يعوّل الكثيرون هذه الأيام وبشكل كبير على فكرة القنبلة الاسلامية على أنها هي السبيل الأوحد أمامنا نحن المسلمين لرد اعتبارنا. وقد يكون ذلك المنطق صحيحاً في عالم اليوم الذي لا مكان فيه للضعيف عسكرياً. ولكن القول بأن حصول دولة اسلامية معينة على القنبلة النووية سيشكل نواة من شأنها ان تعزز من قوتنا ومكانتنا الاسلامية من خلال إشراك عدد أكبر من الدول الاسلامية في مثل هذا المشروع أمر مبالغ فيه. ويمكن إرجاع هذا الرأي إلى عدة أسباب يمكن إجمالها في التالي:
* أولاً: ثبت ان السلاح النووي هو سلاح سياسي أكثر من كونه سلاحاً عسكرياً. بمعنى أنه يستخدم كورقة ضغط سياسية في التعامل بين الدول التي يكون فيما بينها خلاف عسكري أكثر من استخدامه كسلاح عسكري لحل الخلاف القائم. فقد ثبت انه لم يتم استخدام هذا السلاح عسكرياً إلا مرة واحدة في عام 1945 عندما استخدمته الولايات المتحدة ضد اليابان، ومنذ ذاك التاريخ إلى يومنا هذا لم يشهد العالم استخداماً معترفاً به لمثل هذا السلاح عسكرياً رغم انه في بعض اللحظات كادت بعض الدول تكون قاب قوسين أو أدنى من استخدامه. أما سياسياً فقد تم استخدامه مراراً وتكراراً وبدرجات مختلفة ومتفاوتة من قبل جميع الدول التي تمتلكه كورقة ضغط من جهة وكوسيلة لفرض هيمنتها من جهة أخرى.
* ثانياً: ثبت أيضاً بأن السلاح النووي يعتبر سلاحاً رادعاً أكثر من كونه سلاحاً هجومياً. فهو ليس سلاحاً ليستخدم من أجل إنهاء وضع وخلاف عسكري معين من خلال توجيه ضربة هجومية نووية بقدر ما هو سلاح يضمن لمن يمتلكه درجة عالية من الأمان لم تكن متوفرة لديه من دونه. أي ان امتلاك دولة ما لمثل هذا السلاح يزيل إلى درجة كبيرة خطر قيام دولة أخرى بتوجيه ضربة عسكرية لها. فلم يثبت منذ هيروشيما وناكازاكي أن قامت دولة نووية بتوجيه ضربة نووية لدولة أخرى بهدف وضع حد لخلاف معين.
* ثالثاً: لم يثبت ان قامت دولة تمتلك السلاح النووي بتقديم مثل هذا السلاح لدولة أخرى غير نووية لتجعل من تلك الدولة دولة نووية عسكرياً. صحيح ان هناك مساعدات تقدم من قبل بعض الدول النووية لبرامج نووية لدول أخرى، إلا ان هذه المساعدات لا تتعدى في أفضل حالاتها المساعدة في التكنولوجيا اللازمة للاستخدامات النووية غير العسكرية. جميع الدول النووية عسكرياً اليوم هي دول طورت قدراتها العسكرية النووية بجهد ذاتي مكثف بالدرجة الأساسية مع استغلال المساعدات الخارجية في بعض الجوانب التكنولوجية. فالسلاح النووي هو سلاح يعطي العزة والكبرياء والتفوق للدول المالكة له، لذلك لا نجد مثل هذه الدول تحبذ نقل التكنولوجيا العسكرية النووية لدول أخرى خوفاً من تعرض عزتها وكبريائها وتفوقها إلى منافسة من قبل دول أخرى حتى ولو كانت تلك الدول صديقة وتربطها بها علاقات فكرية وخلافها. فها هو الاتحاد السوفييتي السابق القائد لما كان يعرف سابقاً بالمعسكر الشرقي قد بنى لنفسه قوة نووية عسكرية هائلة إلا انه رفض كل الرفض مشاركة حلفائه من الدول الشيوعية في مثل هذا السلاح. والحديث ذاته ينطبق على جميع الدول النووية الأخرى بلا استثناء.
