إيلاف من الرباط:تواصل الجزائر تعميق التوترات الجيوسياسية في شمال إفريقيا،بالامتناع عن المشاركة في مناورات لمكافحة الإرهاب،تشمل المغرب وشركاءه الإقليميين، في إطار سياسة احتواء التهديدات العابرة للحدود في منطقة الساحل وشمال إفريقيا.
وأعلنت الجزائر، الاربعاء، عبر وسائل إعلام محلية، رفضها للدعوة الرسمية التي وجهتها لها الولايات المتحدة للمشاركة في مناورات "الاسد الأفريقي 2025 ، التي من المرتقب أن تُجرى فوق التراب المغربي بمشاركة جيوش عدد من الدول.
وذكرت تقارير صحفية جزائرية أن "القرار السيادي" يأتي ردًا على إدراج إسرائيل ضمن قائمة الدول المشاركة في التمرين العسكري الأوسع من نوعه في القارة، والذي دأبت القيادة الأميركية لإفريقيا (أفريكوم) على تنظيمه سنويًا بشراكة مع القوات المسلحة الملكية المغربية.
ويحمل القرار الجزائري، وإن لم يُعلن عبر قنوات رسمية، رسائل ضمنية بشأن المقاربات الأمنية والسياسية التي تنتهجها الجزائر في علاقتها مع القوى الدولية، لاسيما الولايات المتحدة، في ظل ما تعتبره "محاولات لتطبيع عسكري في الجوار الإقليمي".
ويأتي الموقف في سياق إقليمي مشحون، حيث تتخذ العلاقات بين الجزائر والمغرب مسارًا تصعيديًا منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في صيف 2021، على خلفية ملفات معقدة تتراوح بين نزاع الصحراء والدور الجزائري في دعم جبهة البوليساريو، إلى جانب مواقف غير مفهومة من الاتفاق الإبراهيمي للسلام الذي وقّعه المغرب مع إسرائيل عام 2020 برعاية أميركية .
"الاسد الافريقي" والمعادلة الأميركية
يرى الدكتور عصام لعروسي مدير مركز منظورات للدراسات الجيوسياسية والخبير في الشؤون الدولية وتسوية النزاعات، في تصريح ل"إيلاف"، أن الولايات المتحدة تسعى من خلال هذه المناورات إلى تعزيز محور أمني يشمل المغرب وشركاءه الإقليميين، في إطار سياسة احتواء التهديدات العابرة للحدود في منطقة الساحل وشمال إفريقيا. وقد تُفهم دعوة الجزائر رغم مواقفها المعلنة، كمحاولة أميركية لعدم إقصائها من خارطة التعاون الأمني، لكنها في الوقت ذاته تُعد اختبارًا لموقع الجزائر في ميزان التحالفات الراهنة.
وأوضح العروسي أن اعلان وسائل الإعلام الجزائرية لموقف عدم المشاركة يبقي الجزائر في عزلة دولية، ويرفع مستوى التضييق على هذا النظام الذي بات يعيش على وقع صراعات مع جيرانه.
في المقابل، يضيف العروسي، يُنظر إلى استمرار تنظيم مناورات الاسد الافريقي بالمملكة المغربية باعتباره تأكيدًا لموقع الرباط المتقدم ضمن الشراكات العسكرية الاستراتيجية للولايات المتحدة، خاصة مع تزايد وتيرة التنسيق الأمني والاستخباراتي بين البلدين، وتوسيع قاعدة التعاون لتشمل تدريبات بالذخيرة الحية، ومناورات بحرية وجوية، وتمارين للتصدي للتهديدات الإرهابية.
ويرى أن مناورات "الأسد الإفريقي" تُمثل تتويجًا لمسار متسارع من التعاون الأمني بين الرباط وواشنطن، وهو ما يمنح للمغرب نفوذًا إضافيًا في توازنات المنطقة، مقابل عزلة سياسية متنامية للجزائر على الصعيد الإقليمي.
ويتجاوز قرار الجزائر مقاطعة مناورات "الاسد الأفريقي" منطق الرفض الظرفي، ليُعبر عن تموضع استراتيجي رافض لمنطق التحالفات الجديدة في المنطقة، ويُبرز في الآن ذاته عمق التحولات التي تشهدها الخريطة العسكرية والدبلوماسية في شمال إفريقيا،حيث باتت المناورات الميدانية واجهات صراع ناعم بين قوى تتبنى مشاريع سياسية متضاربة.
التعليقات