إيلاف من بغداد: يعوّل رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، على الجهود التي بذلها منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2022 لإعادة بغداد إلى محيطها العربي، بهدف تجنيب العراق مخاطر الانزلاق في صراع إقليمي، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.
وقد أكد السوداني في كلمته التي ألقاها في الذكرى السابعة لانتصار القوات العراقية على تنظيم داعش أنه يتابع الأحداث في سوريا، وأعرب عن أمله في أن "تتحلى دول المنطقة والعالم أجمع بالمسؤولية للمحافظة على أمن سوريا وسيادتها".
"ينبغي ترك الخيار للشعب السوري، واحترام إرادته الحرة، إلى جانب المسؤولية الدولية في حفظ وحدة الأراضي السورية وحماية التنوع."
محمد شياع السوداني / رئيس الوزراء العراقي
وقال المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، إن ما يحدث في سوريا يرتبط مباشرة بالأمن القومي العراقي، لذا فإن العراق يبذل قصارى جهده لإيجاد حل سياسي متوازن للتداعيات الأخيرة. وأضاف العوادي أن العراق يرى مشروعًا تركيًا يتشكل ولا يريد لدولة أن تنفرد بسوريا.
ولا يخفى على أحد أن لدى العراق مخاوف من سيطرة هيئة تحرير الشام على السلطة في سوريا، إذ إنها مصنفة إرهابية وتخضع لعقوبات أمريكية تشملها وكل المتعاونين معها. كما لن ينسى العراق معركته مع الإرهاب التي كبدته الآلاف من أرواح أبنائه، فضلًا عن التأخر التنموي الذي يسعى الآن إلى تداركه حتى يأخذ مكانه التاريخيّ في الشرق الأوسط.
ومن هنا يظهر تمسّك السوداني بأن يكون العراق "العربي" داعمًا لسوريا باعتبارها دولة عربية في المقام الأول، وفي الوقت نفسه آمنًا من مخاطر الإرهاب أو الطائفية أو العودة إلى الوراء. كما لن يسمح باتساع رقعة الصراع في المنطقة بما يهدد الأمن العربي والإقليمي، وبالتالي يعيق مسيرة التنمية ويفتح المجال أمام أطراف تسعى لعودة شبح الطائفية ليطل برأسه القبيح على العراقيين.
الاتصالات التي أجراها السوداني مع القادة العرب عقب سقوط نظام الأسد، مع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فضلًا عن الزيارة الخاطفة التي اجتمع فيها مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين، تدل على أن السوداني يعتبر العراق ضلعًا أساسيًا في الجسم العربي ويضع الأمن القومي العراقي في سياق الأمن العربي.
ويتسق هذا الطرح مع ما تردد عن أن العراق يقود مبادرة مع الأردن والإمارات تأتي وفق شروط العراق التي تتضمن حماية الشيعة ومراقدهم، وحماية الأقليات والتنوع، وعدم الاقتراب من الحدود العراقية.
كما أجرى السوداني محادثات مع عدد من القادة الغربيين؛ حيث اجتمع مع وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الذي حرص على أن تكون بغداد ثاني محطة يزورها بعد أنقرة، ليؤكد وبجانبه السوداني أن الولايات المتحدة ملتزمة بأمن العراق وبمنع عودة تنظيم داعش الإرهابي.
كما التقى السوداني مع قائد القيادة المركزية الأمريكية في بغداد، وأجرى مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، أكد خلالها دور العراق المحوري في حفظ أمن واستقرار المنطقة.
وفي كل مناسبة، يمد السوداني يده بالسلام للحكام الجدد في سوريا، مؤكدًا ضرورة احترام إرادة السوريين واستعداد العراق للتعاون مع الحكومة المؤقتة ما دامت تسعى للبناء والاستقرار، لا للهدم والفوضى أو تنفيذ أجندات خارجية تتعارض مع مصلحة العراق.
من خلال تعاون جاد وحقيقي بدأه السوداني منذ يومه الأول في منصبه مع مختلف الدول العربية، بات العراق في وضع يسمح له بأن يلعب دورًا لم يمارسه منذ سنوات طويلة، وهو الحفاظ على موقف العرب الواحد، واستباق الأزمات، وبناء حائط صد عربي للحفاظ على أمن العراق القومي. وقد جاء الوقت الذي يتمترس فيه العراق بالحصن العربي، ماضيًا بالعراق في طريق بدأه وهو مصمم على أن يواصل السير فيه رغم التحديات.
التعليقات