* رابعاً: ثبت كذلك بأن امتلاك دولة ما للسلاح النووي يجعل تلك الدولة تضع نصب عينها حماية استمرارية ذلك البرنامج كأولوية في توجهها الخارجي. فكل الدول الحديثة العهد نووياً لا تود لبرنامجها النووي الانتهاء. لذلك فهي دائماً ما نجدها تلتزم بإرضاء الكبار خوفاً من تعرض برنامجها للهجوم. وأول ما تقوم به هذه الدول هو الانضمام إلى المعاهدات والاتفاقيات المنظمة لمثل هذه البرامج، وتلتزم كذلك بمبدأ ألا تكون هي الطرف الأول السباق لاستخدام السلاح النووي، وتلتزم أيضاً بعدم نقل تكنولوجيته لدول أخرى غير نووية. وكل الدول نجدها دائماً تلتزم بمثل هذه الأمور سعياً للحفاظ على برامجها النووية.
وعليه فإن التعويل وبناء آمال كبيرة من قبل العديد من المسلمين في حصول جمهورية إيران الاسلامية على السلاح النووي بناء على المعطيات التاريخية السالفة الذكر مبالغ فيه. بل ان ما يعزز فكرة ان هذا الأمر هو أمر مبالغ فيه هو ان هناك في عالمنا اليوم دولة إسلامية هي باكستان قد نجحت في الحصول على السلاح النووي ولكن حصولها على مثل هذا السلاح لم يعزز مكانة العالم الاسلامي ولم يحل قضاياه. وإنما الحقيقة هي ان الدول الساعية للحصول على السلاح النووي جميعها بلا استثناء دول لديها دوافع معينة ومحدودة بمصلحتها الداخلية يجعلها تسعى لامتلاك هذا السلاح فباكستان لم تمتلك السلاح النووي لنصرة قضايا الاسلام والمسلمين بل كان تخوفها من الهند هو الدافع الأول والأخير. وإيران اليوم تعيش ذات اللحظة.

فليس سعي إيران لامتلاك السلاح النووي هو من أجل تحرير فلسطين بل بالأحرى هو من أجل تحرير نفسها من القيود التي استطاعت الولايات المتحدة ان تفرضها عليها ومن محاصرة واشنطن لها وخنقها من كل الجهات. فإيران اليوم في أمسّ الحاجة إلى كل ما يمكن ان يفتح لها مجالاً تستطيع من خلاله التنفس خارج دائرة الخناق التي فرضتها واشنطن عليها من كل الجهات بلا استثناء. وباعتبار ان إيران هي من دول "محور الشر" المتبقية مع كوريا الشمالية بعد حسم الأمر مع العراق، لذا غدت أمام تهديدات أمريكية على غرار النموذج الافغاني والعراقي في التغيير. فما كان أمام إيران للخروج من مثل هذا الوضع سوى وضع جهدها من أجل الحصول على السلاح النووي واتباع الاسلوب الكوري الشمالي في هذا المجال والذي استطاعت كوريا الشمالية من خلال إصرارها على امتلاك السلاح النووي وضع الولايات المتحدة والعالم أمام خيار الحوار الدبلوماسي والابتعاد عن خيار التهديد العسكري. ولا ننسى هنا كذلك ان محاولات إيران السابقة بشأن إقامة تحالف دولي مع بعض القوى الدولية مثل روسيا والصين ضد الولايات المتحدة قد وصل إلى طريق مسدود بعض رفض هاتين الدولتين الدخول في مغامرة من مثل هذا النوع.
إذاً، هي مصالح الدول الذاتية وليست المصالح القومية والفكرية التي تجعل الدول تسعى لامتلاك السلاح النووي، كذلك فإن مصالحها الذاتية هي التي تحدد إطار وحدود استخدامه. فكما لم يشهد العالم استخداماً ثانياً للقنبلة النووية فإنه لا مناص من استمرار مثل هذا الوضع. فلا يمكن لدولة حديثة العهد في المجال النووي ان تستخدم سلاحها النووي في هجوم ضد دول راسخة في مثل هذا المجال. فإلى كل من يعولون على مشروع القنبلة الاسلامية فإن مثل هذا الأمر وفي ظل الوضع المخزي من الشتات والخلاف بين دول عالمنا الاسلامي ليس أكثر من خرافة تحركها عواطفنا لا عقولنا.