الدول العربية والأوروبية، لكن الصعوبة ستكمن في قدرة هؤلاء اللاعبين الإقليميين والدوليين على احتواء ترامب أو إيران، أو على مساعدة الحكومة العراقية لإيجاد مناعة تحتاجها فيما يدفع كل طرف باتجاه مصلحته.